التنمر في مدارس المغرب: طفولية طائشة أم ظاهرة مقلقة؟
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
رسميا 4 قنوات تعلن بث بطولة كأس العرب 2025.. الموعد والمكان والمشاركينتعالج داخلياً مما يسهم في عدم القدرة على ملاحظتها أو تتبع قوة حضورها وآثارها الاجتماعية والنفسية
كبقية المجتمعات في العالم، يعاني جانب من الأطفال المغاربة ظاهرة التنمر بالمدارس، على خلفية خصوصيات اقتصادية وثقافية محلية، مما يستدعي النظر إلى كيفية فهمها والتعامل معها، وبحسب تقرير الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين الحكومية، فإن 75 في المئة من تلاميذ المستوى الابتدائي يتعرضون للعنف بصورة عامة داخل المدرسة، وأن 25 في المئة منهم تعرضوا للضرب، فيما يعاني نحو 60 في المئة من طلاب المرحلة الثانوية التنمر اللفظي بدرجات متفاوتة.
كانت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو" أطلقت، بالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة المغربية يوم الأحد الماضي بمدينة الدار البيضاء، حملة لمكافحة ظاهرة التنمر بالمدارس، وذلك عبر إنتاج فيلم الرسوم المتحركة بعنوان "أرني ابتسامتك". وأوضحت راماتا ألمامي مباي، رئيسة قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية بالمنظمة، أن المبادرة "تندرج ضمن برنامج ’كفى تنمراً‘، الذي يتضمن عدداً من الأدوات التربوية الرامية إلى حماية الطفولة وتعزيز الرفاه داخل المدارس، من خلال التربية على القيم وبناء مهارات التفاعل الإيجابي".
يوضح باحثون أن التنمر بالمدارس المغربية أصبح ظاهرة، لكنها تظل من "التابوهات" بالنظر إلى التكتم الذي يحيطها، إذ يشير الناشط في المجالين المدني والسياسي عادل بنحبيب إلى أن التنمر في المدارس المغربية لم تعد سلوكاً عابراً، أو مجرد تصرفات طفولية طائشة، بل أصبح ظاهرة اجتماعية وتربوية مقلقة، تتقاطع فيها عوامل نفسية وثقافية واقتصادية ورقمية، موضحاً أن الظاهرة تكتسب في السياق المغربي، طابعاً خاصاً يرتبط بواقع المنظومة التعليمية، ومستوى الوعي المجتمعي، وصعوبات المتابعة النفسية للتلاميذ.
يقول الباحث في علم الاجتماع محمد القنفودي أن "ظاهرة التنمر بالمدارس المغربية، لا تتخذ طابعاً ظاهراً أو مكشوفاً، فهي تتسم بدرجة عالية من التكتم والإخفاء، كما لا توجد دراسات أو إحصاءات كافية عن حجم الظاهرة وتجارب الضحايا، الذين غالباً ما يتعاملون مع التنمر بصورة فردية ومن دون إشراك أسرهم أو الفاعلين داخل المؤسسة التربوية، وحتى وإن كشفت حالات داخل المدارس، فإنها تعالج داخلياً وضمن فضاء المدرسة، مما يسهم في عدم القدرة على ملاحظتها أو تتبع قوة حضورها وآثارها الاجتماعية والنفسية"، مستدركاً "مع ذلك فإن غيابها عن الواجهة لا يعني انتفاءها أو عدم حضورها، بقدر ما يعكس طبيعة الظاهرة المضمرة التي يصعب رصدها داخل فضاءات مغلقة مثل المؤسسات التعليمية، وأيضاً بين فئات سنية يصعب التعاطي معها".
بخصوص ارتباط الظاهرة بمحيطها ومدى تأثرها ببنيته الاجتماعية والثقافية، يؤكد الباحث في علم الاجتماع أن "المدرسة المغربية تشكل في جوهرها، وسلوك التلاميذ بداخلها، انعكاساً للمحيط الاجتماعي، فما يعرفه المجتمع من توترات بنيوية متمثلة في التفاوتات الاجتماعية والتمثلات الرمزية للعنف، وأشكال التمييز اللغوي والعرقي، مروراً بالصور النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، كلها تعتبر مدخلات عاكسة لأوجه الظاهرة في الوسط المدرسي، باعتبارها نتاجاً لبنية اجتماعية وثقافية أوسع تنتج العنف وتعيد إنتاجه داخل المؤسسة التعليمية"، مضيفاً أن" هذه القراءة تتيح لنا فهم سلوك التلاميذ تجاه أقرانهم، بخاصة مع تراجع مؤسسة مهمة في عملية التنشئة الاجتماعية، وهي الأسرة، مما ضاعف مسؤولية المدرسة في تقويم السلوك وإعادة ضبط البنية التربوية".
يوضح الباحث أن محاولة فهم تمظهرات التنمر باعتباره عنفاً رمزياً ولفظياً وجسدياً تجاه النظير في السن والانتماء المدرسي، يتأتى مما يمكن تسميته بـ"فراغ قيمي" و"ضعف تربوي"، يسهم في إتاحة الفرصة للأطفال لمحاولة إثبات ذواتهم عبر السيطرة والإذلال، وأيضاً كانعكاس للثقافة الشعبية المغربية، التي ترى في العنف والقوة رمزاً ومظهراً "للرجولة والشجاعة"، مما يزيد في تشجيع سلوك التنمر بين الأقران، بغية إثبات المكانة داخل الفضاء المدرسي وتأكيد حضور الذات، بخاصة بين الذكور، مع العلم أن الظاهرة لا يمكن اعتبارها "ظاهرة ذكورية"، بقدر ما أنها عابرة للنوع الاجتماعي، إذ تمارس أيضاً من طرف التلميذات، وإن كانت أخف وأقل وقعاً منها من الذكور، ويمكن أن تبرز من خلال تمظهرات السخرية والإقصاء والرفض.
تشكو الطفلة أميمة في حديثها لـ"اندبندنت عربية" من وقع تنمر أقرانها في المستوى الثالث من التعليم الابتدائي، في إحدى المدارس العمومية بضواحي العاصمة الرباط، مشيرة إلى تعرضها للسخرية بصورة دائمة، مما أثر سلباً في رغبتها في التعلم، وتوضح والدتها أن طلاق والديها أثر بصورة كبيرة في نفسيتها، مما أدى إلى إصابتها بالتلعثم في الكلام، وأن تنمر زملائها جعلها تنفر من الذهاب إلى المدرسة.
وتحكي الطفلة نزهة من مدينة أكادير، على مواقع التواصل، أن تجربتها كادت تكون مدمرة بالنسبة إليها، موضحة تعرضها للتنمر بسبب العاهة التي لحقتها برجلها، إذ كانت طريقة مشيتها تثير موجة من السخرية من طرف زملائها بالمدرسة، مشيرة إلى أن تلك التجربة تركت أثراً عميقاً في نفسيتها، لكنها تمكنت من تجاوز الوضع بمساعدة والديها ومعلميها، إضافة إلى عمل المستشارين النفسيين الذين ساعدوها في التغلب على ذلك العنف المدرسي.
يوضح الناشط بنحبيب أن ضحايا التنمر بالمدارس غالباً ما يعانون اضطرابات نفسية مختلفة، من الخوف والقلق إلى الانطواء وتدني الثقة بالنفس، وقد يصل الأمر إلى كراهية المدرسة أو التفكير في تركها، كما أن الإحصاءات تشير إلى تزايد حالات الاكتئاب ومحاولات الانتحار بين الأطفال الذين تعرضوا لـ"التنمر الإلكتروني".
أكد مجموعة من المعلمين، فضلوا عدم الإفصاح عن هويتهم، في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" انتشار الظاهرة بصورة واسعة بالمدارس المغربية، في ظل غياب قوانين تمنع ذلك النوع من العنف، موضحين أن أبرز أشكال التنمر، تكمن في العنف الممارس ضد التلاميذ المتفوقين من طرف زملائهم المتعثرين، بالتالي كلما زاد تفوق أحدهم ارتفعت حدة التنمر ضده، فضلاً عن ذلك تنمر يعانيه التلاميذ الذين يواجهون صعوبات في الاستيعاب، أو في التعبير من طرف زملائهم المتفوقين.
يؤكد عادل بنحبيب أن التنمر داخل المدارس المغربية يتخذ أشكالاً متعددة، تبدأ بالسخرية والسب والتمييز والإقصاء، وقد تتطور إلى عنف لفظي وجسدي، غير أن التطور التكنولوجي جعل التنمر أكثر خطراً عندما انتقل إلى الفضاء الرقمي، إذ أصبح بعض التلاميذ عرضة لـ"التنمر الإلكتروني"، من خلال نشر صور أو مقاطع محرجة، أو إنشاء حسابات وهمية للسخرية منهم، أو نشر إشاعات عبر مجموعات التواصل الخاصة، هذه الصورة من التنمر تتجاوز جدران المدرسة وزمنها، إذ يلاحق الطفل في بيته وعلى هاتفه، ويعيد إنتاج الإهانة بصورة مستمرة أمام جمهور أوسع، مما يترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة.
ويضيف الناشط المدني والسياسي أن "الفقر والأمية يسهمان بصورة غير مباشرة في تفاقم الظاهرة، فالفقر يجعل بعض الأطفال مميزين سلباً في مظهرهم، مما يجعلهم أهدافاً سهلة للسخرية، في حين تحد الأمية وضعف الوعي عند بعض الآباء من قدرتهم على اكتشاف معاناة أبنائهم أو الدفاع عنهم، وغالباً ما يجد الطفل نفسه وحيداً في مواجهة المتنمرين، مما يعمق الإحساس بالعزلة ويزيد من حدة الألم النفسي، في المقابل تظل الفوارق الاجتماعية عاملاً أساسياً في استدامة الظاهرة، لأنها تحدد من يملك القدرة على مواجهة التنمر، ومن يعاني في صمت".
عبر رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي عن قلقه البالغ من تفاقم ظاهرة التنمر داخل المؤسسات التعليمية المغربية، سواء بين التلاميذ أم في بعض الحالات بين الأطر التربوية والمتعلمين، معتبراً أن هذا السلوك يشكل خرقاً واضحاً لحقوق الطفل كما نصت عليها المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وعلى رأسها اتفاق حقوق الطفل، ويوضح الناشط الحقوقي أن انتشار مظاهر الإهانة والسخرية والعنف اللفظي أو الجسدي يهدد القيم التربوية والإنسانية للمدرسة المغربية، مبرزاً أن ضعف التأطير النفسي والتربوي وغياب خلايا الاستماع والمواكبة النفسية، إلى جانب التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، من أبرز أسباب تنامي هذه الظاهرة، مطالباً باعتماد سياسة تربوية وحقوقية متكاملة ترتكز على إدماج التربية على حقوق الإنسان في المناهج الدراسية، وإحداث خلايا يقظة نفسية داخل المدارس، وتكوين الأطر التربوية في آليات الوقاية والتدخل ضد التنمر، مع إشراك الأسر والمجتمع المدني في التحسيس بخطورته، مشدداً على أن المدرسة يجب أن تبقى فضاء للأمان والتسامح والتنشئة على القيم.