الهجرة القروية والسياسات العمومية.. واقع معقد وتحديات لم تحسم بعد
klyoum.com
في نزيفٍ ديمغرافي صامت ومتواصل، تغادر أفواج من المغاربة أراضيها وقراها، حاملة معها أحلاما بالعيش الكريم وخيبة أمل من واقع لم يعد يحتمل. الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها لعام 2023 ترسم صورة قاتمة: 152 ألف شخص يقتلعون جذورهم سنويا من العالم القروي، متجهين نحو مدن تزداد اكتظاظا. هذا السيل البشري، الذي بلغ 760 ألفا بين عامي 2009 و2014، لم يعد مجرد إحصائية، بل أصبح سؤالا مؤرقا يتردد في صدى الرأي العام حول مدى قدرة السياسات العمومية على رأب الصدع المتسع بين المغرب الحضري والمغرب المنسي.
جذور الأزمة، كما يوضح الخبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، عبد العزيز الرماني، في حديثه لجريدة "العمق"، تضرب عميقا في تربة السياسات الفلاحية. ويرى الرماني أن "أكثر ما زاد من قسوة الوضع هو أننا لم نقم بإصلاح زراعي فاعل وناجع"، معتبرا أن غياب رؤية استراتيجية لدعم الفلاحة الصغيرة والمتوسطة يترك المزارعين في مواجهة مباشرة مع تقلبات الطبيعة، ويقضي على الغطاء النباتي الذي يعد شريان الحياة للماشية، مصدر الرزق الأساسي لآلاف الأسر.
ويضيف الرماني عقبة أخرى، إدارية هذه المرة، تزيد الطين بلة. فبعد صدور قوانين صارمة من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، أصبح الحصول على رخصة بناء أو اعتماد مخطط معماري في البوادي مسارا معقدا ومكلفا، مما يغلق الباب أمام السكان لتحسين ظروف سكنهم أو الاستقرار في قراهم، ويدفعهم قسرا نحو هوامش المدن.
هذه الهشاشة البنيوية، يزيد من تفاقمها شبح الجفاف الذي يخيم على البلاد لسنوات متوالية. وهنا، يشير المحلل الاقتصادي خالد اشيبان، في تصريحه للجريدة، إلى أن القطاع الفلاحي، الذي يُعتبر "محركا رئيسيا للاقتصاد الوطني" ومَشغَلا لأكثر من 40% من اليد العاملة، هو الضحية الأولى. ويقدم اشيبان رقما صادما يلخص حجم الكارثة: "سنة واحدة من الجفاف كفيلة بأن تفقدنا أكثر من 200 ألف منصب شغل في قطاع الفلاحة".
أمام هذه الخسائر الفادحة، تبدو الحلول الحكومية المقترحة باهتة وعاجزة عن احتواء الأزمة. ويؤكد اشيبان أن "ضعف البدائل لا يرقى إلى المستوى المطلوب"، فالبرامج الموجهة لإدماج العاطلين عن العمل في القطاع الفلاحي تفتقر للفعالية، في حين أن هذه الشريحة المتضررة، بغالبيتها، غير مؤهلة للانخراط في قطاعات اقتصادية أخرى، مما يضعها في حلقة مفرغة من البطالة والهشاشة.
وختم الخبير عبد العزيز الرماني حديثه بالقول: "إن إنقاذ البادية من مصيرها المحتوم يمر حتما عبر رؤية تشمل إصلاحات متعددة؛ هيكلية، بنيوية، خدماتية، وزراعية…".