اخبار فلسطين

فلسطين أون لاين

سياسة

تفكيك خطاب الانهزام: لماذا يتأثر بعض الناس بالرواية "الإسرائيلية"؟

تفكيك خطاب الانهزام: لماذا يتأثر بعض الناس بالرواية "الإسرائيلية"؟

klyoum.com

مقدمة

لا تُخاض الحروب بالسلاح وحده؛ فثمة حرب موازية تدور داخل الوعي والعاطفة والتصورات.

وفي غزة، حيث تتكدس الخبرات المؤلمة وتتشابك الضغوط السياسية والنفسية والاجتماعية، يصبح المجتمع بيئة خصبة لتنازع الروايات.

وبينما يصمد الكثيرون أمام آلة الحرب العسكرية، يتسلل إلى بعض العقول خطابٌ آخر: خطاب الانهزام، الذي يروّج لرواية الخصم بوصفها “الأكثر واقعية” أو “المقبولة عقلانيًا”.

هذا المقال يحاول فهم، لا إدانة، لماذا يتأثر بعض الناس بالرواية الإسرائيلية، وما العوامل النفسية والاجتماعية التي تجعل خطاب الانهزام يجد له مكانًا في لحظات الضعف الجمعي.

أولًا: من أين يأتي خطاب الانهزام؟

خطاب الانهزام ليس موقفًا سياسيًا فقط، بل حالة شعورية تتولد حين يشعر الفرد بأن ما يواجهه أكبر من قدرته، وأن أي مقاومة تبدو عبثية. وتتغذّى هذه الحالة على:

1. الإرهاق النفسي الجماعي

الحروب الطويلة ترهق الجسد والعقل معًا.

وكلما تكررت الصدمات، تضاءلت قدرة الإنسان على الاحتمال.

الإرهاق يجعل الفرد يبحث عن تفسير يُنهي معاناته، حتى لو كان التفسير منحازًا للخصم.

هنا تظهر رواية تقول: “الواقع واضح، نحن لا نستطيع الانتصار”، فتُستقبل بسهولة لأنها تُنهي الألم نظريًا.

2. الألم غير المُعالج

المجتمعات التي تعيش الحروب لا تجد وقتًا لتضميد جراحها النفسية.

وتحت ركام القصف، تبقى جروح عميقة بلا علاج.

الجرح غير المعالج يدفع صاحبه للبحث عن جهة يحمّلها المسؤولية، وأحيانًا يكون أسهل طريق هو تبنّي رواية الآخر: “الخطأ منّا وليس منهم”.

ثانيًا: كيف تُخترق عقول الناس؟ أدوات الرواية الإسرائيلية

إسرائيل لا تعتمد على العشوائية في خطابها، بل تستخدم تقنيات نفسية–إعلامية مدروسة، منها:

1. التخويف الرمزي

تضخيم القوة العسكرية، وإظهار المقاومة كجهة غير قادرة، يخلق صورة ذهنية مشوهة تجعل الناس تعتقد أن “المعركة محسومة”.

2. إغراء الواقعية المزيّفة

تقدّم الرواية الإسرائيلية نفسها باعتبارها “التحليل الواقعي الوحيد”، وتُشيع أن كل خطاب آخر “شعاراتي”.

البعض يتأثر لأنهم يريدون فهم ما يجري، والواقع المزيّف يبدو أحيانًا أكثر وضوحًا من الحقيقة المعقدة.

3. اللعب على مشاعر الخوف والذنب

أكبر نقطة ضعف لدى الناس في غزة هي الخوف على أطفالهم ومستقبلهم.

الرواية الإسرائيلية تستغل ذلك لتقول:

“لولا المقاومة لما حدث كل هذا”.

هذا الخطاب يُغري البعض لأنه يقدّم لهم شعورًا زائفًا بالسيطرة: إذا تخلّينا عن المقاومة فلن نتأذّى.

ثالثًا: لماذا يتأثر البعض دون غيرهم؟

1. الإنهاك المعرفي

خلال الحرب، يتلقى الناس آلاف الرسائل، فينتقل العقل من التحليل إلى الاستسلام. الشخص المرهَق معرفيًا يختار أسهل رواية، وليس أكثرها صحة.

2. فقدان الثقة بالداخل

عندما تتراكم الأخطاء الإدارية، وتضيع الحقوق، ويتراجع الأداء السياسي، تتصدع الثقة بالقوى الداخلية.

عندها تصبح رواية الخصم، رغم كذبها، أكثر “انتظامًا” من خطاب داخلي مضطرب.

3. تجارب شخصية صادمة

الإنسان الذي فقد عائلته أو منزله يشعر أحيانًا بالعجز واللاجدوى، ويتغير تفسيره للواقع، فتضعف مناعته النفسية أمام خطاب الانهزام.

4. العزلة الشعورية

بعض الناس يشعرون بأنهم خارج المشهد، أو أن تضحياتهم غير مرئية، فيبحثون عن هوية بديلة، أو “رأي مغاير” يميّزهم، حتى لو كان ذلك رأيًا يستند إلى رواية العدو.

رابعًا: هل المتأثرون بالرواية الإسرائيلية خونة؟

هذا السؤال يتم تداوله كثيرًا.

والجواب: لا.

الكثير ممن يتأثرون بالرواية الإسرائيلية ليسوا خونة ولا متعاونين، بل ضحايا صدمات نفسية، وضحايا فراغ إعلامي، وضحايا أخطاء قيادية تراكمت عبر سنوات.

 فهمُ الظاهرة هو الخطوة الأولى لعلاجها، وليس شيطنة أصحابها.

خامسًا: كيف نواجه خطاب الانهزام؟ خطة عملية

1. إعادة بناء الوعي من خلال الرواية المضادة

رواية المقاومة ليست مجرد صور انتصارات، بل منظومة قيم: الكرامة، الصمود، القدرة على التحدي، والعدالة.

يجب تحويل هذه القيم إلى خطاب يومي لا يظهر فقط في أوقات الانتصار.

2. الاستثمار في الصحة النفسية المجتمعية

كلما كانت نفسية الناس أقوى، قلت قابليتهم لتبني خطاب الانهزام.

نحتاج إلى برامج دعم نفسي جماعي منظم، لا تدخّلات فردية عشوائية.

3. بناء إعلام عميق لا احتفالي

الإعلام الذي يصرخ ويبالغ ويعد بما لا يتحقق يخلق بيئة مثالية للانهزام.

تحتاج خطابًا موزونًا، صادقًا، وبعيدًا عن العاطفة الزائدة.

4. توضيح الإخفاقات ومصارحة الجمهور

حين يشعر الناس أن القيادة تتجاهل أخطاءها، يبحثون عن رواية بديلة.

المصارحة تُغلق الباب أمام الخطاب الإحباطي.

5. مكافحة الشائعات في لحظتها

أخطر ما يغذي التصورات الانهزامية هو الشائعات.

المطلوب: آلية رصد فورية، وتكذيب سريع، وبناء ثقة بين الجمهور والجهات الرسمية.

خاتمة

خطاب الانهزام ليس قدرًا، ولا هو جزء من “طبيعة الناس”، بل حالة نفسية تتولد في سياق قاسٍ يعيشه الغزيون.

مواجهة هذا الخطاب تبدأ من فهم جذوره، لا تجريم أصحابه.

فحين يشعر الناس بالأمان، والوضوح، والصدق، والاحتواء النفسي، يصبح من السهل أن يتمسكوا بروايتهم، وأن يرفضوا رواية العدو مهما كانت مغرية أو مدروسة.

إن معركة الوعي لا تقل شراسة عن الحرب العسكرية، بل قد تكون أكثر حسمًا.

ومن يفهم نفسيات الناس في لحظات الألم يستطيع أن يصنع وعيًا أكثر صلابة، وأكثر قدرة على الصمود أمام العاصفة.

*المصدر: فلسطين أون لاين | felesteen.ps
اخبار فلسطين على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com