شواطئ المغرب تخلق فرصا جديدة.. ركوب الأمواج ينعش قرى المغرب الساحلية
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
إحباط محاولة تهريب 4 أطنان ونصف من الشيرا بطنجة كانت متجهة لأوروباشهد المغرب خلال العقدين الأخيرين تحوّلاً لافتاً في مكانته كوجهة مفضلة لعشاق ركوب الأمواج من مختلف أنحاء العالم، مستفيداً من موقعه الجغرافي وسواحله الممتدة على المحيط الأطلسي. غير أن هذا النشاط لم يعد محصوراً في بعده الرياضي، بل بات يشكل دعامة سياحية وتنموية متعددة الأبعاد، تمهد لبروز نموذج سياحي بديل يقوم على الرياضة والاستدامة والانخراط المحلي.
فقد ساهمت مناطق مثل أكادير، تغازوت، تامراغت، إمسوان، وسيدي كاوكي، في ترسيخ هذا التحول، من خلال استقطاب أعداد متزايدة من الزوار الباحثين عن تجربة متكاملة تمزج بين الرياضة والطبيعة والثقافة. ولم يكن الأمر محصوراً في جودة الأمواج فقط، بل شمل أيضاً مناخاً معتدلاً، أسعاراً في المتناول، ونمط حياة بسيط، ما جعل من ركوب الأمواج نشاطاً جذاباً على مدار السنة، خاصة خارج موسم الذروة.
هذا النشاط الرياضي تجاوز البعد الترفيهي، ليصبح رافعة اقتصادية حقيقية لمناطق ظلت لعقود مهمشة. فقد أدى انتشار مدارس ركوب الأمواج ومراكز التدريب إلى خلق فرص عمل في قطاعات متعددة، من الإيواء إلى النقل، مروراً بالإطعام والصناعة التقليدية. كما ساهم في تحفيز الشباب على إطلاق مشاريع صغرى مثل تصنيع ألواح التزلج، فتح مطاعم ونُزل سياحية، وتقديم خدمات مرافقة موجهة للزوار الرياضيين.
وفي هذا السياق، تلعب الأندية الرياضية المحلية دوراً محورياً في ربط الشباب بالدينامية السياحية. ويؤكد عبد الصمد إغريس، رئيس نادي الجيل الجديد للرياضات البحرية بأكادير، أن الأندية تُمثل حلقة وصل مهمة بين السكان والمجال السياحي، عبر فتح آفاق التكوين والتشغيل في مجالات السياحة البحرية. كما يتم إشراك الساكنة في الفعاليات، ما يعزز الإحساس بالانتماء ويخلق حركية اقتصادية واجتماعية محلية.
ويرى إغريس أن ركوب الأمواج يمثل قطاعاً واعداً ومتكاملاً، حيث يتطلب خبرات متعددة في التدريب، التوجيه السياحي، والصيانة التقنية. ويلعب الدعم الذي تقدمه الجامعة الملكية لركوب الموج دوراً أساسياً في إدماج الشباب في هذا المسار، خاصة من خلال مواكبة مشاريع المقاولات الرياضية والسياحية.
على مستوى التخطيط، أخذت الاستراتيجية السياحية الوطنية بعين الاعتبار الإمكانيات التي يتيحها هذا النشاط. فتم إدماجه في مشاريع كبرى مثل "تغازوت باي" و"مخطط أزور"، الهادفة إلى تهيئة الشواطئ وتعزيز البنيات التحتية الخاصة بالرياضات البحرية والترفيه. وهو ما يعكس وعياً رسمياً بأهمية تنويع العرض السياحي المغربي، وفتح المجال لفئات جديدة من الزوار المهتمين بالسياحة البيئية والثقافية.
لكن هذا النمو المطّرد لا يخلو من تحديات. فمن جهة، يعاني الفاعلون المحليون من ضعف الدعم المؤسسي وصعوبة الولوج إلى تجهيزات مناسبة، إضافة إلى غياب رؤية متكاملة لربط الرياضة بالسياحة. ومن جهة أخرى، تواجه السواحل ضغوطاً بيئية متزايدة بسبب التوسع العمراني، النفايات الناتجة عن النشاط السياحي، وتدهور النظم الإيكولوجية. كما أن تسارع الاستثمار العقاري أدى إلى ارتفاع كلفة المعيشة، وتفاقم الإقصاء الاجتماعي في بعض المناطق.
ولذلك، فإن تحويل ركوب الأمواج إلى رافعة تنموية مستدامة يقتضي وضع آليات تنظيم ومراقبة، والالتزام بمقاربة بيئية صارمة توازن بين التنمية والحفاظ على البيئة. كما أن الاستثمار في هذه الرياضة لا يجب أن يكون رهانا ظرفيا، بل توجها استراتيجيا يدمج المجتمعات المحلية في دورة الإنتاج السياحي، ويمكنها من الابتكار والمشاركة الفعلية في النمو.
الرهان المستقبلي يتطلب كذلك تطوير التكوين المهني وخلق مؤسسات تعليمية مختصة في ركوب الأمواج، بهدف صقل الكفاءات وضمان جودة الخدمات. كما ينبغي تشجيع المشاريع السياحية الصديقة للبيئة، وضمان تصنيف الشواطئ النظيفة، وتدبير النفايات بطريقة فعالة.
في نهاية المطاف، يمتلك المغرب كل المقومات الطبيعية والبشرية لتحويل ركوب الأمواج إلى محرك حقيقي لتنمية ساحلية شاملة. لكن بلوغ هذا الهدف يتطلب إرادة سياسية واضحة، ورؤية مندمجة تشمل الأبعاد الاجتماعية والبيئية والثقافية، وتشرك الفاعلين المحليين كركائز لأي مشروع تنموي. فرياضة ركوب الأمواج في المغرب ليست مجرد رحلة فوق الماء، بل فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمحيط، بين الرياضة والتنمية، وبين الجاذبية السياحية والاستدامة.