قطر وأوروبا.. مستقبل على المحك بسبب الغاز واتهامات الرشاوى

تصدرت قطر وسائل الإعلام الغربية خلال عام 2022 لأسباب تتعلق بالغاز أولا ثم كأس العالم لكرة القدم ومؤخرا مزاعم تقديم رشاوى في البرلمان الأوروبي.

وأثار كأس العالم تحديدا الكثير من الجدل بوسائل الإعلام الغربية وتحديدا الأوروبية، مما جعل أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يصف الانتقادات بـ 'الحملة الشرسة' ضد بلاده وتساءل عن 'الأسباب الحقيقية والدوافع' من ورائها.

بعد انتشار أنباء الرشوة، وجهت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، هجوما لاذعا لاذعا على ما وصفته بـ 'أعداء الديمقراطية' في خطاب أمام الهيئة التشريعية.

وأشارت إلى أن الكتلة مستعدة للتضحية بعلاقاتها المزدهرة في مجال الطاقة مع قطر نتيجة لذلك دون أن تسمي الدولة الخليجية بعينها، قائلة: 'نحن أوروبيون. نفضل أن نكون في البرد على الشراء'.

في المقابل، دانت قطر تحقيقا بشبهة الفساد أطلقته بلجيكا وقرارا بتعليق تعامل الدوحة مع برلمان الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن من شأن ذلك أن يؤثر 'سلبا' على العلاقات وإمدادات الغاز الطبيعي.

وانتقد بيان لدبلوماسي قطري في بيان، بلجيكا بالاسم مؤكدا أن معلومات 'غير دقيقة' استخدمت.

وتابع البيان: 'نرفض بشدة الاتهامات التي تربط حكومتنا بسوء السلوك. قطر ليست الطرف الوحيد الذي ذُكر في التحقيق، ومع ذلك فإن بلدنا تعرّض بشكل منفرد لانتقادات وهجمات'.

تأثير محتمل على العلاقات

وأثارت ردود الفعل الأوروبية وتصريحات الدبلوماسي القطري تساؤلات بشأن مستقبل العلاقات القطرية الأوروبية وإمكانية استخدام الدوحة للغاز الطبيعي المسال كسلاح في ظل الحاجة الماسة للاتحاد الأوروبي للطاقة بعد تضاؤل الامدادات من روسيا.

يعتقد مستشار الشؤون الدبلوماسية، راشد بن سفر الهاجري، أن علاقات الدوحة وبروكسل قد تتأثر، لا سيما في ظل التصريحات القطرية الأخيرة.

وقال لموقع 'الحرة' إن 'اللهجة' باتت 'مختلفة ... وأعتقد أنها في طريقها للتغيير'، مدللا على أن دول مجلس التعاون الخليجي صارت تبحث عن شراكات أخرى شرقا بدلا من الاعتماد فقط على الولايات المتحدة وأوروبا.

وأضاف الهاجري: 'من خلال التصريحات الأخيرة ... يبدو أن قطر ستنظر في علاقاتها' مع أوروبا.

في الاتجاه ذاته، قال الزميل بمعهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن، كريستيان كوتس أولريشسين، إن تلك التطورات قد تزيد من تأثير أي توتر على العلاقات القطرية الأوروبية.

وفي تصريح لشبكة 'سي إن إن' الإخبارية، قال إن 'هناك مزاج أكثر حزما في الدوحة ... ينبع من الشعور بأن الدول الأوروبية أكثر من أي وقت مضى تُنظر إليها على أنها تسعى للحصول على الطاقة والاستثمار من الخليج حتى مع تغطية كأس العالم في نظر الكثيرين في جميع أنحاء المنطقة كانت عدوانية في لهجتها'.

وفي رأي مغاير، يرى المحلل السياسي، علي الهيل، أن مستقبل العلاقات بين قطر والاتحاد الأوروبي 'ممتاز'، مستدلا بعدم توجيه أي مسؤول أوروبي لاتهام رسمي للدوحة بشأن تحقيقات بروكسل.

وقال لموقع 'الحرة' إن 'قطر ردت على ما نشر في الصحف البلجيكية؛ لأنها كانت تستضيف كأس العالم ولا تريد أن يشوب هذه البطولة أي شائبة'.

الباحث القطري المتخصص في السياسة النقدية والاقتصاد السياسي، خالد الخاطر، اتفق مع هذا الرأي، بقوله إنه 'في نهاية المطاف، ستكون العلاقات جيدة'.

في تصريح لموقع 'الحرة'، يعزو الخاطر ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي 'في أمس الحاجة إلى إمدادات الطاقة الآن وقطر يمكنها القيام بذلك بغض النظر عن صحة التهم الموجهة لقطري من عدمه والتي لم تثبت قضائيا بعد'.

في وقت سابق من هذا الشهر، قال المدعي الفدرالي، إنه على مدار عامين، اشتبه مفتشو الشرطة الفدرالية في أن دولة خليجية تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية للبرلمان الأوروبي.

واعتقلت السلطات في بلجيكا أربعة أشخاص في 9 ديسمبر للاشتباه في تلقيهم هدايا وامتيازات من دولة خليجية ربطتها وسائل إعلام محلية بقطر في إطار جهود للتأثير على صنع القرار في البرلمان الأوروبي.

ومن بين الأشخاص الأربعة الذين تم اعتقالهم، كانت اليونانية، إيفا كايلي، التي جُردت من منصبها كواحدة من 14 نائبا لرئيسة البرلمان الأوروبي.

وقالت ميخاليس ديميتراكوبولوس، وهي محامية عائلة كايلي، لشبكة 'سي إن إن'، الثلاثاء، إن موقف موكلتها 'تظل بريئة وليس لها علاقة بالرشوة القادمة من قطر'.

كان مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد التقى في الأردن بوزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

وغرد بوريل قائلا إن الجانبين ناقشا 'الموضوعات الثنائية والتحديات الإقليمية، بالإضافة إلى قضايا أخرى، بما في ذلك الادعاءات ضد بعض أعضاء وموظفي البرلمان الأوروبي'. وقال: 'اتفقنا على ضرورة أن توفر التحقيقات الجارية الوضوح الكامل'.

من جهته، غرد وزير الخارجية القطري عن الاجتماع مؤكدا 'على ضرورة احترام اجراءات القضاء وعدم استباق نتائج التحقيقات'، وردفا: 'أكدت له (بوريل) موقفنا الرافض للتسريبات الإعلامية المضللة التي تزج باسم قطر في المسألة'.

'استعراض للقوة'

إلى ذلك، قال الهاجري إنه رغم 'الصفقات والعلاقات الاستراتيجية والتجارية (بين قطر) مع أوروبا، إلا أنها تستغل أي فرصة لاستنزاف دول المنطقة كانت قطر أو غيرها'.

يشرح ذلك بقوله إن 'الهدايا موجودة في العرف الدبلوماسي ... لكن هناك تضخيم للأمور وتكبيرها وهي مجرد أشياء رمزية ... مثلا مجسم على شكل مها وإن وصل سعره إلى 50 ألف ريال (حوالى 13700 دولار) تعد هدية لها دلالات رمزية بصرف النظر عن قيمتها المالية'.

والمها العربي ذو القرون الطويلة يعد الحيوان الوطني لدولة قطر وتتخذ منه الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة، شعارا لها.

وتابع الهاجري: 'لا يحترمون إلا القوي ... إذا نحن كمجلس التعاون لم نتعامل معهم بشدة قليلا، لن يحترمونا أبدا في أي تعامل في المستقبل'.

وواجهت قطر انتقادات شرسة من وسائل الإعلام الغربية ومنظمات حقوق الإنسان بعد نيلها شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022.

وحتى قبل بداية البطولة، كانت بعض المنتخب الأوروبية مصممة على ارتداء شارة 'ون لوف' (One Love)، لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) توعد بعقوبات تأديبية مما جعلهم يصرفون النظر عن الفكرة.

وردا على منع الفيفا، غطى اللاعبون الألماني أفواههم في صورة قبل أول مباراة مع اليابان احتجاجا على حظر ارتداء الشارة التي تحمل ألوان قوس قزح.

لكن انتقادات البطولة في الصحافة الغربية تجاوزت قضايا مجتمع الميم ومحنة العمال المهاجرين في قطر، مما دفع النشطاء والصحفيين الإقليميين إلى اتهام وسائل الإعلام الغربية بالتحيز ضد العرب.

وقال الأستاذ في 'كينجز كوليدج' لندن، أندرياس كريج، إن 'الخلافات الثقافية التي ظهرت في أوروبا خلال كأس العالم ليست خاصة بقطر، ولكنها تؤثر على عموم دول الخليج'. 

وأردف في تصريحه لشبكة 'سي إن إن' الأميركية إن 'ما تعرضت له قطر يُنظر إليه على أنه فوقية أوروبية وعقلية منغلقة وإسلاموفوبيا وعنصرية'.

وفي بيان لشبكة 'سي إن إن'، كررت قطر إشارتها إلى موقعها كمورد مهم للغاز الطبيعي المسال لبلجيكا وحذرت الاتحاد الأوروبي من أن الأحداث الجارية قد تؤثر على 'المناقشات حول حاجة العالم للطاقة'.

وفي الأزمة الخليجية لعام 2017، كانت قطر حريصة على عدم استخدام احتياطياتها الهائلة من الغاز الطبيعي المسال كسلاح، حيث واصلت الدوحة إمداد جارتها الإمارات بالطاقة.

يعلق الهاجري قائلا إن 'الإمارات لها وضع مختلفة' كونها 'دولة شقيقة لا يمكن مقارنتها بالغرب مهما حدث بينها'، واصفا الأزمة الخليجية بـ 'خلافات البيت الواحد بين الإخوان'.

لكن الهيل قال إن قطر 'لن تستخدم الغاز كسلاح'، مشيرا إلى أن أوروبا هي من تحتاج الدوحة وأن الدولة الخليجية ليست بحاجة إلى الكتلة.

ويتفق كريج أيضا بقوله إن توقيع قطر على عقد غاز مع ألمانيا يشير إلى أنها لن تسييس التعاملات التجارية.

ووصف التصريحات القطرية الأخيرة 'استعراض للقوة'، قائلا: 'إنهم يميلون إلى التكيف لكن الصبر نفد ... سيحسن الأوروبيون صنعا إذا أخذوا المخاوف القطرية والخليجية بعين الاعتبار'.