زحمة مشاورات بلا طائل: ليبيا رهينة أزمة «المركزي»
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
رئيس الأوراق المالية الأمريكية : قطاع العملات المشفرة تعرضت للقمعطرابلس | فشلت، حتى الآن، محاولات التوافق بشأن آلية حلّ أزمة قيادة «المصرف المركزي» الليبي، رغم محاولات البعثة الأممية إلى ليبيا إحداث اختراق جوهري في الأزمة، وذلك خلال الاجتماعات التي عقدت يومَي الأربعاء والخميس الماضيين، بين ممثّلي «المجلس الرئاسي» و«المجلس الأعلى للدولة» في طرابلس، بالإضافة إلى مجلس النواب في بنغازي، والتي كان يفترض عقدها الإثنين الماضي، قبل أن يتمّ تأجيلها إفساحاً في المجال أمام مزيد من المشاورات. وفيما تواصلت المشاورات، حتى مساء أمس، قالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، في بيان، إن الفصائل المتنافسة «لم تتوصل بعد إلى اتفاق نهائي»، فيما لم يُشِر بيان البعثة إلى حضور وفد «المجلس الرئاسي» في اليوم الثاني من المحادثات.في هذا الوقت، اختتمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، روزماري ديكارلو، زيارة لليبيا استمرّت 3 أيام، والتقت خلالها الأطراف السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى ممثلي «المجتمع المدني» في كل من طرابلس وبنغازي. وقالت ديكارلو، في ختام الزيارة، إن إجراء انتخابات هو «السبيل الأوحد» الكفيل بإنهاء الانسداد السياسي ووضع حدّ لدوّامة الترتيبات الانتقالية. وأكدت، وفقاً لبيان البعثة الأممية الذي صدر مساء الأربعاء، في جميع لقاءاتها، «التزام الأمم المتحدة بالوقوف مع الشعب الليبي في جهوده الرامية إلى تخطّي سنوات شابها النزاع، والتوجّه صوب تحقيق سلام مستدام». وأضافت أنه رغم «التقدم على الصعيد الاقتصادي» منذ آخر مرة زارت فيها ليبيا عام 2021، إلا أن البلاد أصبحت «أكثر انقساماً الآن». وخلال لقائها رئيس حكومة «الوحدة»، عبد الحميد الدبيبة، والطاهر الباعور، القائم بأعمال وزارة خارجيته، تطرقت ديكارلو إلى «بواعث القلق» بسبب «التدهور المتسارع» للوضع السياسي والأمني، فيما شدّدت خلال لقائها رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، ونائبيه عبد الله اللافي وموسى الكوني، على ضرورة حلّ الأزمة المتعلّقة بالمصرف، والنهوض بعملية مصالحة وطنية قائمة على إحقاق الحقوق. أما في مدينة بنغازي، فالتقت ديكارلو اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، وأكدت أهمية توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا.
وهكذا، ورغم التحركات الدولية من أجل المساعدة في التوصل إلى حلّ للأزمة التي تعيق المعاملات الرسمية الليبية منذ الأسبوع الماضي، وخصوصاً من جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، إلا أن الأطراف الثلاثة الفاعلة لم تستطع التوصل إلى اتفاق يعيد انتظام المعاملات المالية، في وقت تراجع فيه ظهور الدول العربية المعنية بالملف الليبي، ترقباً لما ستسفر عنه الضغوط الأجنبية. على أن التدخل الغربي من أجل تسوية الخلاف، يأتي بعدما أوقف مجلس النواب الليبي تصدير النفط احتجاجاً على القرار الذي دخل حيّز التنفيذ، ودفع محافظ المصرف المقال إلى الفرار من البلاد إلى وجهة غير معلومة، برفقة مجموعة من كبار الموظفين، ما عطّل انتظام المعاملات والتحويلات.
وفيما كان المجلسان التشريعيان في ليبيا، قد اتفقا، هذا الشهر، على أن يشتركا في تعيين محافظ لـ«مصرف ليبيا»، في محاولة لنزع فتيل المعركة التي اندلعت إثر إصدار المنفي، قراراً بإقالة محافظ المصرف، الصديق الكبير، وتكليف عبد الفتاح عبد الغفار بتسيير مهام المنصب - في خطوة وصفت بأنها تأتي استجابة من المنفي لطلبات «حكومة الوحدة» بقيادة الدبيبة التي تسيطر على طرابلس -، رحّبت البعثة بما سمّته «تقدماً» بين الهيئتين «حول المبادئ والجدول الزمني الذي سيحكم الفترة الانتقالية السابقة على تعيين محافظ ومجلس إدارة جديدين للبنك المركزي». يأتي هذا علماً أنه بموجب الاتفاقيات السياسية المنظّمة للوضع الحالي في ليبيا، فإن المنصب المذكور يُعَدّ من المناصب المحصّنة التي تستوجب إقالة أصحابها أو اختيار غيرهم، التوافق بين مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة».
ورغم الاتفاق المبدئي على توحيد الجهاز المصرفي الليبي، والذي يُعدّ من إنجازات المحافظ المقال، إلا أن الخلاف الحالي يتمحور حول آليات النفقات في الأسابيع الماضية، في ظلّ وجود مشاريع ضخمة ومخصّصات مالية جرى تحويلها إلى حكومة بنغازي، وبينها ما يدفع لمصر ودول أخرى، وهو ما عقّد الأزمة الداخلية ودفع المنفي إلى إقالة المحافظ. ويبرز من بين التصورات المقترحة لحل الخلاف، ضمان حصول حكومة بنغازي على المخصصات المالية من دون مضايقات في الفترة المقبلة، وخصوصاً تلك اللازمة للمشاريع الإنشائية التي يجري الترويج لتنفيذها في درنة في إطار إعادة بناء المدينة التي دمّرها الإعصار العام الماضي، أو مخصصات باقي المناطق التي لا تخضع لسيطرة حكومة الدبيبة، على أن يجري اختيار محافظ جديد للمصرف في غضون 60 يوماً على الأكثر، وبالتوافق بين الجهات الثلاث. ورغم عدم حماسة مجلس النواب لهذه التصورات، في الوقت الحالي، لعدم وجود الشخص الذي يمكن أن يحظى بثقته حتى الآن، يجري محافظ المصرف المقال اتصالات ليعود إلى موقعه، مع وعود قدّمها بطيّ صفحة الخلافات وعدم التحيّز إلى أيّ طرف، وهو الأمر الذي قد يلقى قبولاً في الفترة المقبلة.
في خضمّ ذلك، كان المحافظ المكلف بإدارة المصرف، عبد الفتاح عبد الغفار، يحاول التعامل بصلاحياته كاملة، والبدء في مباشرة العمل مع حكومة الدبيبة، فيما لم يفتح بشكل رسمي قنوات تواصل مع حكومة أسامة حماد، المكلّفة من البرلمان والتي لا تحظى باعتراف دولي وتتمركز في بنغازي. في هذا الوقت، يُخشى من أن يؤدي تأخر تدفق الأموال إلى بنغازي وعرقلة الجوانب المصرفية إلى إحداث حالة من الشلل في البلاد، فيما سُجّلت تظاهرات عدة في الأيام الماضية احتجاجاً على الأوضاع المتردّية، لم تقتصر على تلك التي شهدتها طرابلس، بل امتدّت حتى إلى مناطق تسيطر عليها حكومة حماد.
على خط موازٍ، أعلن، بشكل غير رسمي، أن «المجلس الرئاسي»، بوصفه القائد الأعلى للجيش، أصدر عفواً عن جميع الضباط والعسكريين الذين هربوا في الفترة الماضية، شريطة عودتهم إلى الالتحاق بأقرب وحدة عسكرية خلال شهر، في خطوة بدت بمثابة تمهيد لتصعيد عسكري محتمل. إذ رغم توقف الاقتتال الأهلي، لا تزال الميليشيات العسكرية في ليبيا تؤدي دوراً رئيسيّاً في الصراع السياسي، وهي تعيش حالة تأهّب قصوى في الوقت الحالي تحسّباً لاندلاع القتال، في وقت تعمل فيه البعثة الأممية بالشراكة مع أطراف عربية لمنع تحقيق هذا السيناريو.