اخبار فلسطين
موقع كل يوم -دنيا الوطن
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
تابعنا أيضا عبر تويتر @alwatanvoice غزة - دنيا الوطنتقرير: ملك فايز محارب
في شوارع غزة المتفحمة، حيث يتساقط الرماد فوق الرماد، تقف المرأة الفلسطينية كجدار أخير في وجه الانهيار الكامل. بين خيام اللجوء وبيوت الطين، في الملاجئ المكتظة أو الأزقة المهدّمة، تتكئ النساء على ما تبقى من الحنين، وتحملن أوجاع البيت والوطن على أكتاف واهنة لم تعرف الراحة منذ أن دقّت طبول الحرب.
هنا، لا تنام الأمهات. لا يصرخن إلا بصمت. نساء فقدن أزواجهن، وأخريات شيّعن أبناءهن، وبعضهن يمضين ليالي طويلة في الظلمة، يتفقدن حرارة أطفال يرتجفون من الجوع أو البرد، بلا دواء، بلا أمان، بلا شيء إلا القلب.
“دفنّا أولادنا بأيدينا، ثم عدنا إلى الخيمة نحاول أن نُرضع الحياة من ثدي اليأس”، تقول أم رُقيّة، نازحة من حي الزيتون، تحمل رضيعتها تحت معطف ممزق، وتشد على أطرافه كأنها تشد على روحها كي لا تنكسر.
في غزة، الحمل ليس خبرًا سعيدًا، بل سؤالًا مؤلمًا: “هل سألد تحت القصف؟ هل سيبقى الجنين حيًا؟ هل أجد طبيبًا أو دواءً؟”
مشافي الولادة شبه متوقفة، الرعاية الصحية شبه معدومة، والنساء يخترن الولادة بين الأنقاض، أو الموت بصمت داخل بطونهن.
سلمى، 29 عامًا، كانت تعمل مدرّسة، تقيم اليوم في مدرسة نُزِعت منها المقاعد لتُفرش بالألم، تقول: “كنت أحلم بأن أفتح حضانة، اليوم أعلّم الأطفال كيف يختبئون عند القصف، كيف لا يصرخون بصوت عالٍ كي لا يسمع العدو بكاءهم.”
النساء في غزة لا يحملن الحقائب اليدوية، بل يحملن بقايا الصور، وحفاضات الأطفال، ورغيفًا ناشفًا، وربما جرة ماء إن تيسّر الطريق.
كل واحدة منهن باتت جيشًا: تطبخ على النار الباردة، تداوي جراحًا بلا دواء، وتربّي أحفادًا مات آباؤهم، وتشد أزر من فقدن عقولهن.
إنها الحرب، التي تُقاس بصراخ الأطفال، وانهيار الأمهات، وصمت الجارات، وقلوب النساء التي تخبّئ العالم تحت الحجاب.
في غزة، لم تعد المرأة نصف المجتمع، بل صارت روحه كلها. روح تحاول أن تنقذ ما تبقى، وتبني من تحت الرماد ملامح وطن.