محمد بن عبد الرحمن.. الوجه الدبلوماسي للوساطات القطرية
klyoum.com
محمد أمين - الخليج أونلاين
قاد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، جهود الوساطة القطرية للنزاعات حول العالم باحترافية عالية، ما جعله ضمن الشخصيات الـ 100 الأكثر تأثيراً حول العالم.
في أي نزاع أو منطقة صراع بين طرفين متحاربين متخاصمين، تبرز الحاجة إلى طرف ثالث يكون وسيطاً ويمتلك نفوذاًومصداقية، ويقف بشكل حيادي، ويتمتع بخبراتوسمعة جيدة، لكي يجمع بين المتنازعين بهدف إنهاء حالة الخصام أو الحرب بأقل الأضرار، وهو طرف أثبتت دولة قطر أنها تشغله بأفضل شكل ممكن.
فعلى مدار العقود الماضية، تمكنت قطر من التحول إلى قوة رئيسية في المنطقة، وأصبحت علامة فارقة في مجال الوساطة، حيث فاقت قدراتها حجمها الصغير مساحةً، بإيجاد حلول لكثير من الأزمات، وهو أمر ليس بالسهل، بل يتطلب إدارة المفاوضات بحرفية عالية.
ولإنجاح المفاوضات التي غالباً ما تكون معقدة وصعبة للغاية، يجب أن تتوفر عوامل عديدة، لعل من أبرزها أن يتمتعقائد الوساطة بخبرة عالية، وقدرة على التواصل مع الأطراف المتنازعة، والتعامل مع الحالات المختلفة، وهو دور يشغله منذ أعوام، باحترافية عالية، رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي فاز بجائزة "تيبيراري الدولية للسلام"، في مقاطعة تيبيراري الأيرلندية (الثلاثاء 1 يوليو)؛ تقديراً لدور بلاده البارز في دعم جهود السلام إقليمياً ودولياً.
وخلال كلمته في حفل التكريم، أكد بن عبد الرحمن أن الجائزة تمثل تقديراً لشعب قطر وقيادته، وعلى رأسهم أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واصفاً إياه بأنه "نموذج نادر للقيادة التي تكرس جهدها من أجل خدمة مواطنيها ودعم الأمن والاستقرار حول العالم".
وأشار إلى أن قطر تواصل العمل من أجل ترسيخ قيم السلام والحوار، انطلاقاً من ثقافتها الوطنية وإيمانها الديني والدستوري، مؤكداً أن جهود بلاده لا تهدف إلى تحقيق مصالح ضيقة، وإنما تعكس هوية راسخة تؤمن بحقوق الإنسان واحترام كرامة الشعوب.
ولعبت قطر دوراً بارزاً في الوساطة بين كثير من الدول، كما تواصل جهودها مع عدد من الدول لوقف إطلاق النار في غزة، ووقف الحرب.
وأسست جائزة تيبيراري للسلام عام 1984، وسبق أن حصل عليها قادة وشخصيات بارزة، من بينهم: نيلسون مانديلا، وكوفي عنان، وبيل كلينتون، ورفيق الحريري، وميخائيل غورباتشوف؛ تقديراً لإسهاماتهم في نشر قيم السلام والتسامح.
ولد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني بالعاصمة القطرية الدوحة، في الأول من نوفمبر عام 1980، واستهل حياته المهنية بالعمل باحثاً اقتصادياً في المجلس الأعلى لشؤون العائلة الحاكمة، في العام 2003، بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة قطر.
وتدرّج في المناصب إلى أن تولى منصب مدير الشؤون الاقتصادية، في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2009، وهو العام الذي عيّن فيه مديراً لمشروع "دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة"، كما عُيّن مديراً لإدارة شراكة القطاع الحكومي والقطاع الخاص بوزارة الأعمال والتجارة.
وفي 2009، أيضاً، دشن "مؤسسة قطر للمشاريع"، وهي تعمل على توفير الدعم الفني والمالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وسَعَتْ سياساته إلى رعاية برامج التنويع الاقتصادي عبر جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطر، وعبر ترويج المشاريع التي تسهم في نمو اقتصاد الدولة.
عام 2010، عيّن سكرتيراً للممثل الشخصي للأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لشؤون المتابعة في الديوان الأميري، كما شغل في العام ذاته منصب رئيس مجلس إدارة "شركة قطر للتعدين".
وبعد ذلك بعام واحد، وتحديداً في 2011، أصبح رئيساً للجنة التنفيذية لشركة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما اختير رئيساً لمجلس إدارة شركة "أسباير – كتارا" للاستثمار، وحصل على درجة وكيل وزارة في 2012.
كان عام 2013، بداية التحول في مسيرة الشيخ محمد بن عبد الرحمن، حيث انضم إلى وزارة الخارجية القطرية بموجب تعيينه مساعداً للوزير لشؤون التعاون الدولي.
ومنذ ذلك الوقت ركّز على تعزيز التعاون في مجال العمل متعدد الأطراف، بالتزامن مع تطبيق سياسة قطر الإنمائية الخارجية، وترجمة استراتيجيات التعاون الدولي التي تنبثق من الرؤية الوطنية 2030.
وبتاريخ 27 يناير 2016، تولى حقيبة وزارة الخارجية، وأنيطت به مسؤوليات أخرى، من بينها تعيينه في العام 2017، نائباً لرئيس مجلس الوزراء، كما عُين رئيساً لمجلس إدارة "جهاز قطر للاستثمار" منذ نوفمبر 2018 وحتى 2023، إلى جانب كونه عضواً في المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية والاستثمار.
وشهد شهر مارس من العام الماضي المنصب الأبرز في مسيرة بن عبد الرحمن، بتعيينه رئيساً للوزراء مع احتفاظه بحقيبة وزارة الخارجية، وذلك بموجب الأمر الأميري رقم (3) لسنة 2023.
منذ أن أصبح رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للخارجية، قادبن عبد الرحمن جهود الوساطة القطرية في أنحاء العالم، وعمل على توطيد السلام والأمن الدولي من خلال تشجيع التسوية السلمية للنزاعات الدولية، وذلك تأكيداً لرؤية الدوحة بأن الحل الوحيد للنزاعات يتم عن طريق الحوار والوساطة.
ونشطت الوساطة القطرية في لبنان والسودان، وإيران، وأفغانستان، وتشاد، وفي الحرب الروسية الأوكرانية، ومؤخراً في قطاع غزة، وكان للمسؤول القطري دور كبير في إنجاح عمليات التفاوض التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية، بين الأطراف المتنازعة حول العالم.
ففي عام توليه منصب وزير الخارجية القطري، وتحديداً في 2016، نجحت مساعيه في الإفراج عن أسرى جيبوتيين لدى إرتريا ضمن وساطة قطرية آنذاك، وأعادالأسرى إلى بلدهم برفقته على متن طائرة خاصة، في مارس من ذلك العام.
وبعدها بنحو عام، وتحديداً في 23 يناير 2017، نجحت قطر في استضافة مؤتمر شهد توقيع اتفاق بين حكومة السودان وحركة "جيش تحرير السودان الثورة الثانية"، بمناسبة استكمال عملية السلام في دارفور وفقاً لوثيقة الدوحة.
وفي 2019، استضافت الدولة الخليجية جولات عديدة جمعت الولايات المتحدة وحركة طالبان بهدف مناقشة انسحاب القوات الأمريكيةوقوات التحالف من أفغانستان، لتثمر توقيع اتفاق الدوحة، أواخر فبراير 2020، الذي نص على إنهاء الحرب التي دامت 19 عاماً، وذلك بانسحاب قوات الولايات المتحدة، في أغسطس 2021.
عام 2021، تمكنت قطر من خلال نجاحها في تسيير المفاوضات بين كينيا والصومال، من إنهاء الخصومة بين الطرفين، لتعلن كينيا، في 6 مايو من ذلك العام، عودة علاقاتهما بعد خصومة دامت نحو 5 أشهر، وذلك بعد أن اتهمت مقديشو نيروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية.
كما امتدت يد الوساطة القطرية لتصل إلى تشاد، فبعد 5 أشهر من المحادثات التي استضافتها الدوحة، وتحديداً في 8 أغسطس من عام 2022، وقع اتفاق سلام بين السلطات الانتقالية وجماعات من المعارضة يمهد الطريق أمام حوار للمصالحة الوطنية الشاملة في هذا البلد.
ولعل من أبرز الملفات التي قادها بن عبد الرحمن، اتفاقاً لتبادل محتجزين بين الولايات المتحدة وإيران، في أغسطس من العام الماضي، والذي نتج عنه الإفراج عن 5 إيرانيين كانوا محتجزين في أمريكا، ورفع الحظر عن 6 مليارات دولار من أموال طهران، في حين أفرجت الأخيرة عن 5 سجناء أمريكيين، حيث وصلوا حينها إلى الدوحة، ثم نقلوا إلى بلدهم.
في وقت أصيب فيه مجلس الأمن بالشلل وأصبح عاجزاً عن فض النزاعات العالمية نتيجة الانقسامات الجيوستراتيجية، ظهرت قطر كعادتها بصفتها وسيطاً لحل أبرز القضايا على الساحة الدولية في الوقت الحالي، والمتمثلة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والحرب الروسية الأوكرانية.
وفي ما يتعلق بالقطاع المحاصر، فإن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري يقود منذ أشهر، عملية المفاوضات بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حيث تكللت جهوده بالنجاح من خلال إرساء هدنة إنسانية مؤقتة في 24 نوفمبر الماضي، استمرت أسبوعاً بدعم مصري وأمريكي، وتضمنت وقفاً لإطلاق النار، وإطلاق سراح 240 أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال، مقابل أكثر من 100 أسير لدى المقاومة، من بينهم نحو 80 إسرائيلياً.
كما لعب أيضاً دوراً في الهدنة الثانية التي جرت في يناير الماضي واستمرت حتى مارس الماضي، حيث استأنف جيش الاحتلال عدوانه على غزة.
ورغم تأكيدها وجود صعوبات على الأرض تتعلق بالمفاوضات، فإن قطر تواصل سعيها لإرساء هدنة جديدة في القطاع، ويؤكد بن عبد الرحمن التزام بلاده بدعم كافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
أما في ما يتعلق بالوضع الأوكراني، فإن المسؤول القطري زار روسيا في يونيو الماضي، وأوكرانيا في يوليو، لتعلن قطر إثر ذلك موافقتها على طلب كييف التوسط مع موسكو للم شمل أطفال قُصر مع عائلاتهم، ما أسفر عن إجراء عمليات إعادة أطفال أوكرانيين إلى بلدهم في مناسبات عديدة، بوساطة قطرية.
"أثار إعجاب المسؤولين الأمريكيين"، بهذه العبارة كشفت مجلة "تايم" الأمريكية عن اختيار رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري ضمن الشخصيات الـ100 الأكثر تأثيراً في العالم للعام 2024.
اختيار بن عبد الرحمنجاء نتيجة للدور الذي أداه كوسيط في مناطق الاضطرابات حول العالم، وضمن ذلك أمريكا الجنوبية، والتي كان آخرها إرساء هدنة في غزة، حيث جسّد دور قطر كمُحاور موثوق به، وأضاف للدولة الخليجية أهميةً أكثر رصانة في هذا الإطار.
المجلة الأمريكيةأكدت أن المسؤول القطري "أثار إعجاب المسؤولين في الولايات المتحدة كوسيط بارز في مناطق النزاعات"، حتى قبل بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في 7 أكتوبر 2023.