اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ كانون الأول ٢٠٢٥
تمددُ الاستيطان في الضفة الغربية لم يعد مجرد توسع عابر، بل تحول إلى سباق محموم لفرض واقع جديد على الأرض، تنفذه جماعات استيطانية مسلحة وتدعمه مؤسسات حكومية تسابق الزمن لتقطيع أوصال الضفة وإفراغ مناطقها الحيوية من سكانها. وبين التوسع في البؤر الرعوية، وعمليات الهدم والمصادرة، والهجمات اليومية التي تستهدف المزارعين والرعاة، تتبلور خريطة استعمارية تهدد بإحداث تغيير جذري في المشهد الفلسطيني، جغرافيا وديموغرافيا، إن لم تواجه فلسطينيا بصلابة وصمود منظم.
وسط هذا المشهد المتسارع والخطير، يقدم محمد نزال، المدير العام السابق للشؤون القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، قراءة دقيقة تكشف عن خلفيات ما يجري، وتفضح آليات السيطرة التي تحاك بعيدا عن الأضواء. في حديثه مع صحيفة 'فلسطين' يضع نزال علامات تحذير كبرى بشأن مخططات تسعى لاقتطاع مساحات واسعة من الضفة وضمها فعليا، ويؤكد أن ما يواجه الفلسطينيون اليوم يتطلب يقظة أكبر، وتكاتفا شعبيا، وأدوات مواجهة لا مكان فيها للتردد، لأن ما هو على المحك ليس الأرض فحسب، بل الوجود الفلسطيني نفسه.
ويوضح نزال أن حرب الإبادة في غزة، في ظل خطاب الشيطنة والتحريض على كل ما هو فلسطيني، خلقت بيئة مناسبة للقيادة السياسية الإسرائيلية كي تمضي قدما في مشروعها الاستعماري الاستيطاني، ولكي تتحول أجهزة الجيش والشرطة والشاباك لأدوات قمعية ضد الضحايا الفلسطينيين، والأهم لتطلق أيدي المنظمات والعصابات الاستيطانية لتعيث في الضفة قتلا وحرقا وتخريبا ليس فقط دون خوف من مساءلة، بل بحماية ومساعدة إسرائيلية رسمية.
الصهيونية الدينية
وأشار إلى أن (الإدارة المدنية التابعة للاحتلال)، الجهة المسؤولة عن إصدار قرارات الهدم، واعلانات تجريف الاراضي، وأوامر الاستملاك، ووضع اليد لأغراض أمنية، وغير ذلك من أوامر؛ باتت تحت مسؤولية ممثلي الصهيونية الدينية وبإشراف مباشر من المستوطن 'سموتريتش' وزبانيته.
وبيّن أن هؤلاء اغتنموا الفرصة للاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي الفلسطينية وهدم أعداد غير مسبوقة من المساكن والمنشآت الفلسطينية.
بالمقابل يشير إلى أن هذه الإدارة دعمت إنشاء المزيد من البؤر الاستيطانية الرعوية، التي هي في الواقع أداة لممارسة العنف ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، والسيطرة على المزيد من الأراضي.
وكشف أن البؤر الرعوية - حديثة العهد - باتت تسيطر اليوم على مساحة تزيد عن مساحة تلك التي تسيطر عليها جميع المستوطنات منذ عام 1967.
اعتداءات بهدف التهجير
وأشار إلى أن الضفة الغربية تشهد طيفا واسعا من الاعتداءات المتزامنة والشاملة بهدف إنجاز التهجير التدريجي للمواطنين الفلسطينيين.
وتركزت حملة الاعتداءات – وفق نزال- على مناطق الأغوار والسفوح الشرقية للضفة وصولا إلى مسافر يطا، منبها إلى أن الاعتداءات الجسدية، وتسميم وسرقة المواشي، وحرق المحاصيل الزراعية والمساكن، وتخريب المعدات أو نهبها أصبحت ممارسات يومية في تلك المناطق وأدت للأسف إلى تهجير عدد من التجمعات الرعوية التي عاشت في تلك المناطق.
ووفق نزال؛ فإن الخطوة الثانية في هذا الاتجاه تمثلت باستهداف القرى والبلدات التي تقع أراضيها في السفوح الشرقية مثل المغير، دير جرير، رمون، الطيبة في محافظة رام الله. دوما، وجالود في محافظة نابلس، والرشايدة في بيت لحم، وسعير في الخليل.
كما أشار إلى نشاط مجموعات استيطانية أخرى في الاستيلاء غير المباشر على أراضي البلدات الفلسطينية التي تقع محيط المستوطنات، من خلال منع اصحاب الاراضي من الوصول لأراضيهم والاعتداء عليهم بل وجني محاصيل أشجار زيتونهم، إضافة طبعا إلى عمليات التجريف واقتلاع أو تكسير الاشجار.
وأكد أن غالبية المستوطنين مسلحون، وهناك منظمة عسكرية استيطانية (حراس يهودا والسامرة) مسلحون يرتدون الزي العسكري ويرتبطون بالجيش، يقومون بحراستهم ويشاركون في الاعتداءات.
وأشار إلى أن الشرطة الاسرائيلية تحت قيادة المستوطن (بن غفير) وزمرته، لم تعد عمليا تتلقى شكاوى الضحايا الفلسطينيين، لأنها تشترط على الضحية معرفة اسم المستوطن المعتدي وعنوانه قبل قبول تسجيل الشكوى!!
أخطر المخططات الاستيطانية
وحول أخطر المخططات الاستيطانية، أوضح أن مخطط (H1) الاستيطاني هو المخطط الأكثر خطورة وتأثيرا على مستقبل الضفة الغربية كوحدة جغرافية متواصلة.
وأوضح أن هذا المخطط طرح مع بداية الألفية الحالية، ولكن الرفض الدولي له - حتى الأمريكي حينها – جمد تنفيذه، مبينا أن المخطط يسعى إلى قطع جنوب الضفة الغربية عن وسطها وشمالها، عبر ضم مستوطنات غلاف القدس من الجهة الشرقية مثل (معاليه أدوميم) و(كفار أدوميم) وتهجير تجمعات فلسطينية مثل (جبل البابا) و (الخان الاحمر) وقطع الطريق التاريخي الذي يربط بين جنوب الضفة وبلدات القدس مثل (ابو ديس) و (العيزرية) مع أريحا والأغوار.
ونبه إلى تأثير المخطط على الحركة بين جنوب الضفة ووسطها أو شمالها، وتحويلها في هذا المقطع – في أحسن الأحوال – إلى حركة داخل نفق طويل، مؤكدًا أن العودة للحديث عن إحياء هذا المخطط والبدء بمقدمات التنفيذ تشكل محاولة جدية لفرض واقع ميداني جديد يسهم في تفتيت الجغرافيا، ويخضع التواصل فيما بينها للسيطرة الإسرائيلية.
مخطط تهجير الأغوار
وأشار إلى مخطط تهجير الأغوار، الذي تحقق جزء كبير منه، مبينا أنه يمهد الطريق لتجسيد مخططات خطيرة تهدف إلى اقتطاع أجزاء من الضفة وضمها، خالية من السكان، إلى اسرائيل كما في مخطط ترامب الذي طرحه في فترة حكمه الأولى.
واستعرض السعي الإسرائيلي إلى إحداث تغييرات في القوانين لتكريس سيطرتها على الأرض الفلسطينية، موضحا أنه تم إعادة تفصيل هذه القوانين بأوامر عسكرية/ إدارية لتلائم متطلبات المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني.
وأشار في هذا الصدد إلى تعديل أو إلغاء مواد من القانون المحلي، مدللا على ذلك بقانون المدن والقرى لسنة 1966' والذي أجري عليه تعديلات أكثر من 28 مرة.
وأوضح أن هذه التعديلات أدت في النهاية إلى إنشاء منظومتين واحدة للمستوطنين لتسهيل البناء لهم، وأخرى للفلسطينيين كي تقوم سلطات الاحتلال بهدم أبنيتهم باسم القانون.
كما أشار إلى سن قوانين جديدة بأوامر عسكرية، كالأمر الخاص بالمناطق الأمنية الخاصة، أو مناطق نفوذ المستوطنات والمجالس الاقليمية للمستوطنات، وكذلك سحب القوانين الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بأوامر عسكرية، مثل قانون حماية الطبيعة، ناهيك عن ان القدس بعد توسيع حدودها وضمها لإسرائيل خضعت فورا للقانون الاسرائيلي.
إلى جانب ما سبق هناك – وفق الخبير نزال- السوابق القضائية الاسرائيلية، فمثلا قرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية الذي اعتبر 'اعلان عن اراضي دولة' هو اعلان كاشف لا منشئ، وأن أي أراضي تتوافر فيها مواصفات أراضي الدولة تعتبر قانونيا اراضي دولة حتى لو لم يصدر بشأنها مثل هذا الإعلان، حول مساحات كبيرة من الاراضي الخاصة في الضفة الغربية إلى اراضي دولة تتولى مسؤوليتها سلطات الاحتلال.
ويؤكد أن الخطورة تزداد هنا لأن المنظومة القضائية من لجان الاعتراض، لجان الاستئناف، لجان تسجيل الاراضي...او حتى المحاكم المركزية والعدل العليا هي في الواقع جزء من المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية الأوسع.
البؤر الاستيطانية
وفيما يتعلق بانتشار البؤر العشوائية، أوضح أنه لا يوجد في الواقع بؤر عشوائية، وهذا المصطلح إلى جانب كونه مغلوط هو مضلل أيضا، مبينا أنه حتى البؤر التي انشأتها 'غوش ايمونيم' في السبعينات كانت على أساس مخطط، وان لم يتفق ذلك مع المخططات الحكومية للاستيطان.
ونبه إلى أن انتشار ظاهرة البؤر الاستيطانية نهاية التسعينيات وبداية الألفين جاء بتوجيه مباشر من ارئيل شارون حينما دعا المستوطنين إلى وجوب السيطرة على قمم الجبال في الضفة الغربية وفرض حقائق على الأرض.
وأشار إلى أن سياسة إنشاء البؤر تحقق عمليا هدفين أساسيين، الأول أنها تعفي الجهة الرسمية من تحمل المسؤولية أمام الأطراف الدولية، والثاني أنها تنفذ ذات مخططات الجهات الرسمية في إسرائيل.
الاستيطان الاستعماري
وشدد على أن الاستيطان الاستعماري يعتبر عنوانا لجملة من الجرائم الموصوفة في قواعد القانون الدولي الانساني كجرائم حرب أهمها: جريمة نقل المدنيين من رعايا الدولة القائمة بالاحتلال إلى الاقليم المحتل، وجريمة إجبار السكان المحليين 'المحميين' سواء بالقوة المباشرة أو عبر خلق بيئة قسرية، على الهجرة أو النزوح من أماكن سكناهم، وجريمة الاستيلاء على أو التدمير المتعمد لمصادر رزق المدنيين المحميين.
ورأى أن - التوجه للمحاكم الدولية بات كما يبدو، الخيار الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين في ظل انعدام الإرادة السياسية أو البيئة القانونية لدى غالبية الدول كي تقوم بمساءلة مرتكبي الجرائم الاسرائيلية في موضوع الاستيطان امام محاكمها الوطنية. وهذا الملف موجود منذ سنوات على طاولة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ولديه من الأدلة والبينات ما يمكنه من إصدار عشرات مذكرات الاعتقال. لكن وكما يعرف الجميع، فإن الاجراءات العقابية والتهديدات المتواصلة تجاه المحكمة هي ما أعاق اجراءات تحقيق العدالة.
وأشار إلى أن تصاعد وتيرة الجرائم الاسرائيلية وتوسعها في الضفة الغربية لم ينجح في تحشيد موقف المجتمع الدولي إلى الحد المطلوب.
وذكّر بأن الإدارة الأمريكية السابقة، وقبلها عدد من دول الاتحاد الاوروبي، فرضت قبل سنوات عقوبات على عدد من المستوطنين والمؤسسات الاستيطانية لدورها في ارتكاب انتهاكات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم. واستدرك لكن الان، ومع ما نشهده من تصعيد في وتيرة وطبيعة الانتهاكات التي يمارسها المستوطنون الا أن الادارة الامريكية الحالية رفعت العقوبات عن أولئك المجرمين وفرضت عقوبات على ثلاث مؤسسات حقوق إنسان فلسطينية لدورها في تقديم وثائق عن مرتكبي الجرائم الاسرائيليين في غزة والضفة للمحكمة الجنائية الدولية!!! وهذا الموقف طبعا، دفع الدول الاخرى للإحجام عن فرض المزيد من العقوبات على مستوطنين آخرين.
وأشار إلى أن التقارير الاسرائيلية تؤكد أن غالبية اعتداءات المستوطنين يشارك فيها اسرائيليون لا يقيمون في المستوطنات، وأن الكثير من المنظمات العنصرية والصهيوتوراتية لا توجد في المستوطنات وإن كانت تدعم غلاة المستوطنين في ممارساتهم وتمدهم بكل ما يحتاجون إليه من عناصر بشرية أو مادية.
ويوضح أن المستوطنين لا يحتاجون إلى تشكيل جيش خاص بهم لأن قيادة الجيش نفسه باتت تحمل أفكارهم، مدللا على ذلك بازدياد عدد معتمري الـ 'كيباه' أو الطاقية الصغيرة من كبار الضباط.
كما أشار إلى أن أعضاء الكنيست اليوم في غالبيتهم لا يقلون عنصرية عن المستوطنين. وقال: لن أتحدث هنا عن أحزاب الائتلاف الحكومي، ولكن سأكتفي بالتذكير أن افيغدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا المعارض هو نفسه مستوطن يسكن مستوطنة نيكوديم. يائير لابيد، أصر على أن يعلن عن البرنامج الانتخابي لحزبه 'ييش عتيد' من مستوطنة 'أرئيل'. أما المرشح الاقوى لقوى المعارضة الاسرائيلية نفتالي بينيت، فقد عمل لسنوات سكرتيرا لمجلس مستوطنات الضفة وقطاع غزة (ييشع).
السيادة على الضفة
وشدد على أن السيادة على أراضي الضفة الغربية حق حصري للشعب العربي الفلسطيني، وهذا الحق لا يتبدل سواء كانت الأرض محتلة أو محررة ما دام أصحاب الحق لم يتنازلوا عنه .
أما الضم، فيؤكد الخبير نزال أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تخفي نواياها ومخططاتها بهذا الشأن، لكن مشكلتها أنها تريد اراضي الضفة دون سكانها، منبها إلى أنه على هذه الخلفية يمكن أن نرى الممارسات الاسرائيلية سواء الرسمية منها او تلك التي توكل لعصابات المستوطنين.
وأكد أن ما يجري في الاغوار والسفوح الشرقية وصولا إلى مسافر يطا يهدف في الواقع إلى 'تنظيف' هذه المساحة الشاسعة (تزيد عن 33% من مساحة الضفة الغربية) من السكان الفلسطينيين، وتهيئتها للضم غير المعلن، أو لتكون جاهزة فيما لو تم فرض مشروع ترامب.
وأشار إلى أنه يتم حاليا توسيع محيط الكتل الاستيطانية واستكمال السيطرة على مساحات الأراضي التي تشكل جيوبا بين مستوطنات كل تكل.
وقال: هذا كله إلى جانب العمل على توسيع حدود القدس وفق مخطط القدس الكبرى ليشمل مستوطنات 'غوش عصيون' جنوبا ويمتد للشرق ليضم مستوطنات 'كيدار' ، 'معاليه ادوميم'، 'ميشور ادوميم'، 'كفار ادوميم'..
آليات المواجهة
وحول رسالته للفلسطينيين المتضررين، قال: المزيد من الصمود والمقاومة. أعداؤنا يستهدفون وجودنا على هذه الأرض، أرض وطننا. ومهمتنا الأسمى هي الدفاع عن حقنا في هذا الوجود. كل الممارسات التي تهدف إلى منعنا من الوصول لأراضينا، أو الاستيلاء على ممتلكاتنا بالقوة، أو الاعتداءات الجسدية علينا وعلى مزروعاتنا وعقاراتنا وممتلكاتنا، يجب ألاّ تتزعزع إيماننا بحتمية دحر الاحتلال طال الزمن أو قصر.
وبشأن آليات مواجهات المستوطنين، أكد أن هناك دورا مهما للتجمعات وللفعاليات الوطنية ولجان الحراسة الشعبية، أو اللجان الشعبية، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان هي عناوين مهمة في هذا الإطار رغم محدودية الدور والامكانيات. مشددا على أهمية تطوير مواقف الفعاليات والتجمعات على حد سواء.

























































