اخبار المغرب

العمق المغربي

منوعات

المدني يقدم  قراءة توفيقية للوثيقة الدستورية وينتقد شكلانية تدريس القانون الدستوري

المدني يقدم  قراءة توفيقية للوثيقة الدستورية وينتقد شكلانية تدريس القانون الدستوري

klyoum.com

انتقد أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسية، بجامعة محمد الخامس، محمد المدني الطابع الشكلاني والموسوعي الذي لا يزال مهيمنا على تدريس القانون الدستوري في الجامعات المغربية والفرنسية، والذي يتغافل عن الواقع السياسي والاجتماعي للنصوص، معتبرا أن التحليل الدستوري يظل منغلقا، في الغالب، على البعد المعياري للنصوص القانونية، ويقصي التفاعلات السياسية والاجتماعية التي أنتجتها أو تأثرت بها.

وبالنسبة لـ "المدني"، فإن المدرسة الواقعية الأمريكية تمثل نقطة تحول في هذا المجال، إذ تسعى إلى التمييز بين "الدستور في الكتب" و"الدستور في الواقع"، وتدعو إلى تفكيك القرارات القانونية ووضعها في سياقاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بدل الاكتفاء بقراءتها كأنها طلاسم قانونية يجب فك شيفرتها دون النظر إلى خلفياتها أو آثارها الفعلية.

وانتقد المدني المقاربات التي تركز على "دستور الجريدة الرسمية"، والتي تدرس النص بمنأى عن سياقه التاريخي. وأشار إلى أن هذا النوع من المقاربة يؤدي إلى قراءة تجزيئية وموسوعية، خصوصاً عند المقارنة مع دساتير أخرى مثل دستور الجمهورية الخامسة أو الدستور الإسباني. فالسياق، حسب تعبيره، هو المفتاح لفهم المقتضيات والمعاني التي وردت في الوثيقة.

وشدد المدني على أن سيرورة بناء المقتضيات الدستورية تُفهم من خلال دراسة دور الفاعلين السياسيين، واستراتيجياتهم في الدفاع عن بنود معينة، وردود الأفعال التي نتجت عن ذلك، وكذا التوافقات التي تمت سواء كانت معلنة أو ضمنية، معتبرا أن هذه العملية لا يمكن فصلها عن فهم التوازنات السياسية والاجتماعية التي أحاطت بمرحلة كتابة الدستور.

واعتبر المتحدث في محاضرة له بعنوان  "الدستور والممارسة السياسية في المغرب" ضمن لقاء ختامي للموسم الجامعي، والذي نظمه ماستر الدراسات الدستورية والسياسية والإدارية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي – السويسي، اليوم الخميس، (اعتبر) أن القضاء ليس محايدا وانه يلجا احيان إلى"نغزة خفيفة".

يرى أن دراسة الدستور لا يمكن أن تنفصل عن دراسة المحيط السياسي والاجتماعي، معتبراً أن الربط بين الدستور والممارسة السياسية يمثل توجهاً منهجياً أساسياً. وأوضح أن أي مقاربة علمية للنص الدستوري تستوجب بالضرورة فهم الوضعية السياسية التي أنتجته، وقراءة السياقات الاجتماعية والسياسية التي واكبته.

وأشار المدني إلى أن دستور 2011 هو نتاج لوضعية سياسية محددة، وهو كذلك حصيلة لأفعال وردود أفعال فاعلين سياسيين في تلك المرحلة. واعتبر أن الدستور يُعبر عن لحظة سياسية معينة، وأن استمراره أو تغييره مستقبلاً مرتبط بتغير تلك الوضعيات ومعها تفاعلات الفاعلين مع الوثيقة.

وأكد أن أطروحته تنطلق من منطق يفترض أن التفاعلات داخل الوضعيات السياسية هي التي تحكم مصير الدساتير، وأن السياق السياسي والاجتماعي هو المحدد الرئيسي لبقاء النص أو تجاوزه. فالدستور ليس كياناً مستقلاً، بل وثيقة تتفاعل مع محيطها وتُعاد قراءتها بحسب تحولات المرحلة.

وأوضح أن المنهج الذي يعتمده في دراسة الدستور المغربي يركز على السيرورات والديناميات السياسية، حيث يتم التعامل مع النص الدستوري باعتباره نتاجاً لهذه الديناميات، أو مفعولاً لها، ويسمح هذا التوجه، بحسب قوله، بإبراز النتائج الدستورية للصراعات بين فاعلين سياسيين واجتماعيين تختلف تصوراتهم حول القانون والدستور والسلطة، وخاصة في الفترة التي سبقت وأعقبت حراك فبراير 2011.

وأوضح  أن القراءة التوفيقة تتسم بعدة خصائص، أولها التعايش داخل النسق الدستوري الواحد بين عقليات ومقتضيات متنافرة، وثانيها ما أسماه “الترجمة” التي تمر بها القواعد والمؤسسات الدستورية الغربية عبر مصفاة اللغة العربية، لتنتقل من عالم قانوني إلى آخر، أما الخاصية الثالثة، فتتجلى في تغيير المعاني المركزية للدستورانية الديمقراطية، حيث يتم تبني مبادئ مثل فصل السلط بطريقة تخالف التصور الديمقراطي الكلاسيكي كما جاء به مونتسكيو أو كما نادت به حركة 20 فبراير.

في هذا السياق، سجل أن الفصل الأول من الدستور ينص على مبدأ فصل السلط، لكن عند تحليل الهندسة الدستورية يتضح أن الأمر يتعلق بفصل وظيفي فقهي يمنح صلاحيات واسعة لسلطة تنفيذية قوية، في حين أن الهدف من الفصل في السياقات الديمقراطية هو تقييد السلطة ومنع الاستبداد، وليس فقط تنظيمها.

وأضاف المدني أن الخاصية الرابعة تتمثل في إعادة صياغة أدوات ومبادئ التدبير العمومي الجديد، مثل الحكامة الجيدة، ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتخليق، هذه الأدوات، بحسب وصفه، تُقحم في النص الدستوري لسنة 2011 لخلق توازن بين عقيدتين متضادتين: الأولى سياسية تستند إلى شرعية صناديق الاقتراع، والثانية تدبيرية تعتبر الأغلبية السياسية خطراً محتملاً على النظام، وتُعلي من شأن الأخلاق والمحاسبة. وتُترجم هذه العقيدة إلى مؤسسات وهيئات تنافس الحكومة، وتتماهى في منطقها مع توجهات بعض الوكالات الدولية، دون الأخذ بسياقها المحلي.

وفي سياق حديثه عن الخاصية الرابعة، توقف المدني عند مسألة "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، معتبراً أنه من غير الواضح المقصود بها في النص الدستوري، إذ لا تشير بوضوح إلى المسؤولية السياسية للحاكمين من الدرجة الأولى، أن هذا المفهوم طُرح خلال المرحلة التأسيسية للدستور كبديل للمحاسبة السياسية أو الجنائية.

كما أشار في ذات السياق ، إلى أن القضاء الدستوري أصبح أداة محورية ضمن آليات البرلمانية المعقلنة، وهي ممارسات تهدف إلى ترسيخ هيمنة السلطة التنفيذية على التشريعية، خاصة في ظل تطور المشهد الانتخابي بالمغرب، مشيرا  أن تعزيز قوة القضاء أصبح ظاهرة عالمية، لكنه في النظم الديمقراطية يستند إلى تقاليد راسخة واستقلال فعلي.

وختم المدني مداخلته بالتأكيد على أن مآل الدستور مرتبط بالسياقات السياسية المتغيرة، وأن هذا الدستور هو نتاج لتفاعلات وصراعات فاعلين سياسيين في مرحلة معينة، ونتيجة لتوافقات صريحة أو ضمنية، وأن مستقبله رهين بتحول الوضعيات السياسية وتغير الانتظارات المجتمعية.

*المصدر: العمق المغربي | al3omk.com
اخبار المغرب على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com