المغرب يراهن على استثمارات واشنطن لكسب ملف الصحراء
klyoum.com
وجود المنشآت الأميركية في الصحراء يقيد العمليات القتالية والمناورات العسكرية الجزائرية قرب الحدود
الاعتراف السياسي الأميركي بسيادة المغرب على منطقة الصحراء تلاه "اعتراف اقتصادي" متمثل في إعلان تشجيع الاستثمارات الأميركية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما أفصح عنه أخيراً نائب وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر لانداو، ومستشار الرئيس الأميركي، مسعد بولس.
وفي وقت يبرر فيه الأميركيون خلفيات هذا القرار بكون "الأفق السياسي المفتوح والبيئة الاستثمارية المستقرة في المغرب يوفران أرضية خصبة لتعميق العلاقات الثنائية"، فإن محللين مغاربة يرصدون "مؤشراً إلى التحول في أدوات التأثير الدولي، حيث تتقاطع السياسة والاقتصاد في ما يمكن تسميته ـ"الدبلوماسية الاقتصادية التكتيكية".
وكان البيت الأبيض قد أعلن في الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) 2020 دعم "اقتراح الاستقلال الذاتي (الحكم الذاتي) الذي قدمه المغرب كأساس وحيد لحل عادل ودائم للصراع على أراضي الصحراء الغربية"، وأقر حينها دونالد ترمب بذلك بقوله "أعلن بموجب السلطة المنوطة بي أن الولايات المتحدة تعترف بأن كامل أراضي الصحراء الغربية هي جزء من المملكة المغربية".
جاء إعلان الحكومة الأميركية تشجيع شركات البلاد للقيام باستثمارات اقتصادية وتجارية في أراضي الصحراء على لسان مسؤولين أميركيين، الأول نائب وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر لانداو، والثاني مستشار ترمب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس.
وأبرز نائب وزير الخارجية الأميركي سياق هذا القرار المتعلق بتشجيع الشركات الأميركية الاستثمار في مناطق الصحراء بالمغرب، وقال إنه قرار حكومي يدخل في إطار "المبادرات العالمية لإدارة ترمب الرامية إلى النهوض بالدبلوماسية الاقتصادية والتجارية".
من جهة أخرى ربط المسؤول الأميركي التوجه الرسمي نحو ضخ الاستثمارات الأميركية في الصحراء المغربية بتعزيز العلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن والتنسيق مع المملكة بهدف "النهوض بالازدهار والسلم والاستقرار في المنطقة".
وفي سياق ذات صلة، وخلال لقاء جمعه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ، كشف مسعد بولس أن الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة تتعزز أكثر بخلق الشركات الأميركية لفرص الاستثمار في مختلف أرجاء المملكة، بما فيها أقاليم الصحراء.
وتبعاً لما ورد في حساب بولس على منصة "إكس"، فإن "التعاون بين المغرب وأميركا يمتد إلى مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية"، مسوغاً القرار المذكور بكون "الأفق السياسي المفتوح والبيئة الاستثمارية المستقرة في المغرب يوفران أرضية خصبة لتعميق العلاقات الثنائية".
يقول في هذا الصدد عبدالفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، إن مسألة الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء أصبحت واقعاً عملياً وبقوة القانون"، مورداً أن الاعتراف السياسي صار يقابله واقع استثماري واقتصادي بالصحراء".
ولفت الفاتحي إلى أن نجاح المغرب في تنفيذ التزامات الولايات المتحدة الأميركية ببنود اتفاق السلام هو اعتراف سياسي أعقبته استثمارات أميركية بالأقاليم الجنوبية، وهو ما يدل على وفاء واشنطن بكامل التعهدات، والسعي لإنهاء نزاع الصحراء على أساس مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد.
وتابع المحلل نفسه بأن تعزيز الاستثمارات الأميركية في الصحراء وتوسيع النطاق المجالي لاتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية لتشمل الأقاليم الجنوبية، يعني أن أميركا معنية بحماية استثماراتها في منطقة الصحراء".
وذهب الفاتحي إلى أن حماية المنشآت الأميركية في الصحراء يقيد العمليات القتالية التي تهدد بها "جبهة البوليساريو"، مردفاً أن "تكثيف الاستثمارات في قلب الصحراء يجعل من المناورات العسكرية الجزائرية قرب الحدود المغربية لعباً بالنار"، على حد قوله.
أما من وجهة نظر "جبهة البوليساريو" في شأن الاستثمارات الأميركية وحتى الأوروبية في الصحراء، فسبق لأبي بشرايا البشير، ممثل "جبهة البوليساريو" لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، أن اتهم المغرب باللجوء إلى "استعمال ورقة الاستثمارات الاقتصادية وتوريط شركات في نهب ثروات الشعب الصحراوي"، وفق تعبيره.
من جهته، أفاد هشام معتضد خبير استراتيجي في الشؤون السياسية والدولية، بأن إعلان نائب وزير الخارجية الأميركي حول تشجيع الاستثمارات في الصحراء المغربية ليس مجرد بادرة اقتصادية، بل هو مؤشر إلى التحول في أدوات التأثير الدولي، حيث تتقاطع السياسة والاقتصاد في ما يمكن تسميته ـ"الدبلوماسية الاقتصادية التكتيكية".
وأوضح معتضد أن الاستثمار الأميركي في الأقاليم الجنوبية للمغرب يتجاوز الجانب التجاري، ليصبح آلية ضغط واستقرار استراتيجي، "تستهدف تثبيت حقائق واقعية على الأرض وتعزيز السيادة المغربية بطريقة عملية ومرئية".
واستطرد المتحدث ذاته أن الدبلوماسية الاقتصادية تعمل كأداة مزدوجة، أولاً، تعزز المصالح الوطنية للمستثمرين الأميركيين من خلال فتح سوق جديدة ومستقرة، وهو ما يخلق روابط اقتصادية مباشرة بين القوى الكبرى والمملكة، وثانياً، تعمل هذه الاستثمارات على بناء ركيزة محلية قوية تنسجم مع السياسات المغربية، مما يحول المنطقة إلى نموذج تنموي وإقليمي يحتذى به.
وأكمل معتضد بالقول إن هذا النوع من "التثبيت الاقتصادي" يخلق واقعاً موازياً لنزاع الصحراء، حيث تصبح السيادة المغربية على الصحراء مدعومة ليس فقط بالاعتراف السياسي، بل بمشاريع ملموسة تؤثر في حياة السكان والبنية التحتية والاقتصاد المحلي.
أما من زاوية استراتيجية، يكمل معتضد، تعيد الدبلوماسية الاقتصادية تعريف مفهوم الحل السياسي التقليدي للنزاعات الإقليمية، إذ "بدلاً من الاكتفاء بالمفاوضات والمبادرات الدبلوماسية الصرفة، يوظف الاقتصاد كأداة لتعزيز الموقف الوطني"، مضيفاً أن "كل استثمار أميركي في الصحراء هو بمثابة تغطية واقعية للسيادة، ويجعل أي محاولة لتعقيد الوضع أو التشكيك في السيطرة أقل واقعية من الناحية العملية".
واسترسل المتخصص المغربي ذاته بأن "هذا النوع من التحرك يظهر نجاح الدبلوماسية المغربية، التي تستثمر في التقاء المصالح الاقتصادية الدولية مع مصالحها الجيوسياسية، مما يرفع كلفة أي معارضة خارجية على الصعيد الدولي".
ومضى قائلاً إن "لهذه الاستراتيجية بعداً تكتيكياً داخلياً ودولياً، فبالنسبة إلى البعد الداخلي تلعب الدبلوماسية الاقتصادية دوراً في خلق فرص اقتصادية تنموية مستدامة في المنطقة، مما يعزز الشرعية الوطنية ويحد من عوامل التوتر الداخلي"، وأما دولياً فتشارك واشنطن في ترسيخ هذه الشرعية بصورة عملية، وهو ما يعطي للمغرب ورقة قوة إضافية في أي نقاش سياسي أو تفاوضي حول الصحراء، من دون الدخول في صدام مباشر أو تصعيد دبلوماسي مع أطراف النزاع الأخرى.
وخلص معتضد إلى أن الدبلوماسية الاقتصادية والتجارية ليست بديلاً عن الحل السياسي، لكنها تشكل أداة استراتيجية مكرسة لخلق وقائع جديدة، مثل استثمارات ملموسة وحضور دولي وتعزيز التنمية وتثبيت سيادة الدولة على الأرض"، معتبراً أنها مثال على "النجاح الاستراتيجي التطبيقي في السياسة الخارجية، حيث تتلاقى الأهداف الاقتصادية والسياسية بطريقة مدروسة تجعل المنطقة أكثر استقراراً وأكثر توافقاً مع مصالح القوى الكبرى، وتخفض فرص تصعيد النزاع".