مبادرة طلابية في جامعة بيت لحم تنشر الوعي الإعلامي حول مخاطر الذكاء الاصطناعي وأساليب التحقق من المعلومات

بيت لحم 2000 -في ظل التطور المتسارع للتقنيات الرقمية واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي على حياتنا اليومية، أطلق مجموعة من طلبة جامعة بيت لحم مبادرة توعوية تهدف إلى تعزيز ثقافة التحقق من المعلومات، والتمييز بين المحتوى الحقيقي والمُنشأ باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة في زمن تتداخل فيه الصور والفيديوهات والأصوات المولدة حاسوبياً مع الواقع بشكل مخادع.

المبادرة، التي تحمل رسالة وعي ومسؤولية، جاءت استجابة لازدياد حالات الخداع الرقمي وانتشار الأخبار المزيفة، واستهدفت توعية مختلف فئات المجتمع حول كيفية التعامل مع هذه الأدوات الحديثة، وكيفية حماية المستخدم من الوقوع في فخ التضليل.

وقال الدكتور رائد زواهرة، المحاضر في جامعة بيت لحم وخبير الذكاء الاصطناعي، في حديث خلال برنامج 'يوم جديد' مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو 'بيت لحم 2000': إن المبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأساليب التحقق من المعلومات والتمييز بين المحتوى الحقيقي والمُنشأ باستخدام التكنولوجيا الحديثة، موضحًا أن الفريق الطلابي يعمل على تنفيذ أنشطة توعوية تسلط الضوء على مخاطر التضليل الرقمي والتحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في ظل الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة؟

الدكتور زواهرة شرح للمستمعين بصورة مبسطة ماهية الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أنه ليس مجرد أداة تقنية حديثة، بل منظومة قادرة على التفكير واتخاذ القرارات والتوليد وإنتاج المحتوى بمختلف أشكاله، وهو ما يمنحه قوة كبيرة ويضاعف في الوقت ذاته من مخاطره في المجال الإعلامي.

وأوضح أن المستخدم العادي أصبح معرضاً للمخاطر لحظة امتلاكه هاتفاً ذكياً، فالتضليل لم يعد يحتاج إلى جهد للوصول إلى الجمهور، بل بات يصل إلى المستخدم مباشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يتطلب وعياً مضاعفاً وقدرة على التمييز بين الصحيح والمضلل.

وأكد زواهرة أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدّين، فمن جهة أصبح أداة فعالة في البحث، وجمع المعلومات، وإنجاز المهام بسرعة ودقة، ومن جهة أخرى قد يؤدي الاعتماد المفرط عليه إلى إضعاف مهارات الطالب، وتقليل جهده البحثي، إذا ما استخدم بصورة خاطئة أو دون قراءة وفهم للمحتوى الذي يقدمه.

وشدد على ضرورة أن يتعلم الطلبة استخدام هذه الأدوات بشكل إيجابي، مع إدراك أهمية القراءة والتحليل والتدقيق، لأن المعرفة لا تُبنى عبر النسخ واللصق، بل عبر استيعاب المعلومات وتثبيتها في الذاكرة والخبرة العملية.

كيف نكشف الصور والفيديوهات المزيفة؟

تناول الدكتور زواهرة أيضاً أبرز العلامات التي قد تدل على أن الصورة أو الفيديو مولد بالذكاء الاصطناعي، مثل:

تشوهات في تفاصيل الوجه أو اليدين.

عدد أصابع غير طبيعي.

ملامح غير متناسقة.

إضاءة غير منطقية.

غياب السياق المناسب أو تناقضه.

وأوضح أن التضليل لا يقتصر على الذكاء الاصطناعي، إذ قد تكون الصورة حقيقية لكنها تُستخدم في سياق مختلف أو زمان ومكان مختلفين، وهو شكل آخر من أشكال الخداع.

وأكد أن أدوات الذكاء الاصطناعي نفسها يمكن استخدامها لكشف المحتوى المزيف، من خلال فحص الصور والمواد على محركات البحث أو أدوات الكشف المتخصصة.

المبادرة الطلابية: وعي ومسؤولية

من جانبه، تحدث الطالب محمود أبو زهرية عن فكرة المبادرة، موضحاً أنها تأتي ضمن مشروع 'التربية الإعلامية في فلسطين' الذي ينفذه معهد الشراكة المجتمعية بالشراكة مع جامعة بيت لحم، بتمويل من وزارة الخارجية الفنلندية، ويستهدف مختلف الفئات العمرية.

وأكد أن المبادرة تولدت نتيجة الحاجة الملحة إلى نشر الوعي في مجتمع يتعرض يومياً لكمّ هائل من المعلومات المضللة، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب بناء مجتمع قادر على التمييز ومعالجة المحتوى بدقة.

الطالب مصطفى أبو أرميلة أشار إلى أن الهدف الأساسي للمبادرة هو الوصول إلى مجتمع فلسطيني واعٍ قادر على استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة صحيحة، وفحص المحتوى قبل مشاركته، خاصة في ظل غياب مادة التربية الإعلامية في المدارس الفلسطينية، ما يخلق فجوة كبيرة في الوعي الرقمي.

التفاعل والتحديات

وحول تفاعل الطلبة مع أنشطة المبادرة، أوضح الطلبة أن جامعة بيت لحم تعمل باستمرار على تنظيم ورشات للتوعية بأهمية التحقق من المعلومات، وهو ما ساهم في رفع مستوى الوعي لدى الطلبة، خصوصاً بعد التجارب التي شهدتها فلسطين خلال الحرب الأخيرة، حيث استغل الجانب الإسرائيلي الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي لنفي الرواية الفلسطينية.

وأشاروا إلى أن التحدي الأكبر كان في نقص الثقافة الرقمية لدى بعض الفئات، ما يتطلب عملاً مكثفاً ونشاطات مستمرة لرفع الوعي.

رسائل المبادرة للشباب

اختتم الطلبة حديثهم بالتأكيد على أهم رسالة يريدون إيصالها: “استخدموا الذكاء الاصطناعي، نعم… لكن لا تعتمدوا عليه بالكامل. استخدموا عقولكم أوّلاً، وتحققوا مراراً قبل النشر”.

كما دعوا الشباب إلى التفكير مليّاً في كل ما يصلهم عبر الإنترنت، وعدم الانسياق خلف المحتوى المثير دون التأكد من مصدره، لأن المسؤولية الرقمية اليوم أصبحت جزءاً من المواطنة الواعية في العصر الحديث.

المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي أدناه: