ثروة في عمق البحر وفقر على الشاطئ.. من ينهب خيرات المغرب البحرية؟
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
إحباط محاولة تهريب 4 أطنان ونصف من الشيرا بطنجة كانت متجهة لأوروباعلى امتداد أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل، يحتضن المغرب واحدة من أغنى المناطق البحرية في إفريقيا، بمخزون سمكي متنوع يشمل السردين، والأخطبوط، والتونة، والقشريات، والأسماك البيضاء. لكن، وفي مفارقة صارخة، ما تزال شريحة واسعة من المغاربة عاجزة عن شراء السمك بأسعار معقولة، بل إن آلاف الصيادين الذين يعيشون على شط البحر لا يكادون يجدون قوت يومهم. وهذه المفارقة هي ما حاولت دراسة "الصيد البحري في المغرب- الثروة المهدورة" تفكيكه بالأرقام والشهادات والتحليل النقدي.
في هذه الدراسة الميدانية المستندة إلى وثائق وشهادات ومعطيات رسمية، نغوص في أعماق السياسة البحرية المغربية، ونكتشف كيف تُدار ثروة هائلة بمنطق الريع والتهميش والامتيازات. من الصيادين التقليديين الذين يُمنعون من الوصول إلى مناطق الصيد، إلى الاتفاقيات الدولية التي تُفرِّط في الموارد، مرورا بنظام توزيع الحصص المبهم، والثغرات في الحماية البيئية، تتكشف ملامح منظومة تُهدر موردا استراتيجيا، يُفترض أن يكون في خدمة السيادة الغذائية والتنمية الاجتماعية.فمن يستفيد فعلا من البحر المغربي؟ وأين تذهب مداخيل الأسماك؟ ولماذا لا تنعكس الثروة السمكية على موائد المغاربة؟
وترتكز الدراسة على بحث ميداني أُجري في ثلاثة موانئ رئيسية، هي آسفي وأكادير وطانطان، عبر مقابلات مع 71 بحارا وصيادا، وتحليل معطيات رسمية وغير رسمية حول تطور الثروة السمكية واتفاقيات الشراكة وآليات التوزيع والفاعلين الاقتصاديين وتداعيات مخطط "أليوتيس" الذي أطلق في 2009.
يُعد المغرب من بين أكثر الدول الإفريقية غنى بالموارد البحرية، حيث تمتد واجهته الساحلية على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط على أكثر من 3500 كيلومتر. تزخر هذه السواحل بثروة سمكية هائلة، وتُعد من بين الأغنى عالميا من حيث الكموالتنوع البيولوجي، إذ تشير تقارير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري(INRH) إلى أن المياه المغربية تؤوي ما يزيد عن 500 نوع من الكائنات البحرية، منها أكثر من 60 نوعا بأهمية تجارية.
ورغم هذه الوفرة، فإن الواقع المعيشي لفئات واسعة من المغاربة، خاصة الفئات الهشة والمشتغلة في قطاع الصيد البحري، يعكس تناقضا صارخا. فبينما تُصدَّر مئات الآلاف من الأطنان سنويا من الأسماك إلى الخارج، يظل المواطن المغربي محدود القدرة على شراء السمك، وتعيش آلاف الأسر من البحارة في أوضاع اجتماعية قاسية.
تقدم الدراسة المعنونة بـ "الصيد البحري في المغرب- الثروة المهدورة :دراسة ميدانية حول الثروة السمكية ومشروع السيادة الغذائية" الصادرة عن جمعية "أطاك المغرب" قراءة نقدية معمقة في واقع السياسات العمومية المتعلقة بالصيد البحري، وترصد آثار هذه السياسات على العدالة الاجتماعية والبيئية والسيادة الغذائية.وقد اختارت أن تتناول الموضوع من منظور نقدي شعبي، من خلال عدسة السيادة الغذائية والعدالة الاجتماعية، لتسليط الضوء على الفئات المهمشة، وفضح الهيمنة النيوليبرالية على السياسات البحرية.
مؤشرات عامة في قطاع الصيد البحري
تشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع الصيد البحري في المغرب:
• يساهم بحوالي 2.3% من الناتج الداخلي الخام.
• يشغّل بشكل مباشر أكثر من 170 ألف عامل، ويصل العدد غير المباشر إلى أكثر من 700 ألف.
• يضم الأسطول البحري المغربي حوالي 17500 قارب تقليدي، و2800 وحدة صيد ساحلي، وأكثر من 350 وحدة صيد في أعالي البحار.
• يصيد المغرب سنويا ما بين 1.3 و1.5 مليون طن من الأسماك.
• تُوجه أكثر من 75% من المصطادات للتصدير، خاصة نحو الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وآسيا.
• يُصنف المغرب ثاني مُصدِّر للأسماك في إفريقيا بعد موريتانيا، ومن بين أكبر عشرة مصدرين للمنتوجات البحرية في العالم.
ورغم هذه المؤشرات، ما يزال متوسط الاستهلاك الفردي من الأسماك في المغرب لا يتجاوز 12 كلغ سنويا، مقابل متوسط عالمي يبلغ 20.5 كلغ، وفق منظمة الأغذية والزراعة(FAO).
الهشاشة الاجتماعية للبحارة والصيادين التقليديين
في هذا الجانب الاجتماعي، كشف البحث الميداني مع 71 بحارا أن:
• 68% من المستجوبين يشتغلون في الصيد الساحلي، و32% في الصيد التقليدي.
• 82% منهم متزوجون، ويُعيلون أسرا مكونة من 5 إلى 8 أفراد.
• 40% منهم يسكنون في أحياء غير مهيكلة أو في ضواحي حضرية دون تغطية صحية أو صرف صحي.
• 32% لم يسبق لهم التمدرس، و42% لم يتجاوزوا الابتدائي.
من حيث الدخل، فإن متوسط أجور البحارة يتراوح بين 2000 و3500 درهم شهريا، وهو دخل لا يتناسب مع المخاطر اليومية (حوادث الغرق، المعدات المتهالكة، غياب التأمين الصحي) التي يتعرضون لها.
تدهور المخزون السمكي
تشير الدراسة إلى تدهور مقلق في المخزون السمكي الوطني، وتؤكد شهادات البحارة المستجوبين أن:
• أنواعا مثل الكوربين والرويال والأخطبوط واللانكوست تراجعت بنسبة تفوق 60% مقارنة بعقد التسعينات.
• الصيادون أصبحوا يبحرون لمسافات أبعد: من 10 ـ 20 ميلا سابقا، إلى 60 ـ 100 ميل حاليا.
• مدة الرحلة البحرية تضاعفت: من يوم أو يومين إلى 4 أو 5 أيام.
• تكاليف الوقود والمؤن والعتاد ارتفعت بنسبة 35% خلال العقد الأخير.
كما أن الإحصائيات الرسمية تؤكد هذه المعطيات. فعلى سبيل المثال، أفاد تقرير صادر عنالمعهد الوطني للبحث في الصيد البحريسنة 2022 أن:
• المخزون B (منطقة طانطانـ طرفاية) يعرف استغلالا مفرطا للسردين.
• المخزون C (الداخلة ـ الكويرة) بدأ يظهر مؤشرات انخفاض في التنوع الإحيائي.
• أحد الأسباب الجوهرية لهذا التدهور هو الصيد الصناعي المكثف، خصوصا من طرف بواخر أعالي البحار التي تستفيد من رخص طويلة الأمد وتستخدم تقنيات غير انتقائية مثل الجرف أو الشباك العائمة.
الوسطاء والاحتكار واختلالات السوق الداخلي
تُسيطر شبكة من الوسطاء والمضاربين على تسويق السمك داخليا. ووفقا لإفادات البحارة:
• لا يتم التصريح إلا بجزء محدود من المحصول الحقيقي، لأسباب ضريبية أو لتمرير الكميات عبر قنوات موازية.
• السوق المركزي لتسويق السمك لا يوفر الشفافية، فالأسعار تُحدد من طرف عدد محدود من التجار.
• الأسماك تصل إلى المستهلك المغربي بأربعة أضعاف سعرها في الميناء.
مثال: السردين الذي يُباع بدرهمين إلى 3 دراهم للكيلوغرام في الميناء، يصل إلى المستهلك بـ 12 إلى 15 درهما.