اخبار المغرب

الأيام ٢٤

منوعات

ثروة في عمق البحر وفقر على الشاطئ.. من ينهب ‏‎خيرات المغرب البحرية؟

ثروة في عمق البحر وفقر على الشاطئ.. من ينهب ‏‎خيرات المغرب البحرية؟

klyoum.com

على امتداد أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل، يحتضن المغرب واحدة من أغنى ‏المناطق البحرية في إفريقيا، بمخزون سمكي متنوع يشمل السردين، والأخطبوط، والتونة، ‏والقشريات، والأسماك البيضاء. لكن، وفي مفارقة صارخة، ما تزال شريحة واسعة من ‏المغاربة عاجزة عن شراء السمك بأسعار معقولة، بل إن آلاف الصيادين الذين يعيشون على ‏شط البحر لا يكادون يجدون قوت يومهم. ‏وهذه المفارقة هي ما حاولت دراسة "الصيد البحري في المغرب- الثروة المهدورة" تفكيكه ‏بالأرقام والشهادات والتحليل النقدي.‏

في هذه الدراسة الميدانية المستندة إلى وثائق وشهادات ومعطيات رسمية، نغوص في ‏أعماق السياسة البحرية المغربية، ونكتشف كيف تُدار ثروة هائلة بمنطق الريع والتهميش والامتيازات. من الصيادين التقليديين الذين يُمنعون من الوصول إلى مناطق الصيد، إلى ‏الاتفاقيات الدولية التي تُفرِّط في الموارد، مرورا بنظام توزيع الحصص المبهم، والثغرات ‏في الحماية البيئية، تتكشف ملامح منظومة تُهدر موردا استراتيجيا، يُفترض أن يكون في ‏خدمة السيادة الغذائية والتنمية الاجتماعية.‏فمن يستفيد فعلا من البحر المغربي؟ وأين تذهب مداخيل الأسماك؟ ولماذا لا تنعكس الثروة ‏السمكية على موائد المغاربة؟

وترتكز الدراسة على بحث ميداني أُجري في ثلاثة موانئ رئيسية، هي آسفي وأكادير ‏وطانطان، عبر مقابلات مع 71 بحارا وصيادا، وتحليل معطيات رسمية وغير رسمية حول ‏تطور الثروة السمكية واتفاقيات الشراكة وآليات التوزيع والفاعلين الاقتصاديين وتداعيات ‏مخطط "أليوتيس" الذي أطلق في 2009.‏

يُعد المغرب من بين أكثر الدول الإفريقية غنى بالموارد البحرية، حيث تمتد واجهته ‏الساحلية على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط على أكثر من ‏‏3500 كيلومتر. تزخر هذه السواحل بثروة سمكية هائلة، وتُعد من بين الأغنى عالميا من ‏حيث الكموالتنوع البيولوجي، إذ تشير تقارير المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري‎‎‎(INRH) ‎إلى أن المياه المغربية تؤوي ما يزيد عن 500 نوع من الكائنات البحرية، منها ‏أكثر من 60 نوعا بأهمية تجارية.‏

ورغم هذه الوفرة، فإن الواقع المعيشي لفئات واسعة من المغاربة، خاصة الفئات الهشة ‏والمشتغلة في قطاع الصيد البحري، يعكس تناقضا صارخا. فبينما تُصدَّر مئات الآلاف من ‏الأطنان سنويا من الأسماك إلى الخارج، يظل المواطن المغربي محدود القدرة على شراء ‏السمك، وتعيش آلاف الأسر من البحارة في أوضاع اجتماعية قاسية.‏

تقدم الدراسة المعنونة بـ "الصيد البحري في المغرب- الثروة المهدورة :دراسة ميدانية ‏حول الثروة السمكية ومشروع السيادة الغذائية" الصادرة عن جمعية "أطاك المغرب" قراءة ‏نقدية معمقة في واقع السياسات العمومية المتعلقة بالصيد البحري، وترصد آثار هذه ‏السياسات على العدالة الاجتماعية والبيئية والسيادة الغذائية.وقد اختارت أن تتناول الموضوع من منظور نقدي شعبي، من خلال عدسة السيادة ‏الغذائية والعدالة الاجتماعية، لتسليط الضوء على الفئات المهمشة، وفضح الهيمنة ‏النيوليبرالية على السياسات البحرية.‏

مؤشرات عامة في قطاع الصيد البحري

تشير البيانات الرسمية إلى أن قطاع الصيد البحري في المغرب:‏

• يساهم بحوالي 2.3% من الناتج الداخلي الخام.‏

• يشغّل بشكل مباشر أكثر من 170 ألف عامل، ويصل العدد غير المباشر إلى أكثر ‏من 700 ألف.‏

• يضم الأسطول البحري المغربي حوالي 17500 قارب تقليدي، و2800 وحدة صيد ‏ساحلي، وأكثر من 350 وحدة صيد في أعالي البحار.‏

• يصيد المغرب سنويا ما بين 1.3 و1.5 مليون طن من الأسماك.‏

• تُوجه أكثر من 75% من المصطادات للتصدير، خاصة نحو الاتحاد الأوروبي، ‏وروسيا، وآسيا.‏

• يُصنف المغرب ثاني مُصدِّر للأسماك في إفريقيا بعد موريتانيا، ومن بين أكبر عشرة ‏مصدرين للمنتوجات البحرية في العالم.‏

ورغم هذه المؤشرات، ما يزال متوسط الاستهلاك الفردي من الأسماك في المغرب لا ‏يتجاوز 12 كلغ سنويا، مقابل متوسط عالمي يبلغ 20.5 كلغ، وفق منظمة الأغذية والزراعة‎‎‎(FAO)‎‏.‏

الهشاشة الاجتماعية للبحارة والصيادين التقليديين

في هذا الجانب الاجتماعي، كشف البحث الميداني مع 71 بحارا أن:‏

• ‏68% من المستجوبين يشتغلون في الصيد الساحلي، و32% في الصيد التقليدي.‏

• ‏82% منهم متزوجون، ويُعيلون أسرا مكونة من 5 إلى 8 أفراد.‏

• ‏40% منهم يسكنون في أحياء غير مهيكلة أو في ضواحي حضرية دون تغطية ‏صحية أو صرف صحي.‏

• ‏32% لم يسبق لهم التمدرس، و42% لم يتجاوزوا الابتدائي.‏

من حيث الدخل، فإن متوسط أجور البحارة يتراوح بين‎ 2000 ‎و3500 درهم شهريا، وهو ‏دخل لا يتناسب مع المخاطر اليومية (حوادث الغرق، المعدات المتهالكة، غياب التأمين ‏الصحي) التي يتعرضون لها.

تدهور المخزون السمكي ‏

تشير الدراسة إلى تدهور مقلق في المخزون السمكي الوطني، وتؤكد شهادات البحارة ‏المستجوبين أن:‏

• أنواعا مثل الكوربين والرويال والأخطبوط واللانكوست تراجعت بنسبة تفوق ‏‏60% مقارنة بعقد التسعينات.‏

• الصيادون أصبحوا يبحرون لمسافات أبعد: من 10 ـ 20 ميلا سابقا، إلى 60 ـ 100 ‏ميل حاليا.‏

• مدة الرحلة البحرية تضاعفت: من يوم أو يومين إلى 4 أو 5 أيام.‏

• تكاليف الوقود والمؤن والعتاد ارتفعت بنسبة 35% خلال العقد الأخير.‏

كما أن الإحصائيات الرسمية تؤكد هذه المعطيات. فعلى سبيل المثال، أفاد تقرير صادر عن‎‎المعهد ‏الوطني للبحث في الصيد البحري‎‎سنة 2022 أن:‏

• المخزون‎ B ‎‏(منطقة طانطانـ طرفاية) يعرف استغلالا مفرطا للسردين.‏

• المخزون‎ C ‎‏(الداخلة ـ الكويرة) بدأ يظهر مؤشرات انخفاض في التنوع الإحيائي.‏

• أحد الأسباب الجوهرية لهذا التدهور هو الصيد الصناعي المكثف، خصوصا من ‏طرف بواخر أعالي البحار التي تستفيد من رخص طويلة الأمد وتستخدم تقنيات غير ‏انتقائية مثل الجرف أو الشباك العائمة.‏

الوسطاء والاحتكار واختلالات السوق الداخلي

تُسيطر شبكة من الوسطاء والمضاربين على تسويق السمك داخليا. ووفقا لإفادات البحارة:‏

• لا يتم التصريح إلا بجزء محدود من المحصول الحقيقي، لأسباب ضريبية أو لتمرير ‏الكميات عبر قنوات موازية.‏

• السوق المركزي لتسويق السمك لا يوفر الشفافية، فالأسعار تُحدد من طرف عدد ‏محدود من التجار.‏

• الأسماك تصل إلى المستهلك المغربي بأربعة أضعاف سعرها في الميناء.‏

مثال: السردين الذي يُباع بدرهمين‎‎ إلى 3 دراهم للكيلوغرام في الميناء، يصل إلى المستهلك ‏بـ ‏‎12 ‎إلى 15 درهما.‏

*المصدر: الأيام ٢٤ | alayam24.com
اخبار المغرب على مدار الساعة