العلاج النفسي في المغرب فوضى تتعطش لنقطة نظام
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
الأمن يدخل على خط فيديو متداول على فيسبوك26% من المغاربة مروا بتجربة الاكتئاب بينما يعاني 9% من اضطرابات القلق
يشهد المغرب فوضى عارمة في مجال التأطير النفسي، وإذا كان مجال الأطباء النفسانيين مقنناً بصورة دقيقة كباقي التخصصات الطبية، يظل مجال المتخصصين النفسيين يعرف ضعفاً في التنظيم القانوني، وهو ما أسهم في تزايد هائل لمدربي التنمية الذاتية، الذي لا تتعدى مدة تكوين بعضهم أسبوعين.
ولا يزال جانب من المغاربة عاجزاً عن التمييز بين المتخصص النفسي المكون أكاديمياً، ومن يدعي تلك الصفة عبر حصوله على شهادة تكوين صورية، ويثير ذلك الوضع مخاوف المتخصصين النفسيين الأكاديميين بالنظر إلى التأثير السلبي المحتمل على وضع الصحة النفسية بالبلاد.
وزير الصحة المغربي أمين التهراوي، قال في وقت سابق هذا العام أمام البرلمان، إن عدد الأطباء النفسانيين في البلاد لا يتعدى 600 في كلا المجالين العام والخاص، بمعدل 1.77 طبيب نفساني لكل 100 ألف نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بمعدل لا يقل عن 10 أطباء لكل 100 ألف نسمة، موضحاً أن ذلك النقص لا يقتصر على الأطباء النفسانيين، بل يشمل كذلك المتخصصين النفسيين، والمساعدين الاجتماعيين، وأطر الدعم النفسي، مما يؤثر سلباً في جودة الخدمات خصوصاً في المناطق النائية.
وبخصوص نسبة الاضطرابات النفسية والعقلية عند المغاربة، أشار التهراوي إلى أن 26 في المئة منهم مروا بتجربة الاكتئاب، بينما يعاني تسعة في المئة من اضطرابات القلق، وأن 5.6 في المئة يعاني اضطرابات ذهانية، في حين أن نسبة المصابين بمرض الفصام تبلغ واحد في المئة.
في غياب التأطير القانوني تتزايد أعداد المعاهد والتدريبات الخاصة بكل من العلاج النفسي وتكوين المدربين في مجال التطوير الذاتي، إذ يمكن لأي شخص أو جمعية إنشاء ذلك النوع من المعاهد ولو في غياب التكوين العلمي المطلوب، وبالنظر إلى حال الفوضى تلك يحذر الأكاديمي المتخصص في علم النفس مصطفى حدية، من خطورة تلك الظاهرة، مشيراً إلى وجود دورات تدريبية في مجال علم النفس لا تتعدى مدتها أسبوعين.
من جانبه أكد جمال موحد، المدرب في مجال التطوير الذاتي ذلك الوضع، قائلاً "إن المجال مفتوح أمام الجميع، بالتالي أي شخص، بغض النظر عن مستواه المعرفي ومؤهلاته سواء العلمية أو العملية، يمكن أن يخضع لتكوين في أحد المراكز، ويصبح مدرباً في التطوير الذاتي، ويشرع في تأطير من يحتاج لدعم نفسي، وقد يعمل على إسداء النصائح على مواقع التواصل، ويمكنه كذلك أن يمنح دورات لتكوين مدربين آخرين".
بدورها شددت المتخصصة الإكلينيكية هناء مهدي، على أن عمل الطبيب والمتخصصين النفسيين يرتبط بتشخيص الحالة والعمل على علاجها بطريقة علمية، لكن مدربي التطوير الذاتي لا علاقة لهم بالعلاج النفسي، موضحة أن مجال عملهم محدد في التحفيز والمساهمة في تطوير المهارات الشخصية، وأن تجاوز حدود نشاطهم المهني قد يعرض الأفراد لمضاعفات نفسية ضارة.
ومن تجليات تلك الفوضى، وجود حالات لعيادات غير مرخصة يجري الكشف عنها من طرف السلطات لأشخاص ينتحلون صفة معالج نفسي، إذ أسهم أحدهم في تفاقم حالة مريضة بالفصام عندما حثها على عدم مواصلة تناول أدويتها.
لكن المتخصصة النفسية الإكلينيكية أم كلثوم عزيزي، قالت إن الأصل هو إتقان المهنة كيفما كانت، مشيرة إلى وجود مدربين ذوي مستوى أكاديمي ومهني جيد، يقومون بأدوار مهمة في مجال التخفيف من الضغط النفسي وإيجاد حلول عملية لمشكلات محددة، قد تصبح وخيمة إذا لم يجر حلها في الوقت المناسب.
وأكدت أن الوضع يحتاج إلى هؤلاء المتخصصين، بالنظر لوجود حالات قد لا تحتاج لطبيب أو متخصص نفسي، كالتعثر الدراسي الذي يصيب بعض الطلبة، أو "الاحتراق النفسي" الذي قد يلحق بالأشخاص الذين يعملون تحت الضغط، موضحة أن الخلل يكمن عند ربط العلم بالفكر التجاري، إذ يصبح مبدأ الربح يطغى على مبدأ تغليب مصلحة المريض.
تعج مواقع التواصل الاجتماعي بإعلانات عن دورات تكوينية مدفوعة الأجر في مجالات الصحة النفسية والتطوير الذاتي، إضافة إلى حصص العلاج الروحي، ومن ناحية أخرى تشهد جل الإذاعات المغربية برامج للدعم النفسي تعرض لحالات اجتماعية يؤطرها متخصصون، لكن يقوم في بعضها المذيع بدور "المؤطر النفسي"، ويمنح إرشادات وحلولاً لحالات تكون في جانب منها متعلقة بالصحة النفسية، إضافة إلى ذلك تشهد النصائح النفسية والسلوكية من طرف "صناع المحتوى" انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل، في ظل غياب تام الرقابة.
يشير المدرب في مجال التطوير الذاتي جمال موحد، إلى أن التأطير النفسي في العالم الافتراضي هو الأكثر شيوعاً، باعتبار أنه "لكل فرد الحق في أن يؤثر وينصح كيف يشاء، حتى في حال غياب التكوين الأكاديمي في مركز معين، بحيث يمكن أن ينشئ قناة أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم يشرع في منح الإرشادات والنصائح، ويمكنه حتى تقديم تدريبات تخص الصحة النفسية وتدابير سلوكية خاصة بوسط اجتماعي معين، وهو أمر لا يمكن التحكم فيه".
ولفت موحد الانتباه إلى أن هذا الأمر زاد من حدة الفوضى في مجال الصحة النفسية بالمغرب، وهو ما ستكون له آثار سلبية على السلامة النفسية للأفراد لكونهم يتلقون التوجيهات من أناس ليست لهم الخبرة والإمكانات العلمية الكافية.
كباقي الدول الإسلامية، يعرف المغرب حضوراً قوياً للجانب الروحي لحل بعض المشكلات سواء تلك المرتبطة بالغيبيات أو بأمراض العصر، إذ يلجأ عديد من الأفراد إلى المعالجين الروحانيين من رقاة شرعيين أو معالجين بالطاقة.
ومن هنا يشهد هذا المجال تداخلاً مع الصحة النفسية، إذ يؤكد عديد من الأشخاص شفاءهم من أعراض نفسية على يد هؤلاء المعالجين. وتوضح المتخصصة النفسية أم كلثوم عزيزي، أنه بالنظر إلى ارتفاع نسبة الأمية، وغياب ثقافة الخضوع للعلاج النفسي لدى جانب مهم من المغاربة، ينساق المواطن العادي مع توجيهات أي شخص يتعاطف مع حالته وإن لم يكن له تكوين في مجال علم النفس، مشيرة إلى أنه لا يمكن تحجيم دور الدين والثقافة الإسلامية في المجتمعات العربية، إلا أنه لا يجب السماح بتداخل الاختصاصات.