"سيناريوهان للخليج".. لماذا يريد الغرب تحديد سعر النفط الروسي؟

سلمى حداد - الخليج أونلاين

- ما القرار الأخير لمجموعة الدول السبع؟

اتفق زعماء مجموعة الدول السبع على دراسة تحديد سقف سعري لنفط روسيا لخفض إيراداتها العامة.

- كيف سيؤثر ذلك على أسعار النفط الخام عالمياً؟

حال استجابت روسيا للقرار الغربي ستتراجع أسعار النفط، وإذا واجهت القرار سترتفع الأسعار لقمم جديدة.

تزداد المعركة الاقتصادية بين روسيا ودول الغرب ضراوة منذ إعلان موسكو حربها على أوكرانيا في فبراير الماضي، لتتخذ منحنى جديداً بخطة تدرسها الدول الصناعية السبع الكبرى بالعالم لفرض سقف سعري على النفط الروسي.

وهذه الخطة الجديدة تهدف إلى حرمان موسكو من الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار النفط الخام، وتقليص إيراداتها المالية التي تستغلها لتمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وفي ذات الوقت خفض أسعار الخام عالمياً.

والخيار الأخير يمكن أن يحصل في حال استجابت روسيا لفرض سقف سعري على نفطها لتحافظ بذلك على إيرادات مالية ثابتة، وإن كانت مخفضة، ولكن رفضها لمثل هذا القرار ومواجهته من خلال خفض إنتاجها من النفط أو قطع الغاز عن أوروبا سيقود أسعار الطاقة لقمم جديدة لم تصلها من قبل.

خطة جديدة

واتفق زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، في ختام قمتهم بألمانيا الثلاثاء 28 يونيو 2022، على دراسة فرض حظر على نقل النفط الروسي الذي يباع فوق سعر معين، كما تعهدوا بدعم خطة لإعادة إعمار أوكرانيا.

وقال زعماء المجموعة، التي تضم كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة: 'ندعو جميع الدول التي تشاطرنا الرأي إلى التفكير في الانضمام إلينا في ما نفعله بشأن النفط الروسي'.

ويأتي قرار مجموعة السبع بعد ارتفاع أسعار النفط بشكل صاروخي وتجاوزها حاجز 124 دولاراً للبرميل- قبل أن تنخفض بشكل محدود- بعد اتفاق زعماء الاتحاد الأوروبي على خفض 90% من واردات النفط الروسي بحلول نهاية العام 2022.

عائدات مرتفعة

وأظهر تقرير لوكالة الطاقة الدولية، في 15 يونيو الجاري، أن روسيا استمرت في جني عائدات مرتفعة من النفط في مايو، على الرغم من المقاطعة والعقوبات الغربية المفروضة عليها في أعقاب العملية العسكرية بأوكرانيا.

وقالت وكالة الطاقة الدولية إن عائدات تصدير النفط الروسي قفزت إلى نحو 20 مليار دولار في مايو الماضي، بزيادة 11% عن الشهر السابق، على الرغم من انخفاض أحجام الشحن.

وأضافت الوكالة أن هذا الرقم يعيد إجمالي إيرادات موسكو لشحن النفط والمنتجات الخام تقريباً إلى المستويات التي كانت عليها قبل العملية العسكرية بأوكرانيا.

حسب تقديرات الوكالة التي تتخذ من باريس مقراً لها، تراجعت الصادرات الروسية بنحو 3% بسبب انخفاض حجم تدفقات المنتجات النفطية.

في غضون ذلك، نما النفط الخام الذي شحنته خلال الشهر بنحو 500 ألف برميل يومياً مقارنة ببداية العام، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد بعيد إلى ارتفاع عمليات التسليم في آسيا.

وقالت الوكالة الدولية: إن 'الصين والهند زادت مشترياتهما من النفط الخام من روسيا بشكل حاد'.

تحركات أمريكية

ومن وجهة النظر الأمريكية فإن وضع سقف للسعر الذي تدفعه الدول الأخرى لروسيا مقابل النفط سيضغط في المقام الأول على الموارد التي يملكها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشن حرب، وسيؤدي ثانياً إلى تعزيز الاستقرار وأمن الإمدادات في أسواق النفط العالمية، حسب تصريحات مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية نقلتها وكالة 'رويترز' الدولية، في 28 يونيو الجاري.

واعتبر المستشار الأبرز للرئيس الأمريكي، جيك ساليفان، في تصريحات صحفية، في 27 يونيو الجاري، أن التوصل إلى إجماع حول هذا الموضوع سيكون 'خطوة هائلة إلى الأمام'، مؤكداً أنه 'إحدى أهم النتائج' لقمة مجموعة السبع.

لكنه أقر بالصعوبة التقنية لمثل هذا المشروع قائلاً: 'إنه ليس شيئاً يمكننا سحبه من أدراجنا كما لو كانت طريقة تم اختبارها واعتمادها. إنه مفهوم جديد'.

وسبق اتفاق مجموعة السبع تحركات أمريكية في هذا الشأن، حيث قال مسؤول حكومي ياباني، الاثنين 27 يونيو 2022، إن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الأمريكي جو بايدن، اتفقا على التنسيق الوثيق بشأن العقوبات المفروضة على روسيا، ومن ذلك تحديد سقف لأسعار النفط الروسي.

ونقلت وكالة الأنباء اليابانية 'كيودو' عن المسؤول (لم تسمه)، إنه 'خلال المحادثات بين الزعيمين أكد كيشيدا وبايدن أنهما سيعملان على التنسيق الوثيق بشأن تحديد سقف لأسعار النفط الروسي'.

كما أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، خلال زيارة إلى كندا الاثنين 27 يونيو 2022، أن الولايات المتحدة تجري محادثات مع حلفائها لوضع سقف لسعر النفط الروسي بهدف تقييد عائدات موسكو من ذهبها الأسود.

وقالت يلين، خلال مؤتمر صحافي: 'نحن نواصل إجراء محادثات مثمرة مع شركائنا وحلفائنا في العالم بأسره بشأن كيفية فرض مزيد من القيود على عائدات الطاقة الروسية، وفي الوقت نفسه تجنب الآثار الجانبية لذلك على الاقتصاد العالمي'.

وأضافت: 'نحن نتحدث عن وضع حد أقصى للأسعار أو استثناء للسعر، الأمر الذي من شأنه أن يوسع ويعزز القيود الطاقوية الأخيرة والمقترحة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على موسكو'.

وأوضحت الوزيرة الأمريكية أن من شأن مثل هذه الإجراءات 'أن تخفض أسعار النفط الروسية وتقلص عائدات بوتين وفي الوقت نفسه تتيح لكميات أكبر من النفط الوصول إلى الأسواق العالمية.

روسيا تغير استراتيجيتها

وقبيل قمة مجموعة السبع، كان وزير الطاقة الروسي، نيكولاس شولجين، قال في مقابلة مع صحيفة 'روسيسكايا غازيتا' المحلية، في 27 يونيو 2022، إن بلاده لا تنوي خفض إنتاج النفط الخام في ظل القيود الخارجية على صادراتها.

وأضاف شولجين أن روسيا تشجع الدول المنتجة للنفط على مواصلة الضخ وتقدم إعفاءات ضريبية للمصافي وتدعم إمدادات الوقود المحلية.

وأوضح أن روسيا ستراجع استراتيجيتها في مجال الطاقة بحلول شهر سبتمبر المقبل، دون مزيد من التفاصيل.

تداعيات وسيناريوهات

وفي قراءته لخطوة مجموعة دول السبع المرتقبة، قال عامر الشوبكي، الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة: إن 'الخطوة تعني أن يتم تحديد سعر النفط الروسي وربما الغاز بأسعار أقل من الأسعار العالمية وبسقف تحدده الدول الغربية أو المستوردة للخام الروسي بشكل عام'.

وأضاف الشوبكي، في حديثه لـ'الخليج أونلاين': 'يأتي تشديد الخناق على القوة الاقتصادية والعسكرية للرئيس الروسي دون أن يؤدي إلى رفع الأسعار أو تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي'.

وأوضح أن وضع سقف سعر للنفط الروسي سيؤدي إلى تقليص إيرادات النفط الروسية بشكل محدد من الغرب ولجميع المشترين، ولن يكون الأمر اختيارياً بالنسبة لروسيا كما هو الحال الآن مع تخفيضات موجهة فقط للصين والهند.

وأشار إلى أن الخطة قد تشمل وضع سقف سعر للغاز أيضاً من قبل الدول الأوروبية، فمن المعلوم أن روسيا على المدى القصير ليس لديها سوق بديلة لبيع الغاز الطبيعي إلا عبر الأنابيب الواصلة لأوروبا.

ومن ثم فإن لم تكن روسيا مستعدة لتلقي ضربة كبيرة لإيراداتها من خلال إغلاق خط أنابيب الغاز تماماً الواصل إلى أوروبا فلن يكون لديها خيار سوى البيع بالسعر الذي تمليه دول القارة العجوز، حسب الخبير الاقتصادي.

ولكن كيف يمكن عمل آلية الحد الأقصى لأسعار النفط؟ سيتم ذلك، حسب الشوبكي، من خلال فرض عقوبات على ناقلات النفط الروسية إذا سمحت ببيع النفط بأعلى من السعر المحدد.

وحول انعكاس هذا القرار على أسعار النفط الصادر من دول الخليج العربي وبقية الدول النفطية بالعالم، قال الخبير الاقتصادي: إن 'السيناريو الأول لذلك هو إقرار روسيا بالسقف السعري وعدم القيام بأي عمل مضاد في سبيل المحافظة على إيرادات النفط والغاز، والبقاء على نفس المستوى من الإنتاج، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع أسعار النفط عالمياً'.

ولكن في حال قررت روسيا المواجهة ووقف واردات الغاز إلى أوروبا، وتقليص إنتاجها من النفط الخام، ولم تتعامل مع هذه المعطيات، فسترتفع أسعار النفط إلى قمم جديدة، حسب الشوبكي.