قطر والهند.. اتفاق تجارة حرة قريب يرسم ملامح تحالف اقتصادي جديد
klyoum.com
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- قطر والهند تقتربان من توقيع اتفاقية تجارة حرة تهدف إلى مضاعفة التبادل التجاري ليصل إلى 28 مليار دولار خلال 5 سنوات.
- الدوحة أعلنت خططاً لاستثمار 10 مليارات دولار في قطاعات حيوية بالهند تشمل البنية التحتية والتكنولوجيا والأمن الغذائي.
- الاتفاقية المرتقبة تتيح للهند تنويع شركائها التجاريين بعيداً عن السوق الأمريكية، وتمنح قطر دخولاً أوسع إلى سوق يضم 1.4 مليار نسمة.
تشهد العلاقات الاقتصادية بين الهند وقطر مرحلة مفصلية، مع اقتراب الطرفين من توقيع اتفاقية تجارة حرة مرتقبة من شأنها إعادة رسم خريطة التعاون الثنائي وفتح آفاق جديدة للاستثمار والتبادل التجاري.
ويأتي هذا التطور في وقت تسعى فيه نيودلهي إلى تنويع أسواقها التجارية بعيداً عن الاعتماد على الولايات المتحدة، بعد الرسوم الجمركية الأخيرة التي فُرضت على صادراتها، فيما تتحرك الدوحة لتوسيع شراكاتها الاستراتيجية في آسيا وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والطاقة.
وعلى مدى السنوات الماضية، أرسى البلدان قاعدة صلبة من التعاون في مجال الطاقة، حيث تُعد قطر أكبر مورّد للغاز الطبيعي المسال إلى الهند، في حين تعمل نيودلهي على تعزيز استثماراتها في البنية التحتية والخدمات والقطاعات التقنية.
وفي هذا السياق تعهد الجانبان بمضاعفة حجم التبادل التجاري إلى 28 مليار دولار، خلال خمس سنوات، إلى جانب إعلان الدوحة استثمار 10 مليارات دولار في قطاعات حيوية بالهند.
وبينما ترتفع التطلعات نحو هذه الاتفاقية، تبرز تساؤلات حول حجم المكاسب التي ستعود على الطرفين، وكيف ستسهم في دعم خطط كل منهما للتحول الاقتصادي، في ظل بيئة دولية تتسم بالمنافسة الشرسة وتعدد الأزمات.
اتفاقية تجارة حرة قريباً
وفي 8 سبتمبر الجاري، نقلت وكالة رويترز عن مصدر حكومي هندي أن نيودلهي تُرجِّح وضع اللمسات الأخيرة على بنود اتفاقية التجارة الحرة المقترحة مع قطر، في أوائل أكتوبر المقبل، في إطار سعيها لتوطيد شراكاتها التجارية العالمية، وتعويض أثر الرسوم الجمركية الأمريكية.
وأضاف المصدر الحكومي الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن وزير التجارة الهندي بيوش جويال قد يزور الدوحة في السادس من أكتوبر، لوضع إطار عمل للمفاوضات.
علاقات اقتصادية واسعة
وخلال زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للهند، في فبراير الماضي، اتفق الجانبان على تعزيز شراكتهما، ومضاعفة حجم التجارة الثنائية إلى 28 مليار دولار، في غضون 5 سنوات.
كما أعلنت قطر خططاً لاستثمار 10 مليارات دولار في الهند، في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجيا والتصنيع والأمن الغذائي والخدمات اللوجستية والضيافة، وفق بيان صادر عن البلدين عقب زيارة الشيخ تميم لنيودلهي.
وخلال الزيارة وقع الطرفان عدة اتفاقيات تتعلق بالشراكة الاستراتيجية الثنائية، واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي المعدلة.
كما اتفقا على تسريع المفاوضات بشأن معاهدة الاستثمار الثنائية بين الهند وقطر.
وبين الهند وقطر -فعلاً- تعاون وثيق في مجال الطاقة، وقد جددتا العام الماضي اتفاقية طويلة الأجل لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الهند لمدة 20 عاماً، تبدأ من عام 2028.
وفي 3 سبتمبر 2025، ذكرت صحيفة "الراية" القطرية أن حجم التبادل التجاري بين قطر والهند بلغ نحو 48 مليار ريال قطري (13.18 مليار دولار) خلال عام 2024.
وفي تصريحات له في 3 سبتمبر الجاري، قال محمد بن مهدي الأحبابي، عضو مجلس إدارة غرفة قطر، خلال مشاركته في أعمال الفريق الاستثماري القطري الهندي المشترك في نيودلهي، إن جمهورية الهند تعتبر شريكاً تجارياً مهماً لدولة قطر وللقطاع الخاص القطري.
واستعرض ما تمتلكه قطر من مقومات وبنية تحتية وخدمات لوجستية وقوانين وتشريعات تجعل منها بيئة مثالية للاستثمار، داعياً رجال الأعمال من الهند للاستثمار في قطر.
وشدد على أهمية تعزيز العلاقات المؤسسية في القطاعات ذات الأولوية، وتحديد مشاريع في البنية التحتية، والتكنولوجيا، والصناعات الغذائية، فضلاً عن تبادل الوفود التجارية بشكل منتظم وتوطيد الروابط بين غرف التجارة وهيئات الترويج الاستثماري.
المكاسب المتبادلة والمستقبل
وفي هذا الشأن يرى الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، أن هذه الاتفاقية المقترحة لا تقتصر على تحرير التجارة بين بلدين، بل تمثل خطوة استراتيجية ذات أبعاد اقتصادية وسياسية أوسع.
ويقول سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "من الجانب الهندي تساعد الاتفاقية في تنويع الشركاء التجاريين وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية التي تشكل حالياً تحدياً بفعل الرسوم الجمركية الباهظة".
ويضيف: "يضمن الاتفاق استمرار تدفق الغاز القطري بأسعار مستقرة، ما يعزز أمن الطاقة الهندي ويواكب خطط التحول نحو مصادر أنظف".
وبعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 25% على البضائع الهندية لشرائها النفط الروسي، تضاعف إجمالي الرسوم الجمركية إلى 50%، ما جعل نيودلهي تُسرِّع جهودها لتعميق العلاقات التجارية مع شركاء آخرين.
وتقدِّر مجموعات المصدِّرين أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تؤثر على ما يقرب من 55% من صادرات الهند من البضائع البالغة 87 مليار دولار إلى الولايات المتحدة.
والهند تهدف أيضاً إلى توقيع اتفاقيات تجارية ثنائية مع الاتحاد الأوروبي وسلطنة عُمان وتشيلي وبيرو، كجزء من مساعيها لتعزيز الصادرات وتنويع الأسواق.
أما قطر فستكسب من دخول أكبر إلى سوق هندي ضخم يضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، إلى جانب جذب استثمارات طويلة الأجل في قطاعات التكنولوجيا، والبنية التحتية، والصناعات الغذائية.
ويشير سيف الدين إلى أن إعلان الدوحة استثمار 10 مليارات دولار في الهند، وفتح مكتب لصندوقها السيادي هناك، يوضح مدى الثقة القطرية بالاقتصاد الهندي كأحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم.
ويضيف أن الاتفاقية ستخلق فرصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة في كلا البلدين، عبر توفير قنوات جديدة للتصدير والاستثمار، في حين أن التعاون المؤسسي بين غرف التجارة وهيئات الترويج سيضمن بيئة أعمال أكثر تكاملاً.
ويرى الخبير الاقتصادي أن "الاتفاقية المرتقبة هي أكثر من مجرد تفاهم تجاري؛ فهي منصة لتحالف استراتيجي يعيد صياغة العلاقة بين جنوب آسيا والخليج، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون القائم على المصالح المشتركة والاستقرار الاقتصادي".