التصريح بالوفاة في المغرب.. مسطرة مرهقة تُضاعف ألم الفقد بين تعقيدات "المساطر" وبُطء الإدارة
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
ارتفاع مؤشر الخوف في وول ستريت بأكثر من 12في وقت تتسارع فيه الخطوات نحو رقمنة المرافق العمومية وتقريب الإدارة من المواطن، ما تزال عائلات كثيرة في المغرب تعيش وضعا مرهقا عند فقدان قريب، خاصة عندما يحدث الوفاة في مستشفى بعيد عن المدينة التي تقطن فيها الأسرة، فبدل أن تنصرف العائلة إلى واجب الحداد وتلقي العزاء، تجد نفسها مجبرة على التنقل لمسافات طويلة ومواجهة مساطر إدارية معقدة لإتمام إجراءات التصريح بالوفاة.
ويتكرر المشهد ذاته في عدد من الحالات، مريض يُنقل إلى مستشفى إقليمي أو جامعي يوجد على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات من مدينته الأصلية، وعندما تحل لحظة الوفاة، تكتشف العائلة أن التصريح بالوفاة يجب أن يتم لدى ضابط الحالة المدنية بمحل وقوع الوفاة، لا بمكان سكنه، ما يضعها أمام رحلة جديدة وإجراءات معقدة وطويلة تبدأ من المستشفى ولا تنتهي إلا بعد أيام أو أسابيع، وربما تصل إلى أروقة المحكمة، في حين تكون فيه العائلة تحت صدمة الفقد.
هذا الانفصال بين مكان الوفاة ومكان السكن يخلق إرباكا كبيرا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعائلات محدودة الإمكانيات أو من مناطق بعيدة، يجد أفرادها أنفسهم مضطرين للتنقل لإتمام إجراءات إدارية، وهو ما يناقض توجه المغرب نحو تبسيط المساطر ورقمنتها، وتقريب الإدارة من المواطن.
ومع ذلك، حتى بعد وصول الأسرة إلى مكتب الحالة المدنية واستكمالها لكل الوثائق المطلوبة، يجد العديد من المواطنين أنفسهم أمام إجراء إضافي يطيل زمن المعاناة، إذ تُطالب بعض المكاتب العائلات بترك الملف "للدراسة" والعودة في وقت لاحق لاستلام شهادة الوفاة أو وثيقة "التشطيب"، وهو ما يعني في كثير من الحالات القيام بزيارة ثانية قد تتطلب سفرا جديدا، خاصة بالنسبة للأسر القادمة من مناطق بعيدة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالتأجيل الذي يبدو في ظاهره خطوة إدارية بسيطة، يتحول في الواقع إلى عبء نفسي ومادي ثقيل، خصوصا في الأيام التي تكون فيها الأسرة غارقة في ترتيبات الدفن ومراسيم العزاء.
وفي السياق نفسه، يُجمع عدد كبير من المواطنين على أن ما يُعقّد الوضع أكثر هو كثرة الإجراءات الورقية المرتبطة بتسجيل الوفاة، فالمسطرة التي تبدو في بدايتها واضحة وسهلة قد تتخذ مسارا آخر بمجرد تجاوز الأجل القانوني أو عند نقص وثيقة بسيطة، لتتحول إلى سلسلة من التعقيدات غير المتوقعة.
وتنقل عائلات كثيرة شكاوى مشابهة، من بينها قول أحدهم: "غير باش ندير التصريح ديال الموت، دُزت المحكمة… ما فهمتش علاش وثيقة بحال هادي كتطلب هاد الطريق كامل".
وبالفعل، يجد الذين يضطرون إلى اللجوء للمحكمة أنفسهم داخل مسار مختلف تماما: إعداد ملف قضائي كامل، أداء الرسوم، انتظار موعد الجلسات، ثم العودة مجددا إلى مكتب الحالة المدنية لاستكمال التسجيل، وهي رحلة إضافية تُثقل كاهل الأسر التي تعيش أصلا تحت وطأة الحزن والصدمات التي تلي وفاة قريب.
ووفق القوانين الجاري بها العمل في المغرب، يعتبر التصريح بالوفاة إجراء إلزاميا لدى ضابط الحالة المدنية بمكان وقوع الوفاة، وفي أجل لا يتجاوز 30 يوما، وفي حال عدم احترام هذا الأجل، يصبح التصريح خاضعا لمسطرة قضائية عبر المحكمة المختصة.
كما تتراوح الغرامات المالية المرتبطة بعدم التصريح بالوفاة بين 300 و1200 درهم، وهو عبء إضافي قد يتحمله أهل المتوفى رغم ظروفهم النفسية الصعبة.
هذا الإطار القانوني الذي وُضع لضبط الحالة المدنية، يتحول في الواقع إلى عائق أمام عدد من الأسر التي تجد نفسها غير قادرة على احترام الأجل بسبب بعد المسافة أو الالتزامات المرتبطة بالدفن، أو بسبب عدم معرفتها بهذه المقتضيات.
ورغم توفر منصات رقمية ومشاريع لتحديث إدارة الحالة المدنية، إلا أن الواقع العملي يكشف أن المسطرة ما تزال ورقية تقليدية تقوم على النقل اليدوي للبيانات، المراجعة الورقية، وانتظار الموظفين، وغياب الربط المباشر بين المستشفيات ومكاتب الحالة المدنية، وهو ما يجعل الرقمنة في هذا المجال أقرب إلى تحسين شكلي لم يلامس جوهر المشكل.
وينادي حقوقيون وخبراء بضرورة إصلاح جذري للمسطرة، عبر السماح بالتصريح بالوفاة من أي مكتب حالة مدنية بالمغرب، وتمكين المستشفيات من إرسال التصاريح إلكترونيا، مع حذف إلزامية العودة المتكررة، واعتماد نظام موحد يراعي الظروف النفسية والإنسانية للأسر، هذا النوع من الإصلاح، بحسب المتابعين، لن يُبسط فقط الإجراءات، بل سيُعيد للمسطرة بعدها الإنساني المفقود.
والجدير بالذكر فالتصريح بالوفاة في المغرب ليس مجرد إجراء إداري، بل تجربة تكشف الكثير عن قدرة الإدارة على مواكبة التحول الرقمي واحترام كرامة المواطن، وبين النص القانوني الصارم وإجراءات مكاتب الحالة المدنية وتعقيد "المساطر"، تبقى الأسر في مواجهة مسطرة تُرهقها في أصعب لحظاتها، ويبقى السؤال : متى يصبح تسجيل وفاة مواطن مسطرة إنسانية سلسة تحترم مشاعر أهله ولا تزيد من آلامهم؟