"خادمات الموقف" في المغرب... لقمة عيش بطعم المرار
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
وفاة الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجةبعضهن يتعرض للتحرش أو عدم إعطائهن حقوقهن من دون مواد قانونية تحميهن
بعرق ممزوج بشيء من المهانة وغير قليل من المشقة والتعب، تجلس زكية، وهي سيدة مطلقة في عقدها الرابع وأم لثلاثة أطفال، القرفصاء في أحد أزقة مدينة سلا المحاذية للعاصمة المغربية الرباط، منتظرة زبوناً أو زبونة قد يطلب خدماتها للتنظيف أو التصبين.
زكية واحدة من آلاف "خادمات المنازل" اللاتي يشتغلن بطريقة موقتة وغير نظامية، يجلسن في مجموعات متفرقة داخل أماكن معينة بالأزقة والشوارع تسمى "الموقف"، ينتظرن زبناء يطلبون خدماتهن في أشغال البيت من تنظيف وطبخ وتصبين وأعمال أخرى.
وتكابد "نساء الموقف" أو "خادمات الموقف" معاناة مضاعفة تتمثل في عناء الحصول على "رغيف العيش" بالانتظار ساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو زمهرير البرد، ويواجهن التحرش الجنسي والمعاملة السيئة أحياناً، غير أن بعضهن من جهة أخرى تلاحقهن اتهامات بإثارة الفوضى وسرقة البيوت وممارسة "الدعارة المقنعة".
إهانات وتحرش
تسرد زكية "روتينها اليومي" ابتداء من الصباح بعدما تجهز أطفالها للذهاب إلى المدرسة العمومية، مروراً بتوجهها نحو "موقف خادمات المنازل"، وانتهاء بجلوسها ساعات طويلة في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي.
تقول زكية في هذا السياق "نجلس تقريباً نحن خمس أو ست نساء من مختلف الأعمار في ركن أحد الشوارع الرئيسة بالمدينة، ونتبادل أطراف الحديث تزجية للوقت في انتظار زبون أو سيارة قد تقف لتطلب من إحدانا خدمة التصبين أو تنظيف البيت".
وتوجز السيدة ذاتها المشكلات التي تعترضها في يومها كخادمة في "الموقف"، بالجلوس كل يوم ساعات طويلة قد تنتهي من دون أن تحصل على فرصة عمل واحدة، وهو ما يزيد في شظف العيش الذي تعانيه.
والمشكلة الثانية، تردف زكية أنه أحياناً لا يلتزم الزبون أو الزبونة بما جرى الاتفاق عليه من تعويض مادي على أداء الخدمة في المنزل، إذ يمنح الخادمة أقل مما اتفقا عليه، الشيء الذي يتسبب في مشاحنات تنتهي بخضوع الخادمة لأنها تعلم أنها الطرف الأضعف في القضية.
وأحياناً أخرى تكمل المتحدثة عينها، يكون "خرق الاتفاق" من جهة طبيعة الأعمال التي جرى الاتفاق عليها، فمثلاً يكون الاتفاق في الشارع على تنظيف الشقة فقط مقابل 100 درهم مثلاً (10 دولارات)، لكنها تفاجأ بأوامر الزبون بإضافة أعمال "شاقة" أخرى مثل التصبين أو رعاية الرضيع وغير ذلك، من دون أن يضاعف لها أجرتها الضئيلة.
وتلتقط خيط الحديث السعدية، شابة ثلاثينية، من سابقتها لتضيف مشكلة أخرى كثيراً ما تعترض عمل "خادمات الموقف" هي التحرش الجنسي من طرف الزبناء الرجال، إذ يقنعها الرجل في البداية بأنه متزوج وأن زوجته وأولاده يوجدون بالمنزل، لكنها تتفاجأ بأنه يوجد وحده في الشقة، ليحاول التحرش الجنسي بها في غفلة من أهل بيته، ولتنتهي مثل هذه القصص إما بخضوع الخادمة لنزوة الزبون، أو بالخصام والعراك.
تهم تلاحق خادمات الموقف
التعرض للإهانة وبخس الجهد والتحرش الجنسي وغيرها مشكلات تعترض طريق "خادمات الموقف" للظفر بلقمة عيش قاسية، لكن في المقابل تلاحقهن تهم أخرى تجعل صورتهن تبدو "غير مقبولة" من طرف كثر.
يقول أحد جيران موقف لنساء الموقف بمدينة سلا إن تلك العاملات الموقتات في البيوت يثرن فوضى عارمة، بديل الضجيج الذي يحدثنه، وأيضاً المشاحنات والمعارك الضارية التي يقمن بها كل يوم.
ويوضح الجار المشتكي بأن هناك من "نساء الموقف" من يأتين بالفعل للحاجة إلى الشغل والحصول على رغيف العيش، لكن منهن من تأتي فقط للتسمر وتزجية الوقت وإطلاق الكلام البذيء وإشعال المعارك اللفظية والبدنية فيما بينهن.
ويزكي هذه الانتقادات عبدالله مسيري، فاعل جمعوي محلي، بالقول إن هناك قصصاً واقعية عن خادمات الموقف يتخذن هذه المهنة فقط كقناع عن ممارسة الدعارة، إذ يبعن أجسادهن تحت غطاء "خادمات لموقف" بتواطؤ من الزبون صاحب المنزل.
وأكمل المتحدث ذاته استناداً إلى ما تصله من شكايات بأن هناك أيضاً اتهامات تطاول بعض "نساء الموقف" حول السرقة، إذ يستغلن فرصة الاشتغال في المنزل لسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه في غفلة من أعين أصحاب البيت.
وتابع المتكلم نفسه بأن هناك إشكالاً آخر أيضاً يتمثل في ما سماه إساءة "خادمات الموقف" لجمالية المدينة المغربية، إذ يسيء مشهد تجمع نساء يبدو من ملابسهن وملامحهن ضنك العيش، يجلسن الساعات الطويلة بأحاديثهن وضجيجهن، من أجل فرصة عمل قد لا تسمن ولا تغني من جوع".
إشكاليات قانونية
هذه الصورة المسيئة لجمالية المدينة، وفق كلام الناشط المحلي المذكور، لا يمكنها أن تلفت الأنظار عن حقيقة الوضع الاجتماعي والقانوني الذي يشمل "خادمات الموقف"، وهو ما يؤكده الباحث القانوني حميد الله زغنون.
ويستطرد زغنون بأن هؤلاء العاملات الموقتات اللاتي يقدمن خدمات مهمة للأسر والأفراد على السواء بأداء أعمال شاقة ومنهكة، لم ينلن حقهن من العناية والرعاية الاجتماعية، كما أن القانون لم يهتم بأمرهم بعد.
وذهب إلى أن القانون رقم 19.12 الذي يحدد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين في المغرب، والمطبق حالياً في البلاد، لا يشمل أبداً "خادمات الموقف"، ذلك أن المادة الأولى تشير صراحة إلى أن العاملة أو العامل المنزلي هو الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية، مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة سواء عند مشغل واحد أو أكثر.
ويتابع "لا يدخل ضمن هذا القانون المنظم لعمل الخادمات أو العاملات المنزليات، البوابون في البنايات المعدة للسكنى وحراس البيوت، فضلاً عن خادمات الموقف لأن القانون ينص على أنه يجري تشغيل العاملة أو العامل المنزلي بمقتضى عقد عمل محدد أو غير محدد المدة يعده المشغل، وهو ما لا ينطبق على خادمات الموقف اللائي يعملن فقط بصورة موقتة بتعويض يومي وليس بصورة دائمة.
هذه الإشكالية القانونية دفعت جمعيات حقوقية نسائية إلى المطالبة بسن قانون تنظيمي خاص بنساء وخادمات الموقف، وإحداث مركز قانوني للتشغيل بهدف حماية حقوق هذه الفئة من الخادمات والعاملات.
وفي السياق، وصل ملف خادمات الموقف إلى قبة البرلمان المغربي حيث ما فتئ نواب يطرحون على الحكومة أسئلة حول حماية "نساء الموقف"، اللاتي يشتغلن كخادمات عرضيات بالبيوت مقابل أجر زهيد، مع ما يتعرضن له من ابتزاز وتحرش وحط من الكرامة.