اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: هبة بيضون
تداول كثيرون خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة شرم الشيخ للسلام، منتقدين تجاهله لمعاناة الفلسطينيين، وغياب أيّ إشارة إلى الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين. يعكس هذا التجاهل تحولاً بأولويات المجتمع الدولي، حيث تُستبعد القضية الفلسطينية من أيّ تصور متكامل للسلام في المنطقة.
لمواجهة هذا التغييب، يبرز سؤال ملحّ: كيف نتحرك كفلسطينيين للحفاظ على زخم الاعتراف الدولي بدولتنا، وتحويله إلى واقع ملموس؟ لم يعد مجدياً انتظار ما تقرّره القوى الكبرى، بل بات من الضروري الانتقال من رد الفعل إلى المبادرة، عبر طرح رؤية فلسطينية متجدّدة لحل الدولتين، تستند إلى الشرعية الدولية، وتُعبّر عن الحقوق الوطنية والإنسانية لشعبنا، ضمن تصور واقعي قابل للتنفيذ، يراعي المتغيرات الإقليمية والدولية، ويظل مرناً أمام المستجدات.
تبدأ هذه الرؤية بتحديد مبادئها السياسية، وفي مقدمتها الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، مع التأكيد على حقنا بتقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة. لكن لا يكفي التمسك بالمبادئ، بل يجب الانتقال إلى تحديد معالم الدولة التي ننشدها، بما يشمل السيادة، الحدود، والقدرة على إدارة شؤوننا دون تدخل خارجي.
في هذا السياق، يصبح تحويل الاعترافات الدولية إلى أدوات ضغط أمراً محورياً، من أجل وقف الاستيطان، تثبيت الحدود، والمطالبة بجدول زمني لإنهاء الاحتلال تحت إشراف دولي. كما ينبغي أن تتضمن الرؤية تصوراً واضحاً لإعادة إعمار غزة، وتحسين البنية التحتية والخدمات في الضفة، بما يعزّز من قدرة الدولة على النهوض فور قيامها، إلى جانب ضمان حرية الحركة والانفتاح على الاستثمار الدولي في الدولة الفلسطينية.
ولكي تكتسب هذه الرؤية شرعية وطنية ودولية، لا بد من صياغة وثيقة جامعة تتبناها جميع الفصائل، وتُعرض على المجتمع الدولي كمرجعية تفاوضية، مع إشراك المجتمع المدني الفلسطيني بصياغتها، لضمان تمثيل حقيقي يعكس تطلعات الشعب.
بالتوازي، يجب تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية، والاستفادة من موجات التضامن العالمي، بما يعزّز حضور القضية الفلسطينية في المحافل الدولية. كما أنّ تعزيز الصمود على الأرض، من خلال دعم مشاريع التنمية، والتعليم، والثقافة، يُسهم بترسيخ الهوية الوطنية، ويُحصّن الأجيال القادمة بالوعي والقدرة على المواجهة.
لا يمكن الحديث عن قيام دولة دون إنهاء الانقسام الداخلي، فالمصالحة الوطنية لم تعد خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية، يجب توحيد القوى السياسية حول برنامج وطني جامع يعيد الاعتبار للمشروع التحرّري، ويمنح الرؤية الفلسطينية قوة دفع حقيقية.
أما الخطاب الفلسطيني الموجّه للعالم، فيجب أن يتجاوز سردية المظلومية، ويتحدث بلغة الحقوق والعدالة والاستقرار، ليُظهر أن قيام الدولة الفلسطينية ليس فقط استحقاقاً تاريخياً، بل ضرورة لضمان أمن المنطقة وتوازنها.
إنُ تجاهل ترامب لقضيتنا لا يعني طيّ صفحتها، بل هو دعوة لإعادة ترتيب أولوياتنا، وتجديد أدوات نضالنا، وتأكيد أنّ فلسطين قضية شعب حيّ، يواصل كفاحه من أجل الحرية والكرامة والاستقلال.

























































