اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- ما الهدف من منتدى خلوة مسقط للوساطة؟
تعزيز التعاون الدولي في حلّ النزاعات واستكشاف أدوات إنهاء الصراعات عبر الحوار.
- ما الأساس الذي ترتكز عليه الوساطة العُمانية؟
الحياد النشط والمصداقية والرسالة الموحدة.
تتحرّك سلطنة عُمان بثبات لترسيخ موقعها منصة إقليمية للحوار وحلّ النزاعات، مستندة إلى دبلوماسية هادئة وقدرة متراكمة على بناء التفاهمات بين الأطراف المتباعدة.
ومع انطلاق منتدى 'خلوة مسقط للوساطة' بنسخته الثانية، في 23 نوفمبر 2025، تبدو العاصمة العمانية في لحظة سياسية تستثمر فيها حيادها النسبي وعلاقاتها المتوازنة لتغذية مسارات السلام في الشرق الأوسط، وسط تصاعد الأزمات وتراجع القنوات التقليدية للحوار.
وساطة عُمانية
في هذا الإطار، تندرج أعمال 'خلوة مسقط' ضمن سلسلة فعاليات منتدى أوسلو، أحد أشهر الملتقيات الدولية المعنية بصنع السلام.
واستمرت الفعاليات حتى 25 نوفمبر بتنظيم مشترك بين وزارة الخارجية النرويجية ومركز الحوار الموضوعي، وبرعاية وزارة الخارجية العُمانية، في خطوة تعزز تموضع السلطنة كجسر للتشاور الإقليمي والدولي.
وشهد المنتدى سلسلة مباحثات ثنائية، أبرزها لقاء وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي والأمين العام لمجلس التعاون جاسم محمد البديوي، الذي أكد دعم المجلس لمنصة خلوة الوساطة ودورها في تبادل الخبرات وبناء مقاربات متوازنة للأزمات.
وتوازى ذلك مع محادثات بين البوسعيدي ووزير الدولة في الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، ركزت على تعزيز التعاون في مجالات الوساطة وحل النزاعات، إضافة إلى التطورات في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تأكيد استمرار التنسيق السياسي خلال المرحلة المقبلة، بحسب الخارجية القطرية.
ويمثل المنتدى امتداداً لأول نسخة نُظّمت في ديسمبر 2023، كأول فعالية من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بهدف جمع صنّاع السياسات والمفاوضين والخبراء لاستكشاف أدوات إنهاء النزاعات عبر الحوار، مستفيداً من مكانة السلطنة الحيادية نسبياً في المنطقة.
زخم إقليمي متزايد
وعلى هامش أعمال المنتدى، شهدت مسقط حراكاً دبلوماسياً مكثفاً يعكس اتساع شبكة علاقات السلطنة ودورها في هندسة التهدئة الإقليمية.
ففي 23 نوفمبر، أجرى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، مباحثات موسعة مع البوسعيدي، تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي، وامتدت المحادثات إلى المستجدات الإقليمية، حيث شدد الوزيران على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير، وإحياء المسار السياسي القائم على حل الدولتين.
كما تناول الجانبان التصعيد في الضفة الغربية وضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تقوض فرص السلام.
وشملت اللقاءات مسؤولين ووفوداً دولية، بينهم نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لبحث خفض التصعيد الإقليمي ومتابعة الملفات الثنائية.
إضافة إلى مباحثات مع وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني، ووزير الدولة بالخارجية النرويجية أندرياس كرافيك حول التعاون في الوساطة والتعليم والتنمية المستدامة.
كما التقى البوسعيدي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الذي أشاد بدور مسقط في إنجاح هدنة 2022 وتقريب المواقف اليمنية، وفق بيان مكتب المبعوث الأممي.
وتقاطع هذا الحراك مع جهود عُمان المتواصلة لدعم مسارات الاستقرار في المنطقة، سواء عبر الوساطة الإنسانية والإفراج عن محتجزين أو احتضان قنوات اتصال غير معلنة، ما يعزز موقعها وسيطاً موثوقاً ومقبولاً لدى الأطراف المتخاصمة.
وسيط موثوق
ويؤكد الأكاديمي والباحث في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور عبد الله الغيلاني، أن سلطنة عمان عبرت مساراً طويلاً مليئاً بالتحديات، واستطاعت أن تصنع لنفسها صورة ذهنية بوصفها وسيطاً موثوقاً.
ويضيف لـ'الخليج أونلاين' أن هذه الصورة تعززت من خلال عدد من المحطات التي نجحت مسقط في عبورها، إذ اضطلعت بأدوار مركزية في قضايا إقليمية بارزة، في مقدمها الأزمة اليمنية، والعلاقات الأمريكية- الإيرانية، وكذلك التباينات الخليجية.
ويشير الغيلاني إلى أن الانخراط في إدارة أزمات إقليمية بالغة التعقيد من موقع الوسيط يعد أمراً عسيراً، والنجاح فيه نسبي، لكنه يوضح أن مسقط تمكنت من تحقيق إنجازات مهمة في معظم تلك المسارات.
ويردف أن السلطنة لطالما ساهمت في خفض التصعيد في العلاقة مع إيران، التي كانت تقترب أحياناً من درجة الانهيار، مما ينذر بتداعيات أمنية وسياسية كارثية.
ويعتقد الغيلاني أن الأزمة اليمنية تمثل امتداداً للأمن الوطني العماني، إذ إن الوساطة العمانية أحرزت تفاهمات مهمة بين فرقاء الصراع، أسهمت في خفض التصعيد العسكري تمهيداً لتفاهمات سياسية.
ويرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن الدور العماني في معالجة التصدعات الخليجية البينية يظل مستمراً ومؤثراً، وهو لا يكاد يتخلف عن الساحة الإقليمية في هذا السياق.
ويوضح الغيلاني أن إدارة النزاعات وحل الأزمات التي تتناولها 'خلوة مسقط' هذا العام تستقي مادتها من العلم والتجربة معاً، التجربة بحلوها ومرها وخيرها وشرها.
ويضيف أن الوساطة العمانية اكتسبت عبر مسار طويل مرهق قدراً من المكنة التفاوضية، وهو ما يستحق وقوف خبراء التفاوض وحل الأزمات على مضامينه.
ويلفت الغيلاني إلى أن الإرث السياسي العماني وتموضع الدولة الجيوسياسي يمدان الوساطة العمانية بقوة دفع ومصداقية أخلاقية، توفر للوسيط العماني شروط نجاح أكبر، وتجعل دوره في حل الأزمات أكثر فعالية ومتانة.
حيادٌ يصنع السلام
وتواصل سلطنة عُمان ترسيخ موقعها كقوة دبلوماسية هادئة في المنطقة، تعتمد الحياد النشط منهجاً استراتيجياً لتعزيز الأمن واستعادة التوازن في محيط مضطرب بالصراعات.
وخلال جلسة حوارية نظمت في المتحف الوطني بمسقط، في 18 نوفمبر 2025، بعنوان 'إرث حضاري ممتد بين عُمان والعالم'، أكد رئيس دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي بوزارة الخارجية العمانية، أحمد بن هاشل المسكري، أن السلطنة 'توظف الحياد لخدمة الأمن والسلم الدوليين'.
وأشار المسكري، في تصريحات أوردتها وكالة الأناضول، إلى أن اعتماد مسقط الحوار بديلاً عن المواجهة مكّنها من مدّ الجسور بين الشرق والغرب وكسب ثقة الأطراف المتنازعة.
ويقوم النهج الدبلوماسي العُماني على مبادئ راسخة تتمثل في المصداقية والرسالة الموحدة؛ إذ شدد المسكري على أن ما تقوله السلطنة في الاجتماعات المغلقة هو ذاته ما تعلنه في وسائل الإعلام، وهو ما عزّز ثقة القوى الدولية بقدرتها على الوساطة في أبرز الملفات الإقليمية.
وقد تُرجم هذا النهج عملياً باستضافة أولى جولات المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في أبريل 2025، تلاها نجاح جهود الوساطة العُمانية، في مايو الماضي، بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين واشنطن وجماعة الحوثي اليمنية.
وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة أثير العمانية، في 14 أبريل 2025، عن القنصل الفخري لليونان لدى السلطنة، إلياس نيكولاكوبولوس، وصفه السلطنة بأنها دولة تمتلك خصائص اجتماعية وسياسية فريدة جعلتها وسيطاً استثنائياً.
وأوضح نيكولاكوبولوس أن موقعها الجيوسياسي المطل على مضيق هرمز، وتركيبتها السكانية والثقافية القائمة على المذهب الإباضي المعتدل، أسهما في ترسيخ قيم الحوار ونبذ العنف كجزء أصيل من النسيج المجتمعي العُماني، وهو ما فهمه المجتمع الدولي واستثمره في إدارة النزاعات.
وتعزز التجارب التاريخية هذا الدور؛ إذ حافظت عُمان على الحياد خلال الحرب العراقية الإيرانية، وأسهمت في تخفيف التوتر بين قطر والبحرين، وأبقت قنوات الاتصال مفتوحة في الأزمة اليمنية منذ 2014.
كما اضطلعت عمان بأدوار رئيسية غير معلنة في التقارب السعودي الإيراني عام 2023، ونجحت في تسهيل عمليات إطلاق سراح رهائن غربيين لدى إيران، عبر مساعٍ إنسانية ودبلوماسية عميقة التأثير.
وانطلاقاً من ذلك، يُنظر إلى عُمان باعتبارها 'سويسرا الشرق الأوسط'، دولة ترفع شعاراً واضحاً وبسيطاً في فلسفة سياستها الخارجية 'أصدقاء للجميع، ولا أعداء لأحد'، وهو ما يجعل مسقط اليوم منصة مركزية للوساطة في الملفات الأكثر حساسية في المنطقة والعالم.
وتؤكد مسقط اليوم، عبر منتدى خلوة الوساطة، أن الدبلوماسية الهادئة لا تقل أثراً عن القوة الصلبة في صناعة الاستقرار.





















