خبراء يعددون سيناريوهات تفكيك البوليساريو ومصير قادتها وسلاحها بعد نهاية نزاع الصحراء
klyoum.com
استشرف تقرير تحليلي صادر عن المركز المغربي للدبلوماسية الموازبة وحوار الحضارات، مآلات نزاع الصحراء المغربية، مسلطًا الضوء على السيناريوهات الممكنة لمصير تنظيم البوليساريو وقياداته وسلاحه وساكنة مخيمات تندوف، وذلك في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، والدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
التقرير الذي أعده خبراء مغاربة تحت إشراف الدكتور محمد الزهراوي والدكتور عبد الفتاح البلعمشي، اعتبر أن الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية بات في مراحله النهائية، مشيرًا إلى أن خيار الانفصال أصبح "مستبعدًا إن لم يكن مستحيلًا"، في ظل الانخراط الدولي المتنامي خلف مقترح الحكم الذاتي، خاصة من طرف الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، ودول أخرى وازنة.
التقرير يحذر من أن إنهاء النزاع لا يعني بالضرورة نهاية سلسة، بل يفتح الباب أمام تحديات جديدة، أبرزها مصير جبهة البوليساريو، وسلاحها، وبنيتها المدنية والعسكرية، ومآل آلاف الصحراويين القابعين في مخيمات تندوف، وهو ما دفع المركز إلى اقتراح أربعة مستويات حاسمة لمعالجة المرحلة المقبلة.
فبخصوص قيادات البوليساريو، يشير التقرير إلى أن مستقبل هذه القيادات، خاصة القادمة من خارج منطقة النزاع، سيكون محل تساؤل، في ظل صراع محتمل على مراكز النفوذ داخل هياكل الحكم الذاتي بين نخب الصحراء الموالية للمغرب وقيادات البوليساريو.
ويرى التقرير أن هذا الصراع الجديد من الممكن أن يظهر بخليفات أخرى وبحسابات مغايرة، وإن كان يفترض غلق قوس الماضي بإيجابياته وسلبياته، لكن، معادلة الصراع تحتم توقع مثل هذه السيناريوهات، مما يجعل من المؤسسة الملكية هي الضامنة للتوازن بشكل دقيق حتى في مرحلة ما بعد نهاية النزاع.
وشدد على أن التنافس المحتمل بين القيادات المحلية وقيادات البوليساريو، يتطلب التفكير في وضع آليات ديمقراطية وصيغ مؤسساتية وقانونية مستوعبة، ويفترض مرحلة انتقالية لاحتواء كافة الحساسيات، لا سيما وأن النزعة القبلية من غير المستبعد أن ترخي بظلالها كذلك، على التنافس في أبعاده الترابية والسوسيواقتصادية.
وفيما يخص سلاح الجبهة، يرى التقرير أن تفكيك البنية العسكرية للبوليساريو سيكون تحديًا بالغ التعقيد خلال مرحلة التفاوض أو أثناء مسار الانخراط في تنزيل مبادرة الحكم الذاتي، ما لم يتم ذلك في إطار تسوية دولية واضحة ومؤطرة بقرار أممي يدعم مبادرة الحكم الذاتي ويشترط نزع السلاح.
وأشار المركز إلى ضرورة الاستفادة من التجارب الدولية، بالنظر إلى أن الحركات الانفصالية عادة ما تنخرط في المسارات السلمية وفق معادلة القوة ولكسب الوقت، لكنها غالبا ما تتحفظ وتتماطل في ترك السلاح أو تفكيك بنية المليشيات العسكرية.
وأبرز أن التعامل مع بنية عسكرية مغلقة (مليشيات) تشكلت على ما يقارب 5 عقود من الصراع، يعتبر أمرا معقدا، خاصة وأن هذه البنية أصبحت لها ارتباطات مصلحية مركبة (تراتبية، أسلحة، شبكة مصلحية، عقيدة قتالية) يصعب تفكيكها بقرار سياسي، لاسيما وأن البوليساريو في طبيعته وهيكلته، يعتبر تنظيما هرميا عسكريا.
ويرى المصدر ذاته أن خيار تفكيك سلاح البوليساريو وتفكيك بنيته العسكرية –في أفق تفكك عقيدته- ودمج وانخراط بعض قياداته في الهيئات والمؤسسات الوطنية، يبقى من بين الخيارات المتاحة، لاحتواء وإدماج هذه البنية المعقدة ضمن "البنية التنظيمية أو النظامية" وإن كان خيارا صعبا بالنظر إلى "العقيدة العسكرية".
وبالنسبة لتفكيك التنظيم المدني، يعتبر التقرير أن أي حل سياسي يمر عبر تفكيك "الجمهورية الصحراوية المعلنة من جانب واحد"، وما يتبع ذلك من إغلاق تمثيليات الجبهة بالخارج وإعادة إدماج نخبها في مؤسسات الدولة المغربية، وفق آلية واضحة ومكافآت مرحلية.
وأوضح أن هذه الإشكالية المفترضة تساءل وتمتحن قدرة المغرب على استيعاب واحتواء النخب الصحراوية التي كانت تتبنى خيار الانفصال، وتسائل كذلك المنتظم الدولي في حالة إقرار هذا الخيار المرتبط بتبني مبادرة الحكم الذاتي، حول الضمانات الدولية والأممية التي من شأنها الدفع في اتجاه تفكيك هذا التنظيم وإعادة إدماج النخب الصحراوية الحقيقية المعنية بالنزاع.
وفي سياق الحديث عن مصير ساكنة مخيمات تندوف، يطرح التقرير ملف هذه الساكنة باعتباره الأشد تعقيدًا، مشيرًا إلى ضرورة الحذر في التعامل مع نسيج سكاني غير متجانس ثقافيًا وقبليًا، مع ضرورة الحسم في الجدل القانوني حول الوضعية بين "لاجئين" و"محتجزين"، خاصة في ظل رفض الجزائر لإجراء إحصاء رسمي.
وأشار إلى أنه في ظل الصراع بين الأطروحتين، لا يمكن ترجيح أطروحة معينة على الأخرى في حالة اعتماد الحكم الذاتي، وإن كان البعض سينظر للأمر من هذه الزاوية، لكن، تبني المعادلة الصفرية، يجعل خيار اندماج صحراويي مخيمات تندوف خيارا "براغماتيا" ينهي المأساة والمآسي خاصة بالنسبة للشيوخ والأطفال والنساء والعائلات التي قطعت أوصالها بسبب هذا النزاع.
ورجع التقرير أن يتعامل المغرب بحذر شديد وبكثير من التحفظ مع سكان المخيمات الوافدين، في سيناريو يجد تبريراته في النسيج الاجتماعي غير المتجانس في المخيمات، إضافة إلى بعض اشكالات الأصول والخلفيات الثقافية لبعض الجماعات والأفراد في مخيمات الحمادة.
وخلص التقرير إلى أن التعامل مع ما بعد النزاع يتطلب مقاربة شاملة تتجاوز الانتصار السياسي، نحو بناء مرحلة انتقالية متوازنة تدمج مختلف الفاعلين المحليين وتؤسس لعدالة انتقالية تراعي الواقع المعقد والتاريخي للمنطقة، مع التأكيد على أن المؤسسة الملكية تبقى الضامن الأساسي لوحدة التوازنات.
ويُعدّ هذا التقرير من أولى المحاولات البحثية التي تفتح النقاش الجاد حول ما بعد النزاع، بدل الاكتفاء بإدارته فقط، ويدعو إلى التحضير المبكر لسيناريوهات معقدة قد ترافق التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي بشأن قضية الصحراء المغربية.