كيف يقضي البدو الرحل رمضان في صحراء المغرب؟
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
رئيس الأوراق المالية الأمريكية : قطاع العملات المشفرة تعرضت للقمعالمسجد لديهم بقعة أرضية مسيجة بحجارة يكون فيها المحراب واضحاً ومتجهاً نحو القبلة
يقف نفعي عبداتي، ستيني صحراوي قرب خيمته بمنطقة فم زكيد بإقليم طاطا في صحراء المغرب، ينتظر غروب الشمس إيذاناً بالإفطار رفقة أبنائه الثلاثة، بينما تنتصب وسط الخيمة مائدة رمضانية "غير مكتملة القوام" مثل غالب موائد الإفطار البسيطة للبدو الرحل في المغرب.
وأكبر تحد يواجه عبداتي مثل باقي البدو الرحل في المغرب، التغيرات المناخية التي تضطرهم إلى التنقل المستمر والبحث عن المراعي لماشيتهم التي تعد مورد رزقهم الرئيس، فيما تزداد المشقة أكثر خلال شهر رمضان.
خريطة الرحل
ولا توجد إحصاءات حديثة لعدد الرحل البدو في المغرب، غير أن بيانات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية تعنى بالإحصاءات) أفادت بأن عددهم عام 2014 (وقت الإحصاء العام للسكان) بلغ أكثر من 25 ألف شخص، بعد أن كان يناهز 68 ألفاً عام 2004.
ويتركز غالب البدو الرحل في المغرب بنسبة 95 في المئة داخل المناطق الشرقية والجنوبية للبلاد، لا سيما في جهات سوس وكلميم والعيون، فيما تشير البيانات الديموغرافية إلى أن 52 في المئة من الرحل ذكور و48 في المئة إناث، و36 في المئة تقل أعمارهم عن 15 سنة.
ويوجد الرحل في مناطق بعينها أكثر من غيرها بالمغرب، من قبيل طاطا وفم زكيد وزاكورة ومحاميد الغزلان، وفيها يتنقل الرحل بين الواحات على وجه الخصوص، ويوجدون في مضايق تودغى ودادس.
ويمكن عد منطقة أسا الزاك أحد أبرز معاقل الرحل البدو في المغرب والذين يعتمدون على تربية الإبل أكثر، ويتنقلون عبر أرجاء الصحراء وأيضاً في مناطق السمارة وبوجدور، وفي بعض مناطق درعة تافيلالت وفي الهضاب الشرقية.
وتتسم حياة البدو الرحل بشظف العيش عموماً لكنهم يمتازون بالتكيف مع هذه البيئة القاسية، حيث يستطيعون التنقل من مكان إلى آخر مصحوبين بأسرهم وماشيتهم بحثاً عن الكلأ والمراعي أينما وجدت.
ويقول الباحث في شؤون الصحراء والرحل بوزيد الغلى إن أهم تحد يواجه حياة الرحل هو التغيرات المناخية التي أبعدت غالب الرحل من الأماكن التي ألفوها"، مبرزاً أن "رحل الصحراء يقصدون أقصى الجنوب أو مناطق سوس وصولاً إلى وسط البلاد".
وتابع أن "هذا الواقع يغير من عادات الرحل البدو بحكم أنهم اعتادوا ارتياد أسواق معينة لشراء حاجاتهم في الجنوب، فيضطرون بسبب الجفاف وغياب الكلأ إلى التماس أسواق ومراع جديدة أيضاً".
"ابنة بيئتها"
وإذا كانت حياة الرحل والرعاة قاسية في سائر أشهر العام، بالنظر إلى طبيعة حياتهم اليومية التي تعتمد على "الرحيل" والتنقل من مكان إلى آخر، مقتفين آثار الكلأ والعلف للماشية، فإنه في شهر رمضان تكون الحياة أصعب وأمر، من دون أن تفتت من عضدهم وعزيمتهم على مواصلة الحياة والعيش.
الشيخ السيتني نفعي عبداتي يقول في هذا الصدد إنه في نهار رمضان يجلس مع أبنائه تارة، وتارة ينتظر وقت الإفطار بغروب الشمس رفقة جيرانه من الرحل من ذوي الخيام المتراصة جنباً إلى جنب في الامتداد الصحراوي الطبيعي.
وبمنأى عن ضجيج المدن يمكث عبداتي في خيمته الصغيرة المفعمة بالسكون والهدوء، والتي تؤوي أسرته طوال الشهر الفضيل، مفضلاً عدم التنقل أو الترحال إلى أي مكان آخر بسبب صعوبة هذا الأمر، بخلاف عدد من الرحل الذين يضطرون إلى الترحال مرات كثيرة خلال الشهر.
يقول شارحاً "في رمضان يصعب علي وعلى زوجتي وأبنائي التنقل بحكم تبعات الصيام والتعب والمشقة، لهذا نختار الاستقرار موقتاً خلال الشهر الكريم في خيمتنا بعد أن نكون اخترنا منطقة توفر لنا كميات كافية من الكلأ لماشيتنا خلال رمضان".
وأوضح أن مائدة الإفطار عنده كباقي جيرانه الرحل، مائدة بسيطة تعتمد على ما تجود به الطبيعة والماشية"، مورداً أن "مائدة إفطار رمضان عند الرحل ترتبط بحياتهم اليومية، وهي ابنة بيئتهم القاسية".
وأكمل المتحدث ذاته بأن المائدة الرمضانية للرحل لا تخلو خلال وجبة الإفطار من حساء الشعير والتمر وحليب الناقة أو الماعز بحسب المتوافر، قبل أن ينتقل الرجال إلى أداء صلاة التراويح قرب الخيام مستعينين بأضواء المصابيح الغازية.
تحديات نمط العيش
وإذا كانت التغيرات المناخية من جفاف وغيره تؤثر سلباً في حياة الرحل كما هو الشأن خلال أعوام متتالية، فإن نمط العيش بدوره يلعب دوراً مؤثراً في دينامية الحياة عند الرحل خصوصاً خلال شهر الصيام.
ويقول الباحث الصحراوي بوزيد الغلى إن نمط العيش المتمثل في "الرعي الترحالي" يضبط "مواقيت يوم الرحل، الذي يبدأ مع انشقاق الفجر في شهر رمضان إذ يتجهون بالمواشي نحو المراعي، والنساء يهتمن بأشغال الخيمة وإطعام صغار الماعز".
وأردف الغلى أن الرحل يعتمدون في عيشهم على ما تجود به الماشية من ألبان ولحوم، كما أنهم لا يتخلون أبداً عن التمور التي لا تكاد تخلو منها مائدة الرحل لأسباب اجتماعية، وأيضاً لرمزيتها في الدين الإسلامي.
ومضى الباحث قائلاً إن موائد إفطار الرحل لا تكون ممتلئة مثل موائد أهالي المدينة فالإفطار يكون في الغالب بالحساء واللبن، وفي السحور يتناولون البلغمان المعد من الشعير، والوجبة الرئيسة عبارة عن لحم وخضار.
وعن الصلوات في رمضان عند الرحل، يوضح الباحث ذاته أنها تتسم بغياب المساجد كما هي معروفة بصورتها العمرانية والجمالية في المدن، ذلك أن المسجد لديهم يكون عبارة عن بقعة أرضية مسيجة بحجارة، يكون فيها المحراب واضحاً متجهاً نحو القبلة.
ولفت الباحث عينه إلى أن "صلاة الجماعة في العشاء والتراويح تسقط عن الرحل البدو، لكونهم يعيشون متفرقين في الصحراء، من دون أن يعني هذا أن جميع الرحل لا يؤدون التراويح لغياب الجماعة"، لافتاً إلى أن "هناك اجتهادات فقهية تيسر مناسك الصلاة على البدو الرحل في الصحراء"، وفق تعبيره.