اخبار المغرب

الأيام ٢٤

منوعات

منظمة حقوق الإنسان تنتقد الوصاية والإقصاء في قانون "مجلس الصحافة"‏

منظمة حقوق الإنسان تنتقد الوصاية والإقصاء في قانون "مجلس الصحافة"‏

klyoum.com

‏ في خطوة تعكس عمق الجدل القائم حول مستقبل الإعلام في المغرب، أصدرت المنظمة ‏المغربية لحقوق الإنسان مذكرة نقدية بشأن مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة ‏تنظيم المجلس الوطني للصحافة.

المذكرة لم تكن مجرد ملاحظات تقنية، بل حملت رؤية ‏شمولية تؤكد أن الرهان يتجاوز بنية المجلس إلى جوهر العلاقة بين الدولة والسلطة ‏الرابعة، بين منطق الوصاية ومنطق الاستقلالية، وبين التنظيم الذاتي كآلية لترسيخ ‏أخلاقيات المهنة وبين الخشية من تحويله إلى جهاز عقابي إضافي.‏

منذ إنشائه، وُجد المجلس الوطني للصحافة ليجسد تجربة فريدة في العالم العربي تقوم على ‏فكرة التنظيم الذاتي، أي أن الصحافيين أنفسهم، مع الناشرين وممثلي المهنة، يتولون ضبط ‏القواعد الأخلاقية والسلوكية بعيدا عن سلطة الحكومة. غير أن المشروع الجديد، كما ترى ‏المنظمة، يهدد هذا التوازن الهش ويعيد فتح الباب أمام أشكال من الوصاية والإقصاء.‏

أولى الملاحظات التي أثارتها المنظمة تتعلق بما سمته اختلال العدالة التمثيلية داخل ‏المجلس. فالمشروع يمنح الناشرين ثقلا أكبر على حساب الصحافيين المهنيين، ويستبدل ‏منطق الانتخاب بمبدأ الانتداب بالنسبة لتمثيلية الناشرين، وهو ما يتعارض مع فلسفة ‏الاستقلالية والشرعية الديمقراطية.

كما سجلت تراجع المشروع عن مبدأ المناصفة ‏الدستورية بين النساء والرجال، بل وأقصى ممثلي المجتمع المدني، ليجعل من المجلس ‏فضاء مغلقا على الناشرين وبعض الصحافيين، بدل أن يكون بيتا يعكس تعددية المجتمع ‏وقواه الحية. المنظمة طالبت بإعادة التوازن داخل المجلس، وضمان مشاركة المجتمع ‏المدني، وتفعيل المناصفة لا باعتبارها شعارا سياسيا بل التزاما دستوريا.‏

النقطة الثانية التي فجرت جدلا أوسع تتعلق بـ استقلالية المجلس عن الحكومة. فالمشروع ‏نص على حضور مندوب تعينه السلطة التنفيذية داخل المجلس، وهو ما اعتبرته المنظمة ‏مؤشرا خطيرا على إمكانية التدخل في قراراته أو فرض رقابة سياسية غير مباشرة.

في ‏نظر المنظمة، إذا كان الهدف هو التنسيق، فإن ذلك من صميم اختصاص رئيس المجلس أو ‏لجانه الداخلية، ولا حاجة لزرع ممثل للسلطة التنفيذية في مؤسسة من المفترض أن تكون ‏مستقلة.‏

أما في ما يخص صلاحيات المجلس، فقد ركزت المنظمة على خطورة ما وصفته بـ الطابع ‏الزجري للعقوبات المنصوص عليها، وعلى رأسها سحب بطاقة الصحافة المهنية لفترات قد ‏تمتد لسنوات.

هذا الإجراء، برأيها، يتجاوز فكرة التنظيم الذاتي ويجعل من المجلس سلطة ‏شبه قضائية دون ضمانات المحاكمة العادلة أو حق الدفاع. فالمجلس ينبغي أن يظل هيئة ‏ذات سلطة معنوية وأخلاقية، تشتغل على الوساطة والتحكيم وتطوير أخلاقيات المهنة عبر ‏التكوين والتوجيه، بينما يظل القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة قانونا لإصدار العقوبات ‏الثقيلة.‏

المذكرة لم تقتصر على النقد، بل قدمت اقتراحات عملية، من بينها ضرورة نشر تقارير ‏المجلس بشكل علني وإحالتها على البرلمان بدل الاكتفاء برفعها إلى الحكومة، وذلك حتى ‏يخضع المجلس نفسه للمساءلة أمام الرأي العام، ويُنظر إليه كهيئة شفافة لا كجهاز إداري ‏مغلق.

كما دعت إلى فتح نقاش وطني أوسع يشارك فيه الصحافيون وممثلو هيئاتهم المهنية ‏والمجتمع المدني قبل المصادقة النهائية على القانون، حتى لا يتحول الأمر إلى تعديل فوقي ‏يفتقد الشرعية التوافقية.‏

في الجوهر، تكشف هذه المذكرة أن المعركة ليست تقنية فقط، بل سياسية وحقوقية بامتياز. ‏فهي تتعلق بتحديد طبيعة المجلس الوطني للصحافة، هل هو هيئة مستقلة تعزز حرية ‏التعبير وتحصن المهنة من التجاوزات، أم مجرد أداة تنظيمية تخضع لتأثيرات السلطة ‏التنفيذية؟

المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وضعت إصبعها على الجرح حين نبهت إلى أن أي ‏إصلاح للمجلس لا بد أن ينطلق من مرجعيات دستورية واضحة، وعلى رأسها الفصل 28 ‏من الدستور الذي يضمن حرية الصحافة، وكذلك التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق ‏الإنسان وحرية التعبير.

والرهان اليوم، كما ترى المنظمة، هو أن يثبت المغرب أن خياره ‏في ترسيخ إعلام مستقل ومهني ليس مجرد شعارات، بل التزام مؤسساتي يترجم في ‏النصوص والممارسات.‏

في المحصلة، تضع المذكرة البرلمان والحكومة أمام مسؤولية جسيمة، فإما أن يكون ‏القانون الجديد خطوة إلى الأمام تعزز استقلالية الإعلام وتكرس التنظيم الذاتي، وإما أن ‏يتحول إلى تراجع يضعف التجربة المغربية ويعيد النقاش إلى نقطة الصفر. وبين الخيارين، ‏يظل صوت الصحافيين وممثليهم، ومعهم المجتمع المدني، حاسما في تقرير مصير هذه ‏المؤسسة المفصلية.‏

*المصدر: الأيام ٢٤ | alayam24.com
اخبار المغرب على مدار الساعة