اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٣ كانون الأول ٢٠٢١
تعرضنا في المقال السابق إلى واقع الفراغ السياسي والأمني الذي تعيشه منطقة الخليج العربي، ويشمل كل دوله العربية، وحددنا أزمة هذا الواقع من خلال ما أحدثته أزمة الخليج من إضعاف هيكل الأمن القومي الذي لا يُمكن أن يُستعاد رغم المصالحة، وهو ما توافق اليوم مع تقدم نفوذ الجمهورية الإيرانية دولياً، وشواهد قرار الانسحاب الغربي، النسبي أو الاستراتيجي من المنطقة، وهذا الانسحاب سيصب قطعاً في صالح الإيرانيين.
وهنا تبرز لنا الشواهد الفارقة بين إيران وواقع مجلس التعاون الخليجي:
1- فالجمهورية الإيرانية ورغم الصعوبات التي تعيشها داخلياً، إثر موجات المعارضة الإصلاحية من خارج مربع النظام، من حركات يسارية أو مدنية احتجاجية، ومن ضمنها تيار اليسار الشيعي، إلا أنها متماسكة كدولة قومية.
2- وهناك مخاطر قديمة تُهدد منظومة الإرث الإيراني في وحدته السياسية أمام حركات التحرر، وخاصة في إقليم الأحواز العربي المحتل، وفي بلوشستان وكردستان الإيرانية، لكن الغرب حذر جداً وهو يدعم بقاء هذه الأقاليم تحت سيادة طهران على الأقل في هذه المرحلة.
3- كما أن التيارات السياسية داخل منظومة ولي الفقيه تعود لترتيب بيتها الداخلي، وتجلس مع الغرب ككتلة متماسكة، وهذا معاكس تماماً لموقف دول الخليج العربي.
إننا نفهم تماماً محاولات إعادة العلاقات، وحميمية الخطاب بين دول المجلس الخليجي بعد المصالحة، وخاصة تجاه قطر، ولكن ذلك في الحقيقة يقوم على شعور تلك الدول بأن حصيلة المرحلة السابقة في حصار قطر كانت كارثية في سجلها الدبلوماسي.
الأمر الآخر أن هناك انقساماً حول الموقف من إيران، وفوضى في التواصل معها تشمل الجميع، وحين نقول فوضى فهي فوضى موقف، حيث لم تُنظّم دول الخليج العربي قاعدة أساسية تنطلق منها لمفاوضة طهران، ولكن هناك تمزق واسع وحضور كبير لمفهوم عدم الثقة، رغم كل عبارات المجاملة.
إن دول المجلس أيضاً محتاجة لمستوى من المصالحة الوطنية، وتنظيم البيت الداخلي مع شعوبها، وترك هامش فعلي للمشاركة الشعبية وحرية الرأي، وتقعيد المواطنة عبر ثقافة المساواة والمجتمع المدني المتفاهم والمتحد، المنظم لعلاقات الأخوّة والكفاءة بين شرائحه، وهذا غائب بنسب متفاوتة في دول المجلس.
الأمر الثاني هو إعادة قراءة المشهد الخارجي لتأثير الزحف الإيراني، وتصحيح المواقف في السياسة الخارجية؛ عبر المراجعات الاستراتيجية والعقلانية، ومنها الأزمة المفتعلة مع التيارات الإسلامية، رغم وجود أخطاء اصطفاف قديمة جديدة في علاقة هذه التيارات الإسلامية منذ العهد الوهابي حتى العثماني الجديد، لكن إبقاء الخليج العربي في حالة صراع مفتوح معها هو خطأ استراتيجي يُضعفها أمام طهران.
أما البعد الآخر فهو تنظيم خسائر العمق العربي في مواجهة إيران في اليمن وسوريا ولبنان، وما يجري اليوم من تأهيل خليجي لنظام بشار الأسد هو انسحاب هزيمة أمام طهران غير مبرر، وقد نتفهم واقع التجربة السورية المر، وحاجة الشعب المنكوب لوقف إطلاق نار يُعيد المهجرين واللاجئين.
وهذا يمكن أن يقوم على مبادرة عربية متماسكة تستثمر الموقف التركي، وتضغط على البعد الغربي، وبالذات الأمريكي، لإعلان نهائي لوقف الحرب، ويتوجه الصراع السياسي المدني بين الثورة والنظام في دورة مستقبل أخرى يقررها هذا الشعب المنكوب.
أما الأمر الأخير فهو مستوى المصارحة والقاعدة المشتركة التي يحتاج أن يختطها المجلس، وخاصة بين مسقط والرياض، في التفاهم على العلاقات الثنائية لكل منهما مع طهران، والتنسيق بين الدولتين الكبريين في الخليج العربي؛ السعودية وعمان، في السياسة الخارجية، فهو أمر إيجابي، لكن من خلال استراتيجية أمن قومي تقوم على مصالح الشعوب ومستقبل الخليج الأخير لا صفقات الأنظمة الموسمية.