اخبار المغرب

العمق المغربي

سياسة

جرائم المختلين عقليا تختبر نجاعة السياسات العمومية للصحة النفسية وتكشف حجم التقصير

جرائم المختلين عقليا تختبر نجاعة السياسات العمومية للصحة النفسية وتكشف حجم التقصير

klyoum.com

في أعقاب الجريمة المفجعة التي شهدتها مدينة ابن أحمد، والتي راح ضحيتها شخص على يد مشتبه به يعاني من اضطرابات عقلية، تصاعد الجدل حول مدى نجاعة السياسات العمومية المتعلقة بالصحة النفسية، وحجم التقصير في التكفل بالمرضى العقليين.

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، لكنها أعادت إلى الواجهة بقوة نقاشا عميقا ومتجددا حول مسؤولية الدولة في حماية الأفراد والمجتمع، وأوجه القصور المؤسساتي البنيوي في توفير الرعاية الصحية والنفسية الضرورية لهذه الفئة الهشة، التي غالبا ما تُترك لتواجه مصيرها في الشارع دون دعم أو مواكبة.

في هذا السياق، يرى الباحث والأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع عادل بلعمري، أن ما يبدو تصاعدا في وتيرة الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص يعانون من اضطرابات عقلية لا يعكس بالضرورة ارتفاعا فعليا في نسب هذه الجرائم، بل يعكس بالأحرى "تحولا نوعيا في أنماط الاستهلاك المجتمعي لمحتوى الجريمة، خصوصا عبر وسائط الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تضخم بعض الوقائع وتكرّس تمثلات اجتماعية مضللة".

وأوضح بلعمري أن "الإقبال المتزايد على مشاهدة وتداول الأخبار المرتبطة بالجرائم، خاصة تلك التي توصف بالبشعة أو غير المألوفة، هو ما رسّخ في الوعي الجمعي فكرة وجود تصاعد في هذا الصنف من الجرائم، رغم غياب أدلة إحصائية صلبة تؤكد هذا الانطباع".

ويرى المتحدث أن الجريمة لا تُفهم في معزل عن السياق الاجتماعي، إذ يشدد على أن "الفوارق الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة تلعب دورا محوريا في خلق بيئة مولّدة للعنف والانحراف"، مشيرا إلى أن "الشعور بالحرمان والتهميش يولد الإحباط، وقد يدفع بعض الأفراد إلى سلوكيات جانحة، لا سيما في غياب شبكات الدعم الاجتماعي والمؤسساتي".

وأشار بلعمري إلى أن "التفكك الأسري يُعد من أبرز المحددات المفسّرة لانتشار بعض أنماط الجرائم، لاسيما جرائم العنف ضد الأصول والقتل العائلي والاعتداءات الجنسية داخل محيط الأسرة"، موضحا أن غياب التماسك الأسري والهشاشة الاجتماعية يضعف الرقابة الذاتية ويدفع الأفراد نحو التهور، خاصة إذا كان ذلك مقترنا بتعاطي المخدرات أو الإدمان.

وفي ما يتعلق بالتعامل المؤسسي مع المرضى العقليين، يؤكد بلعمري أن "التساهل ليس مقصودا بقدر ما هو انعكاس لغياب بنيوي للرعاية الكافية"، مشيرا إلى أن "إغلاق ضريح بويا عمر، الذي كان رغم طابعه التقليدي يشكل مأوى للعديد من المرضى، لم يصحبه توفير بدائل مؤسساتية حقيقية، ما أدى إلى تزايد أعداد المرضى في الشوارع دون متابعة أو مواكبة".

وأضاف بلعمري أن هذا الوضع يكرّس الإحساس بانعدام الأمن لدى المواطنين، لاسيما في ظل وقوع اعتداءات متكررة يكون منفذوها من ذوي الاضطرابات العقلية، مما يبرز "فجوة خطيرة في السياسات العمومية، بين حماية الأمن العام وضمان الحق في العلاج النفسي اللائق".

ولفت بلعمري إلى الدور السلبي الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام في تشكيل صورة ذهنية مشوهة حول المرضى العقليين، موضحا أن "التركيز المكثف على الجرائم المرتبطة بالاضطرابات النفسية يعزز من النظرة النمطية للمريض باعتباره خطرا محتملا، ويزيد من وصمه بدل السعي لدمجه".

ويرى أن "هذا الخطاب الإعلامي يُنتج مزيدا من العزلة لهذه الفئة، ويؤدي بالمجتمع إلى المطالبة بحلول أمنية زجرية بدلا من تبني مقاربات علاجية وإنسانية تراعي كرامة المريض وسلامة المجتمع في الآن ذاته".

وشدد بلعمري في حديثه بالتأكيد على ضرورة تبني مقاربة شاملة تتكامل فيها الأبعاد الصحية والاجتماعية والحقوقية، قائلا، "نحتاج إلى توسيع شبكة المستشفيات النفسية، وتوفير برامج إعادة تأهيل ومواكبة نفسية واجتماعية، إلى جانب استحضار البعد الأمني كتدبير احترازي، في انتظار تجاوز العجز المؤسساتي الحالي".

وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد المطالب المجتمعية والحقوقية بإعادة النظر في منظومة الصحة النفسية، وتحميل السلطات العمومية مسؤولية الإهمال الممنهج الذي قد تكون له تبعات أمنية وإنسانية كارثية.

فبين فشل السياسات العمومية وتفاقم الوصم الاجتماعي، يظل المريض النفسي عالقا بين الإقصاء والخوف، والمجتمع مهددا بجرائم قد يكون بالإمكان تفاديها لو توفرت الإرادة السياسية والمقاربة العلمية السليمة.

*المصدر: العمق المغربي | al3omk.com
اخبار المغرب على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com