اخبار المغرب

العمق المغربي

سياسة

التمويل والحكامة يختبران قدرة نظام الحماية الاجتماعية على تجاوز أعطاب الماضي

التمويل والحكامة يختبران قدرة نظام الحماية الاجتماعية على تجاوز أعطاب الماضي

klyoum.com

عاد ورش الحماية الاجتماعية ليتصدر النقاش العمومي بالمغرب، ليس فقط كإصلاح تقني شامل، بل كمشروع استراتيجي يختبر قدرة الدولة على إعادة تعريف علاقتها بالمواطن، وضمان كرامته وعدالته الاجتماعية.

في هذا السياق، نظم الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، بشراكة مع المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، يوما دراسيا بمجلس النواب،  الجمعة، تحت عنوان "ورش الحماية الاجتماعية بين الإكراهات والتحديات".

مسؤولية مركزية للدولة

وفي هذا الصدد، اعتبر عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، أن ورش الحماية الاجتماعية يمثل رهانا وطنيا استراتيجيا يتجاوز المقاربة التقنية، ويتطلب رؤية سياسية تنسجم مع التعاقد الديمقراطي بين الدولة والمواطن.

وذكر شهيد أن المشروع انطلق بتوجيهات ملكية منذ خطاب العرش لسنة 2018، ويهدف إلى بناء نموذج للدولة الاجتماعية يضمن كرامة المواطن وحقوقه الأساسية.

وأشار إلى أن الحماية الاجتماعية، وفق التصور الاشتراكي الديمقراطي، ليست مبادرة ظرفية أو إحسانية، بل مسؤولية مركزية للدولة، مبرزاً أن طريقة تنزيل مضامين القانون الإطار رقم 21.09 تطرح إشكالات تتعلق بغياب الشمولية وضعف الالتقائية واستمرار أعطاب الماضي.

وأكد أن ما تحقق حتى الآن لا يعكس حجم المشروع ولا يلبي تطلعات المواطنين، خاصة في ما يتعلق بتعميم التأمين الصحي والتعويضات العائلية ومعاشات التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل، معتبرا أن غياب تصور مستدام للتمويل، وضعف حكامة المنظومة الاجتماعية، وعدم تفعيل سياسة استهداف دقيقة، عوامل تهدد مسار المشروع، داعياً إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العمومي لصالح الخدمات الاجتماعية، وإشراك الجماعات الترابية في التنزيل العملي.

وأبرز المشاركون أن القانون الإطار رقم 09.21 يشكل إطاراً مرجعياً لورش الحماية الاجتماعية، من خلال تعميم التأمين الإجباري عن المرض وتوسيع نطاق التعويضات والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل، ومع ذلك، فإن التجربة الممتدة لأكثر من أربع سنوات كشفت عن فجوة بين الأهداف المعلنة وصعوبات التنفيذ، وفق تعبيرهم.

ووفق المعطيات المقدمة، فإن عدد المستفيدين بلغ أكثر من 22 مليون شخص، غير أن ضعف المنظومة الصحية العمومية، وندرة الموارد البشرية، ومحدودية التجهيزات، شكلت عوائق أمام ضمان الولوج العادل للخدمات الاجتماعية، كما أشير إلى تفاوتات مجالية واجتماعية تعيق استفادة الفئات الأكثر هشاشة، في ظل إكراهات مالية تؤثر على الاستمرارية.

إقرأ أيضا: لقجع: 3.7 ملايين أجير مستقل استفادوا من التغطية الصحية والدعم الاجتماعي يكلف 30 مليار

وتم التأكيد على أن التمويل يظل التحدي الأبرز، حيث يعتمد المشروع بشكل أساسي على الميزانية العامة، مما يفرض التفكير في حلول مبتكرة لضمان ديمومته، وتحقيق أهدافه من دون إضعاف التوازنات المالية للدولة.

رؤية موحدة وتكامل في الأدوار

من جانبه، أشار الحبيب كمال، رئيس المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، إلى أن الورش يواجه تحديات متداخلة، تتطلب توحيد الرؤية وتنسيق الجهود بين الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني، معتبرا أن تعدد المقاربات بشأن سبل الولوج إلى الحماية الاجتماعية الشاملة يقتضي فتح نقاش موسع، يأخذ في الاعتبار العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

وسجل كمال أن الإكراهات لا تنحصر في الجانب المالي، بل تشمل أيضاً ضعف الحكامة وصعوبة إدماج فئات كالأطفال والمهاجرين في النظام، منبها إلى أن التحولات الديمغرافية والاجتماعية تفرض تبني نموذج أكثر شمولية، يتناسب مع التغيرات الجارية داخل المجتمع المغربي.

وأكد ضرورة اعتبار المشروع مسؤولية جماعية، تقتضي تظافر الجهود المؤسساتية والمجتمعية، باعتباره مدخلا أساسيا لضمان الحق في الكرامة والحماية.

موقع متقدم في إفريقيا

من جانبها، أبرزت وفاء جمالي، المديرة العامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، أن المغرب أحرز تقدماً ملموساً في إرساء نظام للدعم الاجتماعي المباشر، يحتل من خلاله المرتبة الثانية إفريقيا من حيث نسبة الدعم من الناتج الداخلي الخام، والتي بلغت 2%.

وأشارت إلى أن المشروع حظي باعتمادات مالية قدرت بـ25 مليار درهم سنة 2024، يستفيد منها شهرياً حوالي 4 ملايين أسرة، تضم 12 مليون مستفيد، بينهم أكثر من مليون مسن، و400 ألف أرملة.

ورغم أهمية الأرقام، شددت جمالي على أن الأثر الاجتماعي لا يتحقق إلا من خلال تدبير ترابي فعّال، ومواكبة ميدانية للأسر، وكشفت أن الوكالة بصدد إطلاق تجربة نموذجية على المستوى المحلي، بشراكة مع وزارة الداخلية، لتمكين الأسر من الدعم والمرافقة.

كما حددت ثلاثة رهانات أساسية لإنجاح المشروع: أولها، توسيع حضور الدعم الاجتماعي على المستوى الترابي؛ وثانيها، تعزيز الأثر الاجتماعي عبر دعم الصحة والتعليم والتغذية؛ وثالثها، المواكبة الاقتصادية للأسر، من خلال إدماج المعطلين في سوق الشغل وتسهيل ولوج النساء إلى مصادر دخل.

دعم مباشر وأثر غير كافٍ

في عرضها، أشارت جمالي إلى أن التحول في آليات الدعم لا يُقاس فقط بارتفاع نسب التغطية، بل بقدرته على تحسين الواقع المعيشي للأسر المستفيدة.

واستعرضت حالة أسرة يعيلها أب متعافٍ من شلل نصفي، تحصل على دعم شهري قدره 636 درهماً، ما يشكل جزءاً مهماً من دخلها، لكنه يظل غير كافٍ لإحداث تحول حقيقي في وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية.

وأكدت أن هذا المثال يُظهر الحاجة إلى سياسات تكاملية تُواكب الدعم المالي بإجراءات تمكينية، تشمل التعليم، النقل، والصحة، إلى جانب مشاريع مدرة للدخل تستهدف النساء والشباب.

الحكامة والتنسيق في صلب الانشغال

وأشار المتدخلون مسألة الحكامة وتعدد المتدخلين، وما يرتبط بها من صعوبات في التنسيق الفعلي بين الإدارات والمؤسسات، موضخين أن هيمنة المقاربة التقنية، وغياب منظور سياسي يربط المشروع برؤية العدالة الاجتماعية، يؤدي إلى تكرار التجارب السابقة من دون تجاوز اختلالاتها البنيوية.

وشدد بعض المتدخلين على أهمية السجل الاجتماعي الموحد، ليس فقط كأداة لتدقيق الاستهداف، بل كأساس لبناء قاعدة بيانات تسمح بتوجيه السياسات العمومية ورصد آثارها، وهو ما يستدعي تقوية القدرات البشرية والتقنية للفاعلين على المستويين المركزي والمحلي.

البعد الترابي في التنفيذ

أشار عدد من المتدخلين إلى ضرورة تجاوز المركزية في تدبير الحماية الاجتماعية، عبر تعزيز دور الجماعات الترابية، ومنحها الوسائل القانونية والمؤسساتية للقيام بدورها كشريك في التنفيذ والمراقبة، وتم التأكيد على أن القرب من المواطن هو ما يضمن فعالية الدعم، ويتيح الاستجابة الفورية لتغيرات الواقع الاجتماعي.

كما طُرحت الحاجة إلى تطوير آليات المواكبة للأسر المستفيدة، خاصة في حالات الهشاشة القصوى، من خلال شراكات مع المجتمع المدني ومؤسسات الرعاية، لتجاوز المقاربة المحاسباتية الضيقة والانفتاح على تصور شامل للعدالة الاجتماعية.

*المصدر: العمق المغربي | al3omk.com
اخبار المغرب على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com