وحدة الساحات ومعركة التحرير

أيمن دلول

' وحدة الساحات ' مصطلحُ شاع استخدامه من قبل هيئات وتنظيمات وأحزاب فلسطينية وغيرها في الآونة الأخيرة، وهم بهذا المصطلح يُشيرون إلى ضرورة توحيد الساحات المختلفة التي ترفع البندقية لأجل تحرير فلسطين، أما في التفاصيل فالمقصود به اشتعال كافة الساحات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهي خطوة إن حدثت فحتماً ستؤدي إلى تهشيم وجه ورأس الاحتلال، ويقينا ستؤدي إلى انهياره واندحاره عن ترابنا المحتل فلسطين بإذن الله تعالى.

هناك اتفاق بين الجميع بضرورة العمل على وحدة الساحات والجبهات، لكن يبدو أن الاختلاف يكمنُ في التفاصيل والكيفية التي من خلالها يمكن الوصول إلى مرحلة مفصلية في مواجهة الاحتلال ترتفع فيها فاتورة خسائر الاحتلال عن الفاتورة التي يقدمها الفلسطيني من دماء أبنائه ومقدراتهم ومصالحهم منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

' وحدة الساحات ' لا يعني بحالٍ من الأحوال -وهذا ما يعتقده البعض- أن تكون غزة بمقاومتها ومواطنيها هي التي يجب أن تتصدر المشهد دوماً في مواجهة المحتل، فإن حدث هدم لقرية العراقيب يجب أن تتحرك، وإن اعتقل المحتل وأهان في الخليل فيجب أن تنتقم، وإن توفي أسير في سجون المحتل فينبغي أن تكون في المقدمة، وإن قامت دولة أوروبية أو عربية بالتطبيع فهي المطالبة لأن تكون مختار الحي!!.

ليس هكذا تورد الإبل يا سادة، غزة بمقاومتها وأهلها فعلو ما عليهم وأثبتوا الجدارة في جولاتٍ عديدة وقدموا التضحيات والدماء والبيوت والممتلكات مرات ومرات، وهم الآن في مرحلة إعداد وتجهيز لمعركة التحرير التي ينبغي التركيز في العمل لها ليس عملاً عسكرياً فقط، بل وعلى كافة المستويات، حتى إذا حانت لحظة الانفجار كانت ساحة غزة الركن الشديد الذي يأوي إليه الفلسطيني في كل مكان، أما القيام بجولات مواجهة مع المحتل على حسب مزاج طرفٍ غير خبير بالساحة الفلسطينية ومتغيراتها فهذا له انعكاسات خطيرة على معركة يجب أن نستعد لها جميعاً ونكون يداً واحدة على من سوانا، والمنخرطين في العمل العسكري يدركون ما أقول فهناك اتفاقيات موقعة بينهم بخصوص القضايا التي إن تجاوزها المحتل وقعت المواجهة لا محالة.

تلك المواجهات مع المحتل التي نرجعُ فيها إلى الوراء سنوات من الاستعداد لتلك المعركة، أو التي تكون فيها خسائر شعبنا أكثر من خسائر المحتل، أو التي تدفع الناس للخروج لتحميل الناس مسئولية الويل والدمار الذي يصيبهم للمقاومة الفلسطينية، فهذه مسألة بالغة الخطورة ولا نريدها. ينبغي إلى أبعد مدى إبعاد أي مشاغبة من قبل العدو عنا قدر الاستطاعة لتجاوز أي إمكانية لتصعيد أو مواجهة يختار لها العدو الزمان والمكان المناسب؛ لأن الدخول في مواجهة على هذه الشاكلة ستكون خاسرة يقيناً.

إن المطلوب في الوقت الراهن ترك غزة في استعدادها وتجهيزها، وتوجيه الدفة إلى الضفة الغربية والقدس فالمهمة هناك كبيرة وهي تواجه سلاحين: أحدهما سلاح المحتل الإسرائيلي والآخر هو سلاح عملاء الاحتلال -وإن كانوا يحملون نياشين على أكتافهم- لكن حتما فتجاوز الاثنين يعني تحقيق منجزات أكبر كثيراً مما يمكن أن تحققه جولة صواريخ تنطلق من غزة، وساحة فلسطين المحتلة عام 48 مهمة للغاية، فالعمل على وقف انغماس الفلسطيني في مخططات الأسرلة والتماهي مع مخططات الاحتلال ومواجهتها لا تقل عن مواجهة تتصدرها مقاومة غزة، أما الساحات التي يغيب عنها الحديث فهي أماكن اللجوء والشتات وهي الأخرى يجب أن تتحرك ثقافيا ولتكون رديفاً قوياً للمقاومة العسكرية في سبيل فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

إن وحدة الساحات تعني ضرورة انخراط الكل الفلسطيني في هذه المهمة ليس بإرادتنا وإنما غصباً عنا، فمن بيننا من يمكن أن يدفع ضريبته تجاه فلسطين الوطن والقضية من ماله، وآخر بقلمه، وثالث بالعمل العسكري، ورابع بالعمل الخيري والدبلوماسي والثقافي وغيره، أما اعتقاد البعض بأن وحدة الساحات تعني تصدر غزة المحاصرة والمنكوبة للمشهد بسلاحها عند كل صغيرة وكبيرة ثم تقف كل الساحات وتُصفق لصواريخها بينما لا تفعل المطلوب منها، فهذا فهمٌ خاطئ ويجب أن يتوقف فوراً، لنترك غزة تبني بيوتها المهدمة من المواجهات السابقة، ولندعها تشغل مصانعها المتوقفة وتواجه بطالة شبابها وتزيد من عتادها وسلاحها، لنترك شعبها يلتقط أنفاسه ليبتكر وسائل مواجهة جديدة، ولتحمل باقي الساحات الراية وتتقدم فما عاد لوقوفها وصمتها معنى.

10:48