المغرب يعد قانوناً لتنظيم المنصات الرقمية وحماية القاصرين
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
طقس الجمعة: أجواء باردة مع تكون صقيع بهذه المناطق المغربيةاللهجات المحلية بوابة المرور إلى الصغار خصوصاً أن 90% منهم يستعملون الهواتف الذكية
أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل المهدي بنسعيد، أن الحكومة المغربية تعد مشروع قانون شاملاً لتنظيم العالم الرقمي، يضم المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن المشروع "يهدف لمواكبة التحولات التكنولوجية السريعة، ويسعى إلى إيجاد توازن بين حرية التعبير وحماية القيم المجتمعية والفئات الهشة، خصوصاً القاصرين".
وعن دواعي إصدار مشروع القانون الجديد، أشار الوزير إلى أن التحول الكبير في منظومات الاتصال والإعلام خلال العقدين الأخيرين، بسبب الانتشار الكبير لوسائل التواصل والتطبيقات الرقمية، أوجد فضاء مفتوحاً تتقاطع فيه فرص التعبير مع أخطار متنامية تمس الأطفال والفئات الشابة، وأنه على رغم ما تمنحه تلك المنصات من فرص للتعلم والتفاعل واكتساب المعرفة، أصبحت أيضاً مصدراً لعدد من الظواهر السلبية، من بينها انتشار العنف اللفظي والبصري، والانحرافات السلوكية، وخطابات الكراهية، والأخبار الزائفة، فضلاً عن الإعلانات غير المناسبة للأطفال، وانتهاكات الخصوصية والاستغلال التجاري المفرط للمستخدمين.
لكن الباحث في الأنظمة الرقمية والتقنية، حسن خرجوج، يؤكد صعوبة تقنين ذلك المجال بالنظر إلى فلسفة اشتغال عمالقة العالم الرقمي، موضحاً أنه على رغم مما يحمله مشروع تنظيم الفضاء الرقمي من طموح تشريعي واضح، فإن تنزيله على أرض الواقع سيصطدم بتحديات موضوعية، لكون الشركات العملاق مثل "ميتا" و"غوغل" و"تيك توك" تشتغل ضمن منظومات عابرة للحدود، ولا تستجيب بسهولة لتشريعات الدول بصورة منفردة، باستثناء القوى الاقتصادية الكبرى.
وأشار خرجوج إلى أنه على رغم من امتلاك المغرب حقه السيادي في سن القوانين، لكنه لا يتوفر بعد على قوة رقمية، أو قاعدة صناعات تكنولوجية قادرة على إلزام هذه المنصات بالتعاون الكامل، ومع ذلك يظل المشروع خطوة ضرورية لتجاوز الفراغ التشريعي الذي طال لأعوام، ولبناء أرضية يمكن توسيعها تدريجاً في اتجاه تعزيز السيادة الرقمية للمملكة، غير أن نجاعته ستتوقف في نهاية المطاف على مدى استعداد المنصات للتعاون، وعلى قدرة الدولة على تطوير أدوات رقابية وتقنية أكثر تقدماً خلال المرحلة المقبلة.
تعكس الإحصاءات مدى تأثير الاستخدام الهائل للإنترنت على الأطفال بالمغرب، إذ خلص المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار، في استطلاع حديث أن نحو 43 في المئة من الأطفال المستجوبين يهملون حاجاتهم الأساسية كالأكل والنوم، بسبب استعمالهم المفرط للتكنولوجيا الرقمية، وأن قرابة 36 في المئة منهم دخلوا في نزاعات مع أسرهم أو أصدقائهم، و42 في المئة من الشباب عرفت نتائجهم الدراسية تراجعاً، موضحاً أن العواقب الاجتماعية لهذه الاضطرابات يمكن أن تكون وخيمة، حيث تلقي بالأطفال والشباب في دوامة من المشكلات كالانقطاع عن الدراسة، ومختلف أشكال الإدمان، والهرب من بيت الأسرة، والاضطرابات العقلية، والإقصاء الاجتماعي، وحياة التشرد.
يوكد بعض الأطباء الذين تحدثوا لـ "اندبندنت عربية" تلك الإحصاءات بالنظر إلى حجم الحالات التي يستقبلونها، منها حالة طفلة عمرها 12 سنة تعيش مع جدتها إثر طلاق والديها، كانت تترك لساعات بصحبة الهاتف، حتى أصيبت بالإدمان على مشاهدة إحدى قنوات "يوتيوب" التي كانت تحكي نماذج لقصص إجرامية، بالتالي لم تتعرض الطفلة لاضطراب في الأكل والنوم فحسب، بل بنوبات هلع حادة.
من جانبه يوضح المتخصص في مجال التخطيط، أمين سامي، أن تأثيرات الفضاء الرقمي على الأطفال في المغرب، تتجلى في الأثر المعرفي، من خلال ما يمكن تسميته "عقل تيك توك" (The TikTok Brain)، فالتأثير النسقي لـ "تيك توك"، أسهم في الانتقال من "الانتباه العميق" المطلوب للقراءة والدراسة، إلى "الانتباه السطحي المتقطع" الذي تفرضه الفيديوهات القصيرة، ومن ثم يترجم ذلك مباشرة إلى صعوبات في التعلم، وبهذا التشتت المعرفي الجماعي لم يعد الطفل قادراً على التركيز لأكثر من ثلاث دقائق متواصلة.
وأشار سامي إلى الأثر النفسي، من خلال وباء "المقارنة الاجتماعية"، فخوارزميات "إنستغرام" و"سناب شات" تغذي المراهقين (خصوصاً الفتيات) بصور معدلة (Filters) وحياة "مثالية" لمؤثرين، مما أدى إلى ارتفاع كبير، في معدلات القلق والاكتئاب، واضطراب "صورة الجسد".
ويرى المتخصص في مجال التخطيط أن الأثر السلوكي المتمثل في "الاستعجال العاطفي"، بالنظر إلى أن الفضاء الرقمي يعلم الأطفال رد الفعل الفوري بدلاً من التفكير النقدي، وعليه، نشاهد أطفالاً أكثر عدوانية، وأقل صبراً وقدرة على الحوار العقلاني، فـ "البلوك" و"السب" من أدوات التواصل الافتراضية عند أول اختلاف.
ولفت المتحدث إلى الأثر القيمي المتعلق بـ "سيولة الهوية"، باعتبار أن انفصال الطفل عن مرجعيته الثقافية (المغربية والإسلامية والأمازيغية) لمصلحة "هوية رقمية عالمية" هشة، تسيطر عليها "الترندات" العابرة، ومن ثم هذا يخلق اغتراباً داخل الأسرة الواحدة.
يعد المغرب من الدول ذات الاستخدام الكبير للإنترنت، وهو ما يوسع مجال احتمال تعرض الأطفال لمساوئ المنصات الرقمية، في ظل تراجع الرقابة عليهم، حيث وصل عدد مستخدمي الشبكة 35.5 مليون شخص، أي ما يعادل 92.2 في المئة من إجمالي عدد السكان، في حين بلغ عدد السكان النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى 22.8 مليون مستخدم، أي ما يقرب 59.1 في المئة من مجموع السكان، بحسب تقرير حديث لمنصة (Data Reportal) المتخصصة في تحليل البيانات الرقمية.
من جانبها، كشفت شركة "كاسبيرسكي" المتخصصة في مجال الأمن الرقمي في دراسة لعام 2022 أن 90 في المئة من الأطفال بالمغرب يستعملون الهواتف الذكية، وأن ثلثهم تعرض للتنمر عبر الوسائط الإلكترونية، وأن تسعة في المئة من الآباء المستجوبين أكدوا اطلاع أبنائهم على محتوى جنسي صادم خلال تصفحهم لمحتوى رقمي.
وأكد الباحث في الأنظمة الرقمية والتقنية، أن المعطيات تشير إلى أن وصول الأطفال المغاربة إلى الإنترنت أصبح شبه شامل، إذ أضحى الهاتف الذكي الرفيق الدائم لغالبية الفئات الناشئة، وغالباً ما يتم الولوج إلى منصات مثل "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" في سن مبكرة، في المقابل تبقى الرقابة الأبوية محدودة سواء بسبب ضعف الوعي بالأخطار، أو بسبب صعوبة متابعة الأنشطة الرقمية للأبناء، في ظل الاستخدام المتواصل والمتنقل للأجهزة، أما الرقابة الإلكترونية فهي بدورها غير متقدمة بما يكفي، بحيث لا تعتمد الأسر على أدوات التحكم المتاحة، ولا توفر شركات الاتصالات حلولاً فعالة بالقدر الموجود في تجارب دولية أخرى، كما أن المؤسسات التعليمية لم تدمج بعد ثقافة السلامة الرقمية ضمن برامجها، مما يجعل الأطفال يدخلون الفضاء الرقمي من دون تكوين معرفي يحصنهم من أخطاره.
يوضح المتخصص في مجال التخطيط أمين سامي، أن ما يثير المخاوف يتجاوز ما هو معلن (العنف، الإباحية)، بل إن الأخطار والتحديات تلامس بنية المجتمع المغربي وخصوصياته، وفي هذا الصدد نجد تآكل "الوساطة الأبوية"، بحيث اعتبرت الأسرة والمدرسة تاريخياً بـ "حارس البوابة" (Gatekeeper) للمعرفة والقيم، مشيراً إلى أن الفضاء الرقمي حالياً (خصوصاً الهاتف الذكي الفردي) ألغى هذه الوساطة، ومن ثم سمح الوضع بوجود "سلطة خوارزمية" موازية لسلطة الأبوين، يضاف إلى ذلك فجوة "الدارجة" التقنية، باعتبار أن أنظمة الرصد والإشراف الآلي (AI Moderation) لدى المنصات العملاق ضعيفة جداً في فهم "الدارجة" المغربية واللهجات الأمازيغية، بالتالي فإن المحتوى الأكثر خطورة (التنمر، والتحرش، وخطاب الكراهية، وتجارة المخدرات) يمر بصورة غير مكشوفة، لأنه ينشر باللغة العامية التي لا تفهمها الخوارزميات المدربة في الأقل على اللغة العربية الفصحى.
ويضيف المتخصص المغربي إلى ذلك التطبيع مع "ثقافة الفضيحة" بحيث إن المحتوى الرائج بالمغرب يعلم الأطفال أن الخصوصية أصبحت سلعة، وأن الوصول إلى الشهرة يمكن أن يحقق عبر السمعة السيئة، ومن ثم هذا يدمر مفاهيم الاحترام والخصوصية لدى الأطفال.