الباعة الجائلون في المغرب.. اقتصاد الظل بين واقع الحاجة ورهانات الإدماج
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
جواز الشباب .. مبادرة طموحة تواجه تحديات التوزيع والعدالة المجاليةتكتظ الأرصفة والأزقة في معظم المدن المغربية بعربات البيع، حيث يتخذ مئات الآلاف من الباعة الجائلين من الفضاء العام ملاذا لتأمين معاشهم اليومي. ويعكس هذا المشهد المتنامي تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة، ويطرح في الوقت ذاته تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة السياسات العمومية على استيعاب هذه الشريحة الواسعة ضمن منظومة الاقتصاد المهيكل.
وقد تنامت هذه الظاهرة بشكل لافت في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا وما خلفته من ارتفاع في معدلات البطالة وإغلاق للعديد من المقاولات الصغرى. ودفع هذا الوضع فئات متعددة، من شباب وعمال سابقين وحتى متقاعدين، إلى امتهان البيع العشوائي كوسيلة شبه وحيدة لكسب قوتهم اليومي.
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أمين سامي أن "البرنامج الوطني لتنظيم التجارة غير النظامية"، الذي تشرف عليه وزارة الصناعة والتجارة بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يعد مبادرة استراتيجية تهدف إلى تحويل هذا النشاط إلى جزء من الاقتصاد الرسمي بما يسهم في إنعاش الدورة الاقتصادية. وأوضح أن البرنامج مكن حتى الآن من دمج أزيد من 86 ألف بائع جائل من أصل 124 ألفا تم تسجيلهم، بنسبة تغطية بلغت حوالي 69%، معتبرا أنها نسبة إيجابية لكنها تتطلب جهودا إضافية لتحقيق الإدماج الكامل.
وكان وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، قد اعترف في تصريحات سابقة بأن الجهود المبذولة لم تحقق بعد النتائج المرجوة. وأشار الوزير إلى أن تقييمات ميدانية صادرة عن وزارة الداخلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كشفت عن معيقات حالت دون ذلك، من بينها صعوبة توفير العقارات المناسبة، وضعف تجاوب بعض المستفيدين، بالإضافة إلى كون عدد الباعة الفعلي على الأرض يفوق الإحصائيات الأولية، مما أثر سلبا على فعالية البرامج المعتمدة.
ويعزو الخبير الاقتصادي أمين سامي استفحال الظاهرة إلى عوامل بنيوية مركبة، على رأسها الأسباب الاجتماعية المرتبطة بموجات الهجرة القروية نحو المدن، والتي تفاقمت بسبب فترات الجفاف المتكررة وتأثيرات التغير المناخي. ويدفع هذا الواقع أعدادا كبيرة من محدودي التكوين والمؤهلات إلى امتهان التجارة العشوائية كخيار اضطراري للاندماج في سوق الشغل الحضري.
ويترتب على انتشار هذا النشاط، بحسب الخبير ذاته، تداعيات اقتصادية واضحة، تتمثل في خلق منافسة غير متكافئة مع التجار النظاميين الذين يؤدون الضرائب والرسوم، مما يلحق خسائر مباشرة بعائدات الدولة الجبائية. يضاف إلى ذلك تداعيات اجتماعية وحضرية أخرى، من قبيل الاكتظاظ في الشوارع، وتعطيل حركة المرور، وتدهور شروط النظافة والسلامة، فضلا عن المخاطر الصحية التي تهدد المستهلكين نتيجة غياب المراقبة على جودة السلع المعروضة.
ولمعالجة هذه الإشكاليات، يشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة اعتماد مقاربة مندمجة تقوم على ثلاثية "التنظيم، والتشغيل، والتمكين". ويقترح في هذا الإطار إحداث أسواق للقرب تراعي الكثافة التجارية والقدرة الشرائية، مع إشراك الباعة أنفسهم في تحديد مواقعها وخطط تنظيمها. كما دعا إلى تبسيط إجراءات الانخراط في الاقتصاد الرسمي عبر تسهيل الحصول على صفة "المقاول الذاتي" وتخفيض الرسوم المرتبطة بها.
وفي السياق نفسه، أوصى بتقوية آليات التمويل والتكوين، عبر إبرام شراكات لإطلاق "قرض البائع الجائل" بشروط مخففة، وتنظيم دورات تدريبية في المحاسبة البسيطة والتسويق الرقمي. وأشار إلى أهمية توظيف الرقمنة لتطوير منصات إلكترونية تربط الباعة بالأسواق الرقمية، مما يوسع قاعدة زبائنهم. وختم الخبير مقترحاته بالدعوة إلى إطلاق مشاريع تجريبية نموذجية في المدن الكبرى لتقييم أثر هذه الحلول قبل تعميمها، مع ضرورة توظيف البيانات المفتوحة وتعزيز الشراكة مع مراكز البحث العلمي لتطوير آليات تدخل مبنية على المعطيات الدقيقة.