اخبار المغرب

العمق المغربي

أقتصاد

من الكاش إلى الكارد.. هل المغرب مستعد للتحول نحو مجتمع غير نقدي؟ (حوار)

من الكاش إلى الكارد.. هل المغرب مستعد للتحول نحو مجتمع غير نقدي؟ (حوار)

klyoum.com

أخر اخبار المغرب:

الرصاص يلعلع في فاس

يشهد المغرب تزايدا مستمرا في وتيرة التداول بالأوراق النقدية، ما جعله يشكل تحديا بارزا أمام السياسة النقدية. فرغم الجهود المبذولة في رقمنة المدفوعات وتعزيز الشمول المالي، لا تزال المعاملات النقدية تسجل مستويات مرتفعة، مع توقعات بمزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة.

وبلغ حجم التداول النقدي في المغرب بلغ خلال شهر أبريل 437,2 مليون درهم، أي حوالي 30% من الناتج الداخلي الخام، وهو من أعلى المعدلات عالميا، فيما شهد التداول النقدي ذروته في سنة 2023 بنسبة نمو 11%، قبل أن يتباطأ تدريجيا، ليستقر عند 8.4% في أبريل 2025، مع توقعات بزيادة قدرها 7.8% خلال 2026، نتيجة الاعتماد الكبير على السيولة.

الباحثة في الاقتصاد، سلوى الجابري، أوضحت أن هيمنة التعامل النقدي في المغرب تعود إلى عوامل بنيوية وسلوكية وتقنية، من أبرزها اتساع القطاع غير المهيكل، وضعف الثقة في النظام البنكي، وغياب البنية التحتية الرقمية في عدة مناطق، إضافة إلى كلفة الأداء الإلكتروني وتخوفات ضريبية لدى التجار، مشيرة أن استمرار الأمية وضعف الثقافة المالية وغياب الحوافز الرسمية يعمّق هذا الوضع، ويجعل النقد الخيار الأكثر سهولة لدى شرائح واسعة من المواطنين.

ولفتت الجابري، في حوار مع جريدة "العمق المغربي"، الجابري أن الاقتصاد غير المهيكل يساهم في ارتفاع التداول النقدي بسبب اعتماده الكلي على السيولة كوسيلة لتفادي الرقابة الضريبية، مؤكدة صعوبة قياسه بدقة، وأن الحلول المقترحة لدمجه في النظام المالي تشمل توسيع قاعدة الخدمات البنكية، تعزيز الشمول المالي، وتفعيل آليات المراقبة القانونية، لضمان بيئة اقتصادية أكثر شفافية واستقرارا.

كما أكدت الباحثة أن جهود بنك المغرب، رغم أهميتها، تظل غير كافية بمفردها للحد من التداول النقدي، داعية إلى سياسات مندمجة تشمل تسريع الشمول المالي، دعم الخدمات البنكية الرقمية، وتوفير حوافز ضريبية وتشريعية. واعتبرت أن التحول إلى مجتمع غير نقدي ممكن خلال العقد المقبل، مستشهدة بتجارب دول مثل كينيا، الأردن وتركيا كنماذج ناجحة في هذا المسار، مع نصيحة للمواطنين بالانخراط التدريجي والآمن في الاقتصاد الرقمي.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

ما هي أحدث الإحصائيات حول حجم التداول النقدي في المغرب مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وهل هناك تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة؟

حسب معطيات بنك المغرب فقد بلغ حجم التداول النقدي خلال شهر أبريل من هذه السنة 437,2 مليون درهم، ويشكل هذا الرقم حوالي 30٪ من الناتج الداخلي الخام ، ويعتبر هذا أحد أعلى المعدلات في العالم حيث أن متوسط التداول النقدي هو10٪.

عرف التداول النقدي ذروته خلال سنة 2023 بنسبة نمو وصلت11٪، ليعرف بعد ذلك تباطؤا تدريجيا حيث انخفضت النسبة إلى حوالي5,2% في أواخر 2023 وبداية 2024، قبل أن ترتفع مجددا إلى 8.4 % في أبريل 2025. ومن المتوقع أن يزيد الطلب على "الكاش" بنسبة 7.8% في 2026، ويعود ذلك إلى الاعتماد الكبير على السيولة النقدية.

 كيف تفسرون استمرار هيمنة التعامل النقدي في المغرب رغم انتشار البطاقات البنكية والدفع الإلكتروني؟

يمكن تفسير استمرار هيمنة التعامل النقدي في المغرب من خلال تداخل مجموعة من العوامل البنيوية والسلوكية والتقنية. فالقطاع غير المهيكل يشكل نسبة كبيرة من الاقتصاد الوطني، ويعتمد بشكل شبه كلي على المعاملات النقدية، سواء لتفادي التتبع الضريبي أو بسبب غياب التأطير القانوني والمالي. هذا الوضع يعزز الضغط على الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام البنكي، ويصعب من مهمة التحكم في السيولة.

إلى جانب ذلك، يواجه جزء كبير من المواطنين، خاصة في المناطق القروية أو من ذوي الدخل المحدود، صعوبات في تبني الوسائل البنكية الحديثة بسبب ضعف الثقة في النظام البنكي، والخوف من الاقتطاعات أو تعقيد الإجراءات التقنية، مما يدفعهم إلى تفضيل النقد كوسيلة أكثر وضوحا وبساطة. من جهة أخرى، يعارض عدد كبير من التجار والمهنيين اعتماد وسائل الأداء الإلكتروني، إما بسبب الكلفة المترتبة عن كل معاملة بنكية، والتي قد تصل إلى 2 أو 3 في المئة، أو بسبب التخوف من الرقابة الجبائية التي تفرضها رقمنة المداخيل.

يضاف إلى ذلك نقص البنية التحتية الرقمية، خاصة في المناطق النائية، حيث تظل التغطية بشبكة الانترنيت ضعيفة أو غير مستقرة، كما أن غياب أجهزة الدفع الإلكتروني في الأسواق الشعبية والمراكز التجارية التقليدية يجعل استخدام البطاقات البنكية صعبا أو مستحيلا في كثير من الحالات. ورغم تسجيل تطور في نسب الاستبناك، فإن الاستعمال الفعلي للخدمات البنكية لا يزال محدودا، حيث تعيق الأمية وضعف الثقافة المالية والاعتبارات الثقافية والدينية معيقات حقيقية أمام التداول اللانقدي.

من العوامل الأخرى التي تكرّس هذا الوضع غياب حوافز حقيقية لمواكبة سياسة الشمول المالي. فالدولة لم توفر امتيازات ضريبية أو وسائل تحفيزية لتشجيع الأفراد والتجار على التخلي عن النقد لفائدة وسائل الأداء الرقمية، ما يجعل "الكاش" الخيار الأسهل والأقل تكلفة في غياب بدائل فعالة. كذلك ، يظل النقد مفضلا لدى العديد من الفئات لأنه يضمن السرية، ولا يترك أثرا للمعاملات، وهو ما يهم شريحة من الناس لأسباب ثقافية أو شخصية. كما أن بعض المواطنين لا يتوفرون أساسا على حسابات بنكية أو بطاقات، ما يجعلهم خارج دائرة التعامل الرقمي.

في المجمل، يمكن القول إن التعامل النقدي يظل مترسخا في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي نتيجة لمزيج من المعوقات التقنية والمؤسساتية والثقافية، وهو ما يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين التوعية، وتعزيز الشمول المالي لتيسير الانتقال نحو اقتصاد أقل اعتمادا على النقد.

ما دور الاقتصاد غير المهيكل في تفاقم هذه الظاهرة؟ وما الحلول لدمجه في النظام المالي الرسمي؟

يمكن تفسير ارتفاع التداول النقدي في المغرب، جزئيا بانتشار الاقتصاد غير المهيكل، حيث تجرى معظم المعاملات نقدا، مما يُعزز ظاهرة الاكتناز. وبحكم أن هذا النوع من الأنشطة يصعب مراقبته ، فإن اللجوء إلى النقد يعد وسيلة لتفادي الرقابة الضريبية، ما يعكس أحد أبرز دوافع التهرب من الضرائب في هذا القطاع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدراسات القليلة حول دور الاقتصاد الغير مهيكل في ارتفاع استعمال النقد لم تكن نتائجها حاسمة وذلك لصعوبة تعريف هذا الاقتصاد وكذلك قياسه، وحيث أنه عادة ما يفترض في هذه الدراسات أن الاقتصاد الغير مهيكل مرتبط بمتغيرات مثل العمل الحر والبطالة ومعدلات الضرائب وحصة الضرائب في الناتج الداخلي الخام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التهديد الحقيقي لا يكمن فقط في الاقتصاد غير المهيكل المعيشي، بل في الأشكال الأخرى من الأنشطة غير الرسمية، مثل التهريب، والممارسات غير القانونية لبعض الشركات "الرسمية" التي تمتنع عن التصريح الكامل برقم معاملاتها أو بعدد موظفيها، إضافة إلى ما يُعرف بـ"الاقتصاد غير الرسمي التنافسي"، حيث يتعمد بعض الفاعلين، رغم امتلاكهم الموارد اللازمة، التهرب من التزاماتهم القانونية والجبائية.

أما عن إدماج هذا الاقتصاد في المنظومة المالية الرسمية، فيمر أساسا عبر تعزيز الوعي بأهمية الانخراط في الاقتصاد المهيكل، لما يتيحه من فرص تمويل واستثمار وخدمات مصرفية موجهة للأفراد والمقاولات النشيطة في القطاع الغير منظم. كما يُسهم توسيع قاعدة الخدمات البنكية في تعزيز الشمول المالي، وتقوية الاستقرار الاقتصادي، من خلال تقليص المخاطر المرتبطة بعدم انتظام أنشطة القطاع غير المهيكل، وهي اختلالات برزت بوضوح خلال أزمة كوفيد-19، التي كشفت هشاشة هذا القطاع في مواجهة الصدمات غير المتوقعة.

ويعد تعزيز آليات المراقبة، وتفعيل القوانين ضد المتهربين من التزاماتهم، من الخطوات الحاسمة للحد من هذا النوع من الأنشطة غير المصرّح بها، وضمان بيئة اقتصادية أكثر شفافية وإنصافا.

هل ترون أن سياسات بنك المغرب كافية للحد من التداول النقدي المفرط؟ وما الإجراءات المقترحة لتسريع التحول؟

رغم أهمية الجهود التي يبذلها بنك المغرب للحد من التداول النقدي المفرط، فإن تفاقم عجز السيولة يثير تساؤلات جدية حول مدى نجاعة السياسات المعتمدة، سواء تعلق الأمر ببرامج رقمنة المدفوعات، أو الحوافز الضريبية المصاحبة لها، أو الإجراءات الرامية إلى تعزيز التثقيف المالي والرفع من نسبة الاستبناك. فرغم الطابع الإيجابي لهذه التدابير، فإنها تظل غير كافية، وتحتاج إلى أن تُستكمل بسياسات عمومية مندمجة، تأخذ بعين الاعتبار الطابع الهيكلي للمشكل، وتُشرك مختلف الفاعلين من أجل تحقيق تحول فعلي نحو اقتصاد أقل اعتمادا على النقد.

تتمثل الإجراءات المقترحة لتسريع التحول الرقمي أساسا في تسريع الشمول المالي، باعتباره أحد الحلول الأساسية لمواجهة تنامي الاعتماد على التعاملات النقدية. ويعد تشجيع استخدام الخدمات البنكية، وتوسيع نطاق الأداء عبر الهاتف المحمول، من الخطوات الضرورية في هذا الاتجاه. كما تبرز ضرورة اتخاذ تدابير فعالة لتحفيز القطاع غير المهيكل على الاندماج في المنظومة المالية الرسمية، وتسريع وتيرة الاستبناك خاصة في صفوف المهنيين. ويمكن في هذا الصدد اعتماد مجموعة من الآليات، من بينها تخفيض التكاليف المفروضة على التجار لتشجيعهم على اعتماد الوسائل الرقمية، وتحسين شفافية المعاملات، وتعزيز الحكامة الضريبية. كما يعد تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز مستوى الأمان الالكتروني، من الركائز الضرورية لضمان سلامة المعاملات وحماية المعطيات المالية. إلى جانب ذلك، يجب توفير حوافز ضريبية للشركات التي تعتمد على الوسائل الرقمية في تعاملاتها، مع تقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحسين خدمات الأداء الإلكتروني وتوسيع انتشارها. ولا يمكن إنجاح هذا التحول دون إشراك الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود، عبر توفير برامج دعم وتمويل ملائمة تضمن إدماجهم في المنظومة المالية. كما أن تعزيزالثقة في القطاع البنكي عن طريق التوعية والتثقيف المالي، والعمل على إدماج الشباب والنساء في سوق الشغل، سيساهم بدوره في توسيع قاعدة الإدماج المالي، وبالتالي الحد من التداول المفرط للنقد.

متى يتوقع أن يشهد المغرب تحولا جذريا نحو "المجتمع اللانقدي"؟ وما النماذج الدولية التي يمكن الاقتداء بها؟

التحول نحو "المجتمع اللانقدي " (Cashless Society) في المغرب هو مسار بدأ فعلا في السنوات الأخيرة، لكنه لا يزال في مراحل مبكرة مقارنة ببعض الدول الأخرى. لا يوجد تاريخ محدد يمكن الجزم به لتحقق هذا التحول بالكامل، ولكن التوقعات تشير إلى أن المغرب قد يشهد تقدما ملحوظا في هذا الاتجاه خلال السنوات العشر القادمة اذا ماتمت أجرأة السياسات الكفيلة بتسريع الشمول المالي وورش الرقمنة خاصة والبلاد مقبلة على استضافة كأس العالم بحلول عام 2030.

بالنسبة للنماذج التي يمكن الاقتداء بها والتي يمكن المقارنة معها، يمكن للمغرب أن يحذو حذو كينيا الرائدة في إفريقيا، حيث تشكل منصة الدفع عبر الهاتف المحمولM-Pesa نموذجا ناجحا لإدماج فئات واسعة من المواطنين في المنظومة المالية بما في ذلك سكان المناطق القروية . فقد مكنت هذه المنصة الملايين من الكينيين من إجراء معاملات مالية بسهولة وأمان دون الحاجة إلى حساب بنكي، مما ساهم في توسيع الشمول المالي وتقليص الاعتماد على النقد. ويظهر هذا النموذج كيف أن اعتماد أنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول لا يتيح فقط معاملات أرخص وأكثر أمانا، بل يبسط أيضا عمليات شراء السلع والخدمات، مما يفتح آفاقا جديدة أمام الشركات الصغرى للوصول إلى شرائح أوسع من العملاء، ويساهم في تحفيز النمو الاقتصادي بشكل شامل ومستدام.

كما تعد تجربة الأردن في مجال التحول الرقمي والشمول المالي من النماذج المتميزة ، إذ نجحت في بناء إطار تنظيمي وتشريعي مرن لتطوير خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول، من خلال إطلاق منصةJoMoPay التي تتيح خدمات مالية متنوعة للفئات غير المتعاملة مع البنوك، خاصة في المناطق النائية. كما تم تطوير منصة وطنية موحدة للأداء الإلكتروني "إي- فواتيركم"، مما يساهم في تعزيز ثقة المواطنين والشركات في الأنظمة الرقمية.

ويعد النموذج التركي من أبرز النماذج التي نجحت في تقليص الاعتماد على النقد بشكل سريع وفعال، رغم وجود قطاع غير مهيكل واسع . فقد اعتمدت تركيا على تعزيز الشمول المالي عبر تسهيل فتح الحسابات البنكية وتشجيع استخدام البطاقات البنكية والهواتف الذكية في المعاملات اليومية، حتى بين التجار الصغار. كما لعبت التطبيقات البنكية والمالية دورا مهما في تبسيط المعاملات، مما زاد من إقبال فئة الشباب على الأنظمة الرقمية. إلى جانب ذلك، كانت الحكومة التركية سباقة في رقمنة الخدمات الإدارية، بما في ذلك الأداءات الضريبية والفواتير والغرامات، مما جعل المواطن يعتاد التعامل إلكترونيا في شؤونه اليومية.

النموذج التركي يبرز أهمية التكامل بين السياسات العمومية، والابتكار المالي، والثقة المجتمعية في الدفع الإلكتروني. بالنسبة للمغرب، يمكن الاستفادة من هذا المسار عبر دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية (Fintech)، وتوفير خدمات رقمية سريعة وآمنة، مع حملات تثقيفية تستهدف الفئات الأكثر اعتمادا على النقد.

ما نصيحتكم للمواطن العادي لتسهيل انخراطه الآمن في الاقتصاد الرقمي؟

للانخراط الآمن في الاقتصاد الرقمي، ينصح المواطن العادي بفتح حساب بنكي أو استخدام محفظة إلكترونية معتمدة، مع الحرص على حماية معلوماته الشخصية وعدم مشاركة الرموز السرية. من المهم البدء تدريجيا باستخدام وسائل الدفع الإلكتروني في الحياة اليومية، مثل دفع الفواتير أو تعبئة الهاتف، مع مراقبة العمليات المالية بانتظام، تدريجيا ومع استشعار الفوائد التي توفرها الخدمات الإلكترونية سيتحفز أكثر لاستعمالها. كما ينصح بالتعلم التدريجي والمستمر وطلب المساعدة عند الحاجة، مما يعزز الثقة ويسهم في الاستفادة الكاملة من مزايا الاقتصاد الرقمي بشكل آمن ومسؤول.

*المصدر: العمق المغربي | al3omk.com
اخبار المغرب على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com