جماعات بإقليم تنغير تمنع السباحة في الأودية والبرك.. محام: "قرارات مخالفة للدستور"
klyoum.com
أصدرت عدد من الجماعات الترابية بإقليم تنغير قرارات جماعية تقضي بمنع السباحة في أودية دادس ومكون وتودغى والبرك المائية، والسدود التلية، والمسابح غير المرخصة، والصهاريج المعدة لأغراض زراعية، والأماكن الغير محروسة، وذلك حفاظا على السلامة العمومية بعد تسجيل مخاطر متزايدة تهدد رواد هذه المناطق الطبيعية.
القرارات التي حصلت جريدة “العمق” على نسخ منها، أشارت أن هذا المنع الذي يشمل النفوذ الترابي لجماعات بومالن دادس، أيت واسيف، أيت سدرات السهل الشرقية، ايت هاني، تودغى العليا، إكنيون، اميضر، ألنيف، إغيل نومكون، يأتي بناء على تقارير وملاحظات ميدانية تشير إلى خطورة التيارات المائية وتقلب منسوب المياه، خصوصا خلال المواسم الفلاحية أو في فترات هطول الأمطار.
وكشفت القرارات ذاتها الصادرة خلال الأيام الٱخيرة من شهر يونيو المنصرم وبداية يوليوز الجاري، أن تضاريس المنطقة ومجاري الأودية الوعرة، وانتشار الصخور والزلاقات الخطرة، تجعل من السباحة نشاطا محفوفا بالمخاطر لا يمكن التهاون فيه.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن السلطات المحلية، الدرك الملكي، والوقاية المدنية، عُهد إليها تنفيذ هذه القرارات بحزم، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من المخالفات وردعها وفقا للقوانين المعمول بها، مع نشرها عبر لوحات الإعلانات التابعة للجماعات، إضافة إلى تعميمها عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتستند هذه القرارات إلى القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، وبالخصوص المادة 100 التي تمنح رؤساء المجالس الجماعية صلاحيات اتخاذ تدابير الشرطة الإدارية في مجال الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية، إضافة إلى المرسوم الشريف رقم 1.59.315 المتعلق بالتنظيم الجماعي.
وتأتي هذه الإجراءات ضمن سلسلة من التدابير الوقائية التي تتخذها السلطات المحلية بإقليم تنغير، في إطار تعزيز السلامة العمومية والحفاظ على الأرواح في ظل الظروف الطبيعية المتقلبة التي تشهدها المنطقة.
وتعليقا على هذا الموضوع، اعتبر الأستاذ رشيد أغزاف، المحامي بهيئة مراكش وورزازات، أن هذه القرارات تستدعي وقفة تأمل عميقة، مؤكدا على "ضرورة التوفيق بين حفظ السلامة العامة من جهة، واحترام الحقوق الطبيعية والدستورية للمواطنين من جهة ثانية".
وأشار أغزاف، في تدوينة نشرها على حسابه بـ“فايسبوك”، أن مثل هذه القرارات التنظيمية ينبغي أن تراعي ما أسماه بـ"الملاءمة بين الحقوق الطبيعية للمواطنين من جهة، وبين الخدمات التي توفرها الجماعات لتقديم بديل لممارسة هذه الحقوق من جهة ثانية”، مبرزا أن "الجماعات مسؤولة أيضا عن ابتكار حلول لاستغلال المرافق المتوفرة كفرص لخلق التنمية".
وأضاف المحامي ذاته، أن “هذه القرارات الحديثة لمجموعة من الجماعات بإقليم تنغير، والقاضية بمنع السباحة بالوادي، تستند إلى مقتضيات المادة 100 من القانون التنظيمي 113.14، التي تنظم السلطة التنظيمية لرؤساء مجالس الجماعات”، لافتا إلى أن "هذا المعطى يطرح جملة من الملاحظات الجوهرية"، وفق قوله.
وأوضح في هذا الصدد، أنه “حقيقة لا يمكن لأحد أن ينازع في الحق الأساسي والطبيعي في الحياة، وما يتطلبه ذلك من اتخاذ التدابير الكفيلة بحفظ السلامة والصحة والأمن داخل دائرة نفوذ الجماعة”، لكنه في الآن ذاته تساءل حول مدى مراعاة القرار لحقوق التنقل والتنزه، وهي حقوق ذات أساس دستوري، كما تم التنصيص عليها في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية.
وأبرز أغزاف أن “من أهم الأسئلة التي يجب طرحها بخصوص هذه القرارات هو: هل قرار منع السباحة في الوادي سبقه خلق مسابح عمومية كافية لتلبية احتياجات الساكنة بكل فئاتها؟"، مسجلا أن "المنع لا يمكن أن يكون بديلا عن غياب البنيات التحتية الضرورية".
وتساءل المتحدث ذاته عن مدى تفكير الجماعات في أن الوادي يشكل فرصة تنموية، مع إمكانية استغلاله عبر تهيئة فضاءات سياحية تشكل نقط جذب للشباب والأطفال، مؤكدا على أن "مثل هذا التوجه يتيح في الوقت نفسه ضمان شروط الأمن والصحة والسلامة، دون التضحية بحقوق المواطنين".
وفي إطار مقترح بديل، دعا أغزاف إلى فتح المجال أمام المستثمرين لاستغلال هذه المناطق وفق رؤية تنموية، لافتا إلى أن "ذلك من شأنه خلق فرص شغل موسمية في المدى القصير، وتطويرها مستقبلا، مع الاستفادة من التجارب الناجحة في هذا الباب مثل منتجع أوريكة ومنابع أم الربيع، رغم أنهما يتواجدان على أودية تعد أخطر بكثير من الأودية المحلية موضوع القرار".
وختم المحامي نفسه تدوينته بدعوة صريحة إلى "استبدال قرارات المنع المذكورة بقرارات أكثر عقلانية تراعي المعطيات السوسيو-اقتصادية والحقوقية للمواطنين، مع ضرورة نظر المدبرين الترابيين بعين تنموية قبل أي اعتبار آخر".