مشاهد غير تربوية.. "عيوش" يخلق الجدل بمؤسسات الريادة
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
محاكمة بودريقة.. دفاعه: أياد خفية وراء أزمته وهو ضحية كورونا وليس نصاباشهدت التكوينات المخصصة لتنزيل الأنشطة الموازية في إعداديات الريادة بالمغرب موجة من الجدل والاعتراضات، إثر إدراج برامج تتضمن عرض أفلام سينمائية تحمل مشاهد اعتبرت "غير تربوية" ولا تتماشى مع القيم الأخلاقية التي ينبغي أن تسود في مؤسسات التعليم بالمغرب. وقد خُصص التكوين الأخير لإعداد الأساتذة الذين تم انتقاؤهم لتنفيذ أنشطة التفتح العلمي، والثقافة المقاولاتية، والمسرح، والسمعي البصري، غير أن القسم المتعلق بالسينما أثار توترا واضحا بين المشاركين بسبب نوعية الأفلام المقترحة للعرض في المؤسسات التعليمية.
وبحسب مصادر جريدة "العمق"، فقد تفاجأ المشاركون في اليوم الأول من التكوين، بوجود قائمة من الأفلام التي ستُعرض على التلاميذ، تضم عناوين اعتبرت غير ملائمة للفئة العمرية المستهدفة، من بينها أفلام تشتمل على مشاهد قد تخدش الحياء، مثل فيلم "كيد النساء"، وأفلام أخرى اعتبرها الأساتذة لا تخدم الأهداف التربوية، مثل "البحث عن زوج امرأتي" و"علي صوتك" للمخرج نبيل عيوش. وقد أدى هذا المحتوى إلى احتجاجات بين المشاركين، حيث انسحب بعضهم من الورشة تعبيرا عن رفضهم لهذا النوع من المحتوى، واعتبروا أن هذه الأفلام تشجع على الميوعة بدل تحفيز الفكر النقدي لدى المراهقين الذين يفتقرون بعد إلى النضج المعرفي والعاطفي.
وتصاعدت حدة النقاش في الورشة، مما استدعى تدخلا من ممثلي الأكاديمية، خاصة في أكادير، الذين أكدوا على أهمية "الانفتاح على الفنون" وعدم "فرض الوصاية" على الأذواق المختلفة. وقد انقسمت الآراء بين المكونين وممثلي الوزارة، حيث أشار بعضهم إلى أن للأساتذة حرية التصرف في اختيار الأفلام الملائمة للمؤسسة، بينما أكد آخرون على ضرورة الالتزام بالدليل المعتمد من طرف الوزارة، كونه نتاج لجنة مختصة.
وبحسب مصادر من الوزارة فإن هذه التكوينات التي تنفذ بشراكة مع جمعية "علي زوا" تأتي في إطار أجرأة مقتضيات خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022-2026 "من أجل مدرسة عمومية ذات جودة، وخاصة البرنامج الثالث المتعلق بإعداديات الريادة والبرنامج الرابع المتعلق بالأنشطة الموازية، الذي يهدف إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق 2022-2026، ولاسيما الهدف الثاني المتعلق بـ"تعزيز التفتح والمواطنة" من خلال تعزيز وتنويع عرض الأنشطة الموازية بإعداديات الريادة والارتقاء بجودتها بما يتلاءم مع مؤهلات وميولات المتعلمات والمتعلمين.
وتضم لائحة الأفلام المختارة مجموعة من الأعمال السينمائية، بما في ذلك فيلم "إيكاروس الفتى الذي طار قريبًا جدًا من الشمس" لكارلوس فوجيل، و"ميكا" لإسماعيل فروخي، و"كيد النسا" لفريدة بليزيد. كما تشمل اللائحة أيضًا فيلم "علي صوتك" لنبيل عيوش، و*"البحث عن زوج امرأتي"* لمحمد عبدالرحمان التازي، بالإضافة إلى فيلم "الطفل" لتشارلي شابلن، و*"أين منزل صديقي"* لعباس كيارستمي.
المدرسة مجال للتربية على المشترك
وحول هذه المبادرة، قال رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، نورالدين عكوري، إنه لا علم له بهذه الأفلام وبالطريقة التي سيتم إدراجها ضمن الأنشطة الموازية للمتعلمين، مشيرا إلى أن الفيدرالية تشدد على ضرورة أن تكون هذه الانتاجات السينمائية التي ينتظر أن يشاهدها أبناء المغاربة مراعية لما سماها بـ"تمغربيت".
من جانبه أوضح رئيس مؤسسة "أماكن" لجود التعليم، عبدالناصر ناجي، أنه إلى جانب الرهانات الوطنية تخضع التربية الفنية والثقافية إلى رهانات دولية تتجسد في الاتفاقات والمعاهدات التي توجه السياسات في هذا المجال. وتلعب اليونسكو دورا محوريا في هذا الصدد وقد أشرفت هذه السنة على توقيع أعضائها على الإطار المرجعي للتربية الثقافية والفنية. هذه الوثيقة تعرف الثقافة بأنها "مجموعة السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة التي يتميز بها مجتمع أو فئة اجتماعية" والتي تشمل، بالإضافة إلى الفنون والآداب، أنماط الحياة، حقوق الإنسان الأساسية وأنظمة القيم والتقاليد والمعتقدات."
وقال إن الثقافة بهذا المعنى الشامل يمكن أن يتم للتعبير عنها من خلال الكلمة، والصوت، والصورة، والحركة، والآثار والأشياء، وجميع أنواع الوسائط الرقمية، والمعارف التقليدية. وأضاف ان هذا المفهوم النسقي والشامل للثقافة الذي يضم الفنون أيضا يحتم بالضرورة أن يتم التفكير في إدماجها في التعليم أيضا ضمن منظور نسقي وشامل يندرج ضمن تدبير وطني مؤسساتي يتيح مشاركة جميع الأطراف المعنية للخروج بوثيقة وطنية مرجعية تحظى بتوافق واسع بين مختلف الأطياف الثقافية.
في المقابل، قال الخبير التربوي ذاته إن اختزال الثقافة في المدرسة في رؤية منمطة للمجتمع أو تصور معين للتعبيرات الثقافية والفنية، أو استغلالها لتمرير أفكار شاذة أو لحسم صراع إديولوجي أو خلاف سياسي أو للتأثير في نقاش مجتمعي، فلن يساهم سوى في تعميق الهوة الثقافية بين أفراد المجتمع الواحد وتوفير شروط التنشئة الاجتماعية على التنافر والكراهية والعداء.
وقال إنه إذا كانت حرية الإبداع الفني تعطي الحق لكل التيارات الفكرية في التواجد في الساحة الثقافية فإن المدرسة ليست فضاء مفتوحا لكل من أراد الدخول إليه لأنها تبقى مجالا للتربية على المشترك والتشبع بالثقافة بما هي مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة للمجتمع المغربي.
أما الانفتاح على الثقافات الأخرى، يشير ناجي، فيتم بعد ضمان التحصين الثقافي الوطني ولا يتم حتى في الدول المتقدمة إلا في المراحل المتقدمة من التعليم وليس في التعليم الإلزامي. مشيرا إلى أن السماح لجمعيات ذات حمولات إيديولوجية معينة بالدخول إلى الفضاء المدرسي لنشر أفكارها يعد انتهاكا صارخا لأبسط الحقوق التربوية للمتعلم المغربي وعلى رأسها الحق في التربية على القيم المشتركة.
ليس على حساب ثقافة التلميذ
من جانبه، أشار الناقد السينمائي، مصطفى الطالب إلى الأهمية التربوية والفنية لمبادرة التربية الوطنية في حياة التلميذ، بالرغم من كونها جاءت متأخرة لأن إدماج الصورة بصفة عامة والسينما بصفة خاصة في الحياة المدرسية للتلميذ كان مطلب المربين والمختصين في التربية والفن ووسائل الاتصال، لكونها ضرورة سيما في القرن الواحد والعشرين قرن الثورة الرقمية والثورة المعلوماتية، والتي سبقتنا إليها الأمم المتقدمة وأثبتت نجاعتها في نمو شخصية التلميذ وتفتحها وانفتاحها على عالمه الخارجي.
وقال الطالب ضمن تصريح لجريدة "العمق" إن ما يزيد الطين بلة هو اقتصار هذه المبادرة على مؤسسات الريادة وعدم تعميمها على مؤسسات التعليم العمومي المغربي، وهو ما يعني حرمان الآلاف التلاميذ من تحقيق هدف "تعزيز التفتح والمواطنة" لدى المتعلمات والمتعلمين، فضلا عن كونها مبادرة تندرج في إطار الانشطة الموازية وليست حصة قائمة بذاتها، خاصة ما يعرف بالتربية على الصورة التي تعد مادة أساسية في تعليم البلدان المتقدمة كما مادة الفن. مما يعني أنها بالنسبة للتلميذ شيء ثانوي (أي خارج أوقات الدراسة) وليست مادة رئيسية. وهذا يمثل قصورا في رؤية وزارة التربية الوطنية، وفق تعبيره.
وتعليقا على نوعية الأفلام المقترحة، أوضح الطالب أن الأفلام تنقسم إلى قسمين، قسم بالفعل له بعده التربوي والقيمي والفني الذي يخدم شخصية التلميذ وانفتاحه على محيطه الخارجي ويتعلق الأمر بفيلم "ميكا" لاسماعيل فروخي والذي يعزز روح التحدي في الطفل لكي يحقق هدفه رغم الصعوبات المادية والاجتماعية، ونفس التوجه في فيلم "أين منزل صديقي" للمخرج المتميز عباس كياروستامي، وفيلم "الطفل" للمخرج والممثل العالمي شارلي شابلين رغم اختلاف البيئة الثقافية للفيلم، إلا أنه ضروري للتلميذ أن يعرف أيقونة السينما العالمية في بدايتها خاصة السينما الصامتة وبالأبيض والأسود، كما أن الفيلم وهو كوميدي يتطرق لتيمة الطفل وتأثير وسطه العائلي والاجتماعي عليه.
وأضاف المتحدث فيلم "البحث عن زوج امرأتي" لمحمد عبد الرحمان التازي وهو فيلم كوميدي يتطرق لموضوع تعدد الزوجات، ورغم أن الفيلم قيد يتجاوز إدارك وسن التلميذ فمزيته أنه ينطلق من الثقافة المغربية وخصوصيات المجتمع المغربي وكان من الأفلام التي صالحت الجمهور المغربي مع سينماه.
أما القسم الثاني، يضيف المتخصص في السينما، فلا أعتقد أنه يؤدي وظيفته التربوية بصفة عامة لعدة أسباب منها ما هو ثقافي محض وما هو متعلق بالفئة العمرية الموجه لها، ففيلم "إيكاروس الفتى الذي طار قريبا جدا من الشمس" (رسوم متحركة) يعتمد على الأساطير اليونانية وهي بعيدة جدا عن ثقافة التلميذ المغربي وتحمل قيما غير قيمه وتصورا للوجود يختلف عن تصور ثقافة التلميذ المغربي وهويته وقيمه، وفيلم "كيد النسا" لا علاقة له بالجانب التربوي ويتجاوز سن الطفل في الإعدادي وموضوعه أكبر من سنه حتى وإن كان ينهل من الثقافة الشعبية المغربية.
أما فيلم "علي صوتك" لنبيل عيوش فيبتعد عن اللغة السينمائية ليسقط في الخطابات المباشرة الحاملة لإديولوجية لا علاقة لها بثقافة التلميذ المغربي، كما أن الفيلم يطرح عدة مغالطات حول علاقة الدين بالفن وترويج صورة مشوهة عن الدين والمتدينين، بمعنى أنه موضوع مستهلك ومتجاوز، مما يخلق للتلميذ صراعا مع أحد مكونات حياته الاجتماعية والروحية ألا وهي الدين الذي يعد مصدرا لحياته ولوجوده ورؤيته للعالم. وبالتالي يفتقد للموضوعية ولمقومات العملية التربوية التي تراعي ثقافة التلميذ وتطرح عليه تساؤلات موضوعية لتنويره وتطوير شخصيته.
وشدد مصطفى الطالب ضمن حديثه على ضرورة إعادة الوزارة النظر في هذا القسم من الأفلام وتتقيد بالجانب التربوي بالأساس كما نرى ذلك في عدة أفلام اجنبية التي تراعي سن التلميذ وشخصيته وإدراكه وقيمه المنبثقة من مجتمعه ووسطه العائلي، معربا عن امله في أن تدرج الوزارة فيلما عن الأطفال الفلسطينيين الذين يقصفون بالقنابل والطائرات الإسرائيلية بهمجية ووحشية لا مثيل لها، خاصة أن الأطفال يشكلون النسبة الكبيرة من ضحايا الإبادة الجماعية التي تشنها آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، بحيث يحرمون من المستشفيات والمدارس وعائلاتهم وبيوتهم وأسس الحياة الكريمة، وفيلما عن الطفل الإفريقي ومعاناته اليومية من أجل الدراسة، عوض أن تختار أفلاما أخرى لا تفيد التلميذ المغربي في شيء وهو الذي ينتمي للقارة الإفريقية وإلى العالم العربي والإسلامي.