الاستئناف تقلب حكم ابتدائية أزيلال وتدين مدير صفحة فايسبوكية بـ8 أشهر وغرامة مالية
klyoum.com
ألغت محكمة الاستئناف بمدينة بني ملال حكما ابتدائيا كان قد قضى ببراءة مدير صفحة "دمنات الإخبارية" على فيسبوك، وقضت مجددا بإدانته من أجل تهمة التشهير وبث وقائع كاذبة بقصد المساس بالحياة الخاصة.
وأصدرت هيئة المحكمة الاستئنافية حكمها القاضي بإدانة المتهم جمال تغرمت ومعاقبته بثمانية أشهر حبسا موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 3000 درهم. كما قبلت المحكمة الدعوى المدنية وحكمت بأداء المدان تعويضا مدنيا للمطالب بالحق المدني قدره 20,000 درهم، مع تحميله الصائر.
ويأتي هذا الحكم الاستئنافي ليلغي بشكل كامل حكما ابتدائيا كانت قد أصدرته المحكمة الابتدائية بأزيلال قبل أزيد من عام ونصف، والذي أثار حينها نقاشا واسعا حول حدود حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي.
وقبل أزيد من عام ونصف، أصدرت المحكمة الابتدائية بأزيلال حكما قضى ببراءة المواطن جمال تغرمت، مدير صفحة "دمنات الإخبارية" على فيسبوك، من تهمة التشهير وبث وقائع كاذبة. وجاء الحكم في قضية رفعها ضده مواطن بالمدينة ذاتها الذي شعر بأنه المستهدف في تدوينة تناولت فاجعة وفاة سيدة جرفتها سيول الأمطار في دمنات.
وكانت التدوينة قد أشارت، نقلا عن "الجيران"، إلى أن "صاحب المنزل الذي غير مجرى الوادي" تسبب في الحادث، وهو ما اعتبره المشتكي تشهيرا مباشرا يستهدف سمعته ويحمله مسؤولية الوفاة.
وقد استند حكم المحكمة الابتدائية بأزيلال القاضي ببراءة مدير صفحة "دمنات الإخبارية" إلى تحليل قانوني دقيق، خلص إلى أن الأركان الأساسية المكونة لجريمة التشهير، كما يحددها القانون الجنائي، لم تكن مكتملة في هذه القضية. وقد تم تفصيل هذه القناعة القضائية عبر عدة أسباب متكاملة أدت منطقيا إلى تبرئة المتهم.
وكان السبب الجوهري الذي انهار أمامه الاتهام هو انتفاء ركن "الوقائع الكاذبة". فالقانون يعاقب على بث الادعاءات غير الصحيحة، إلا أن المحكمة وجدت أن جوهر ما ورد في التدوينة هو "وقائع حقيقية وليست كاذبة". وقد بنت المحكمة هذا الاستنتاج على حقيقة وردت في أوراق الملف، وهي إقرار المشتكي نفسه بصحة الواقعة المركزية؛ حيث أكد خلال التحقيقات أن فيضانات طوفانية ضربت المدينة بالفعل، وأنها تسببت في جرف السيدة ووفاتها. وباعترافه هذا، انتفى الركن الأساسي الذي تقوم عليه الجريمة، مما أفرغ الاتهام من محتواه.
إلى جانب ذلك، وجدت المحكمة أن القصد الجنائي للتشهير لم يكن ثابتا. فلكي تتم الإدانة، يجب إثبات أن المتهم تعمد المساس بسمعة شخص بعينه. وفي هذه الحالة، لاحظت المحكمة أن التدوينة لم تذكر اسم المشتكي أو أي صفة تدل عليه بشكل مباشر، بل استخدمت عبارات عامة مثل "صاحب المنزل" نقلا عن "الجيران". هذا الغموض في تحديد هوية الشخص المستهدف حال دون إثبات نية التشهير المباشرة، مما جعل الملف يفتقر إلى دليل قاطع على وجود استهداف شخصي متعمد.
ورسّخت المحكمة حكمها بتطبيق أحد أهم مبادئ العدالة الجنائية، وهو أن "الشك يفسر لصالح المتهم". فبما أن الأدلة لم تصل إلى درجة الجزم واليقين اللازمين للإدانة، وبما أن عنصري "الكذب" و"القصد الجنائي" لم يثبتا بشكل قاطع، فإن المحكمة، التزاما منها بالقانون، رأت أن الشك يحيط بالاتهام، وهو ما يوجب قانونا التصريح بالبراءة. فالأحكام الجنائية تُبنى على اليقين، لا على الشك والتخمين.
أصل الحكاية
وكانت الأمطار الرعدية التي عرفتها دمنات يوليوز 2022، قد أودت بحياة سيدة تبلغ من العمر آنذاك 28 سنة والتي يقع منزلها بإحدى شعاب حي ورتزديك بالمدينة ذاتها. كما تسببت في خسائر مادية كبيرة على مستوى البنية التحتية للمدينة.
وفي تصريح لحسن منتصر زوج الضحية خص به جريدة “العمق” حينها إن شخصا قام بالبناء على شعبة وقام بتغيير مسارها، وهو ما تسبب في هذه الكارثة الذي راحت ضحيتها زوجتي تاركة وراءها بنتين.
وفي نفس السياق، قال عبدالكريم الهلالي، وهو من جيران الضحية، إن المكان الذي بني فيه هذا المنزل كان شعبة منذ ازيد من 50 سنة قبل أن يقوم الشخص المعني بالبناء عليها، وآثارها لا تزال قائمة إلى اليوم، مشيرا إلى أن لجنة قامت بزيارة المكان إلا أنها رفضت معاينة المكان الأصلي للشعبة، وفق تعبيره.
سيدة مسنة من جيران الضحية أبت إلا أن تدلي بشهادتها في الموضوع، إذ أشارت إلى أن الشعبة لم يسبق لها أن تسببت في مشكل كهذا الذي حدث هذه السنة بسبب تغيير مسارها من طرف صاحب البناية التي شيدت على الشعبة الأصلية.
أما عبدالرحيم جمار، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فقد أهلن من مكان الحادث أن البناء العشوائي هو السبب الحقيقي في الكوارث التي تحدث في المدينة.
وأوضح جمار في تصريح لجريدة “العمق” أن البناء العشوائي له مجموعة من الأسباب من بينها الرشوة والمحسوبية.
وتساءل المتحدث قائلا: ألم تكن السلطة والمجالس المنتخبة على علم بمثل هذه البنايات التي شيدت في أماكن تشكل خطرا على الإنسان”.
وأشار في تصريحه إلى أن معاينة بسيطة للمكان تكفي لاكتشاف الخرق السافر في هذه البناية التي بنيت على الشعبة، خصوصا أن آثار الشعبة القديمة لا تزال واضحة المعالم.
وختم الحقوقي ذاته تصريحه بالدعوة إلى فتح تحقيق جدي ونزيه في هذه النازلة وإنزال العقوبات الشديدة على المخالفين.