أوروبا تحارب الطاقة الأحفورية بالضرائب.. كيف تتأثر دول الخليج؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

- ما قيمة الضرائب التي تفرضها أوروبا على الوقود؟

تصل إلى 200%، وهو ما يتسبب بارتفاع أسعار مشتقات النفط بشكل كبير.

- ما الهدف من فرض هذه الضرائب؟

خفض استهلاك النفط، والتحول نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة.

مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط الخام عالمياً من جراء تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والطلب المرتفع عليه إثر عودة النشاط الصناعي والنقل بعد جائحة كورونا، تتجه دول العالم، خاصة أوروبا، إلى تبني سياسات لتقليص الاعتماد عليه والتوجه نحو الطاقة المتجددة، خاصة بقطاع النقل.

وبدأت الدول الأوروبية خلال الفترة الماضية بفرض ضرائب مرتفعة على مشتقات النفط لتحقيق هدفين؛ الأول يتعلق بزيادة الإيرادات الضريبية من شركات النفط التي تضاعفت أرباحها خلال موجة الارتفاع الحالية، ومن ناحية أخرى تقليص استهلاك الوقود في محاولة للحد من التضخم.

وفي نظرة أخرى لتأثيرات فرض ضرائب على مشتقات النفط، فإنها ستقود لتسريع تحول قطاع النقل في أوروبا إلى المركبات الكهربائية ما يعني خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو ما سيترتب عليه انعكسات مستقبلية سلبية على الدول المنتجة للنفط، فقطاع النقل يستهلك 60% من إنتاج الخام الأسود عالمياً.

%200 ضرائب

وفي 8 أغسطس الجاري، كشف عادل الجبير، وزير الشؤون الخارجية السعودي ومبعوث المملكة لشؤون المناخ، عن فرض الدول الأوروبية ضرائب بنحو 200% على مشتقات النفط بحجة حماية البيئة.

وقال الجبير، في مقابلة مع قناة 'CNBC' الاقتصادية الأمريكية، إنه يستغرب مطالبة بعض الدول 'بزيادة إنتاج النفط عندما ترتفع الأسعار'.

وأشار إلى أن ذلك 'قد يؤدي إلى الفوضى وتقليص الاستثمارات وتهديد الإمدادات'، في إشارة منه إلى أهمية ارتفاع أسعار النفط الخام في ظل الزيادة الكبيرة بتكاليف أعمال التنقيب والاستكشاف.

وفي شهر يوليو الماضي، كشفت تصريحات لمسؤولين أوروبيين عن أن دولاً، منها إيطاليا وإسبانيا واليونان والمملكة المتحدة، بدأت بفرض ضرائب على عمالقة الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

وأفادت صحيفة 'الباييس' الإسبانية، في 15 يوليو الماضي، أن دولاً أوروبية لفرض ضرائب جديدة على شركات الطاقة الكبيرة، وتصدرت هذه الدول إيطاليا، التي أعلنت ضريبة بنسبة 25% على الأرباح غير العادية لشركات النفط والغاز والكهرباء التي تتجاوز أرباحها 5 ملايين يورو.

ووفقًا لهذا الإجراء ستدفع شركات توليد الكهرباء والغاز والنفط للدولة 10٪ من الأرباح التي حصلت عليها كفرق بين 1 أكتوبر 2021 و 31 مارس 2022 عن نفس الفترة من العام السابق.

كما أعلن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانتشيز، أن السلطة التنفيذية فرضت ضريبة جديدة على الأرباح غير العادية لشركات الطاقة الكبيرة.

وقال سانتشيز: 'سنقوم بتطبيق ضريبة على الأرباح غير العادية لشركات الطاقة الكبيرة التي ستجمع مليارَي يورو سنوياً على مدى العامين المقبلين'.

وستكون الضريبة الإسبانية على شركات الطاقة الكبرى سارية بين عامي 2023 و2024، وستؤثر على الأرباح غير العادية التي حصلت عليها 'المجموعات المهيمنة في قطاعات الكهرباء والغاز والنفط' في عامي 2022 و2023.

وأبدت فرنسا عزمها على تأميم شركة الكهرباء الوطنية بنسبة 100%، بحسب ما أعلنته رئيسة الوزراء إليزابيث بورن.

وقالت بورن، في تصريحات لها أمام الجمعية الوطنية (البرلمان)، الشهر الماضي، 'أؤكد لكن اليوم نية الدولة في امتلاك 100% من رأسمال شركة كهرباء فرنسا، التي أصبحت تعانى من ثقل الديون وأعباء مالية كبرى، كما أنها تواجه تحدياً من الحكومة الفرنسية لإطلاق برنامج جديد'.

كما تتجه اليونان إلى تشديد الضرائب المفروضة على شركات الكهرباء والنفط بضريبة 90٪ لمساعدة المستهلكين الذين يعانون أكثر من غيرهم.

وفي 4 أغسطس الجاري، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحكومات بالعالم إلى فرض الضرائب على شركات النفط والغاز التي حققت أرباحاً طائلة، ووصفها بأنها نوع من 'الجشع البشع'.

وحذر غوتيريش، في تصريحات صحفية، من أن ارتفاع أسعار الطاقة سيكون له عواقب واسعة النطاق، حيث تنهار الحكومات في جميع أنحاء العالم تحت الضغط.

وقال: إن 'العديد من البلدان النامية غارقة في الديون، دون الحصول على التمويل، وتكافح من أجل التعافي من جائحة كورونا، وقد تكون على حافة الهاوية'.

وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة: 'إننا نشهد بالفعل إشارات التحذير من موجة من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي قد تطال الجميع وليس أي بلد بمنأى عنها'.

سيناريوهات الطاقة المتجددة

وفي قراءته للواقع والتداعيات المستقبلية لفرض الضرائب الأوروبية على الوقود بشكل واسع، يقول عامر الشوبكي: إن 'فرض الدول الأوروبية للضرائب على الوقود، وارتفاع أسعاره حالياً بشكل كبير، يؤدي إلى تعطيل استهلاك النفط، وتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة خاصة بقطاع النقل'.

وأضاف الشوبكي، في حديثه لـ'الخليج أونلاين'، أن 'تحول قطاع النقل بأوروبا نحو الطاقة الكهربائية أو المتجددة سيؤثر بشكل كبير على استهلاك النفط بالقارة وعلى مستوى العالم لأنه من المعروف أنه من 60% إلى 65% من استهلاك الخام الأسود عالمياً يذهب إلى قطاع النقل'.

وأشار إلى أن التحول إلى الطاقة المتجددة سيكون له تأثير مستقبلي سلبي على النمو العالمي لاستهلاك النفط، ومن ثم سينعكس سلباً على الدول المنتجة للنفط ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي.

ويذكر الشوبكي أن 'فرصة ارتفاع أسعار النفط في الفترة الحالية ربما تكون الفرصة الأخيرة التي تنعم بها الدول المنتجة للنفط، ومنها الخليجية، بأسعار مرتفعة، وبعد ذلك ستكون الأسعار منخفضة بسبب التوجه نحو الطاقة المتجددة، وهذا سيؤثر سلباً على الإيرادات المالية للدول النفطية'.

وفي سيناريو آخر، فإنه حتى لو كان نمو الطلب بالعالم منخفضاً على النفط وبقي الاستهلاك بحدود الـ100 مليون برميل من النفط يومياً أو انخفض قليلاً فستكون لدول الخليج في هذا الاستهلاك حصة كبيرة، حسب الخبير الاقتصادي.

ولفت إلى أن هناك استعمالات أخرى للنفط تنمو بشكل متسارع مثل الصناعات البلاستيكية والبتروكيماوية.

ومن ناحية أخرى فإن لدول الخليج حظاً في أن تكون مصدراً كبيراً للطاقة المتجددة من خلال تصديرها الكهرباء للدول الأوروبية وغيرها من الدول الباردة عبر استغلال الطاقة الشمسية الكثيفة فيها.

ورأى أن هناك فرصة أيضاً لتكون دول الخليج مصدرة للهيدروجين الأخضر ويعتقد حالياً أنه سيكون مفتاحاً للتحول نحو الطاقة المتجددة.

وأشار إلى أن دول الخليج تملك الإمكانيات لإنتاج هذا النوع من الطاقة، وقد بدأت بالفعل بالتوجه نحو ذلك حيث سيتم إنشاء أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في المملكة العربية السعودية.

أما بالنسبة للغاز فإن التخلي عنه سيحتاج إلى مدة طويلة أكثر من النفط الخام، فقد اعتمدته أوروبا مصدراً للطاقة النظيفة.

ووفق الشوبكي، فإن 'دول الخليج سيكون لها مساحة مهمة في صادرات الغاز العالمية خلال السنوات المقبلة، فالسعودية تسعى لأن تكون مصدراً رئيسياً للغاز بعد تطوير حقل الجافورة الغازي، وكذلك تعمل قطر على تعظيم قدراتها برفع إنتاج الغاز بنسبة 64% حسب خطتها للعام 2027'.

وأشار إلى أن 'هناك اكتشافات غازية مهمة في الإمارات وسلطنة عمان ستجعل من الدولتين مصدراً رئيسياً للغاز بالعالم'.