هل سمعت من قبل عن "أيام الكلب"؟ إنها أكثر حرارة مما تتخيل!
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
فيديو يوثق تعنيف شخص وسرقة دراجته يقود إلى اعتقال شابين بأكاديرفي كل صيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى ذروتها، يظهر في الإعلام الغربي تعبير يعود إلى قرون مضت: "Dog Days of Summer"، أو ما يُعرف تقليدياً بـ"أيام الكلب".
وراء هذه العبارة تاريخ طويل يجمع بين الرصد الفلكي والموروث الشعبي وتغيرات الطقس، وهي ظاهرة ما تزال تثير الفضول حتى اليوم، خاصة مع تزايد الحديث عن الاحتباس الحراري وطول فترات الحر.
مصطلح "أيام الكلب" لا يُشير إلى الحيوانات الأليفة، بل إلى نجم "الشعرى اليمانية"، ألمع نجم في السماء، والذي يظهر في كوكبة تُدعى "الكلب الأكبر" (Canis Major).
منذ آلاف السنين، لاحظ الإغريق والرومان أن هذا النجم يظهر فجراً في توقيت يتزامن مع أشد أيام الصيف حرارة، وبما أن ظهوره كان يقترن بموجات الحر، فقد ارتبط في أذهانهم بالأمراض، والتوتر، وفترات اللااستقرار، ومن هنا وُلد المصطلح الذي ما زال يُستخدم في اللغة الإنجليزية حتى اليوم، رغم أن الارتباط بين النجم والحرارة لم يثبت علمياً.
في الثقافات القديمة، أخذت هذه الظاهرة معاني متباينة، ففي مصر القديمة، كان طلوع الشعرى إشارة إلى فيضان النيل، وهو حدث موسمي كان مؤشر على موسم خصب.
أما في الموروث الإغريقي والروماني، فقد كانت هذه الأيام تُعد نذير شؤم، وكان الناس يتجنبون اتخاذ قرارات كبيرة أو بدء الحروب خلالها.
العرب بدورهم لم يستخدموا مصطلح "أيام الكلب"، لكنهم قسّموا الصيف إلى مراحل مثل "القيظ" و"جمرة القيظ" التي تشير إلى أكثر فترات فصل الصيف ارتفاعاً في درجات الحرارة، وكان طلوع نجم الشعرى محسوباً في تقاويمهم الفلكية والزراعية.
فلكياً، يُعد ظهور نجم الشعرى اليمانية حدثاً دقيقاً، لكن تحديد فترة "القيظ" منها لم يسهل تحديده بدقة علمياً، ففي التقويم الغربي، تمتد تقليدياً بين 3 يوليو/تموز و11 أغسطس/آب، إلا أن هذه الفترة تختلف من مكان لآخر بحسب خطوط العرض والظروف المناخية.
وفي الشرق الأوسط، مثلاً، تبدأ موجات الحر الشديد في يونيو/حزيران، وغالباً ما تستمر حتى سبتمبر/أيلول، دون أن يُطلق عليها اسم خاص مشابه.
ومع تصاعد حدة التغير المناخي العالمي، باتت هذه الفترة أكثر من مجرد ذكرى موسمية.
وفقاً للبيانات المناخية، فإن "أيام الكلب" باتت تمتد أطول، وتتسم بدرجات حرارة أعلى، مع زيادة في الرطوبة وركود الرياح، هذه الظروف تخلق بيئة مناسبة لارتفاع استهلاك الكهرباء، وتراجع جودة الهواء، وزيادة احتمالات الحرائق، ما يضع الحكومات أمام تحديات إضافية كل عام.
ولا يقتصر تأثير هذه الظاهرة على الطقس فقط، فبحسب دراسات حديثة، تزداد خلال هذه الفترة معدلات الضغط النفسي، والتوتر، ونوبات الغضب.
كما لوحظ ارتفاع في معدلات الجريمة في بعض المناطق، خاصة تلك التي تفتقر إلى وسائل التبريد أو تعاني من تردّي الخدمات الأساسية.
في المدن الكبرى، يُسجل ارتفاع ملحوظ في حالات الطوارئ الصحية، نتيجة ضربات الشمس أو الإجهاد الحراري، لا سيما بين كبار السن والعُمّال والمشردين.
على المستوى الثقافي، كانت لهذه الأيام مكانة خاصة في الأدب والفولكلور، ففي المسرحيات الإنجليزية الكلاسيكية، كُرّست "أيام الكلب" كرمز لفوضى الصيف واختلال المزاج العام. وتُستخدم عبارة "The dog days are over" في الإنجليزية الحديثة للدلالة على نهاية فترة صعبة.
أما في الثقافة العربية، فلا يوجد مقابل لغوي مباشر، لكن تُستخدم تعبيرات مثل "حرّ لافح" أو "جمرة القيظ"، وتظهر في الأمثال والتحذيرات الشعبية خلال مواسم الصيف القاسية.
التعامل الشعبي مع هذه الفترات يختلف من منطقة لأخرى، حيث يلجأ الناس في الشرق الأوسط إلى تجنّب الحركة في ذروة النهار، وارتداء ملابس خفيفة، والإكثار من السوائل، أما في المدن، فتزداد الحركة في الليل، بينما تعتمد الحكومات على نشرات التوعية الصحية، وتُصدر تحذيرات دورية، وتنصح بتجنب التعرّض الطويل للشمس.
لكن رغم هذه الإجراءات، تظل "أيام الكلب" تمثّل تحدياً متجدداً، خاصة مع تصاعد التغير المناخي، الذي جعل الصيف أكثر شدّة، وغير متوقع في بعض المناطق.
لقد تحوّلت هذه الظاهرة من مؤشر فلكي موسمي إلى مرآة تعكس واقعاً بيئياً متقلّباً، يتطلب مراجعة سياسات التكيّف مع الطقس، لا سيما في الدول التي تعاني من بنية تحتية ضعيفة.
ورغم أن المصطلح قد يبدو غريباً في السياق العربي، إلا أن الظاهرة ذاتها مألوفة لكل من عاش في منطقة حارة، فما تُسمّيه بعض الثقافات "أيام الكلب"، يعرفه سكان الخليج، وبلاد الشام، وشمال أفريقيا، كفصل طويل من التكيّف والتحمّل، وهو ما يجعل هذه الظاهرة فرصة لفهم أعمق للعلاقة المعقّدة بين الطقس والتاريخ والثقافة والإنسان.