تعديلات المسطرة الجنائية.. هل تطاول اعمارة وبوعياش وبنعليلو على الحكومة في التشريع؟
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
شظايا زجاج في توت مغربي تثير إنذارا في أوروبا وهولندا تسحب الشحنةأكد زهير غازلي، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان لم يتطاولا على الحكومة في التشريع فيما يخص مشروع قانون رقم 03.23 المتعلق بالمسطرة الجنائية، معتبرا أن المجلسين كان بصدد ممارسة وظيفتهما المقررة قانونا واستجابة لطلب مجلس النواب لإبداء رأييهما في مشروع القانون.
يأتي ذلك في وقت رفض فيه وزير العدل الآراء الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها، بشأن مشروع قانون المسطرة الجنائية المحال على أنظار البرلمان، وهي الأراء التي وجهت انتقادات شديدة للتعديلات المقترحة على المشروع خاصة المادة 3 المتعلقة بمكافحة الجرائم الماسة بالمال العام وآليات المساءلة.
وتساءل وهبي، "تعالوا نتكلم عن المؤسسات الدستورية ما هي حدود سلطة المؤسسات الدستورية في تعامل مع النص التشريعي؟ هل لهم الحق أن يقولوا أن هذا الفصل يجب أن يتغير؟ أن يشاركو في التشريع؟ هل لهم الحق أن يوجهوا البرلمان كسلطة تشريعية في مجال التعامل مع النص؟ أم أن المؤسسات الدستورية في المغرب يجب أن تعرف حدود دورها”؟
وأوضح غازلي في مقال رأي خص به جريدة "العمق"، أن مؤسسات وهيئات الحكامة توجد على نفس المسافة من الحكومة والبرلمان. فهي ليست تحت وصاية الحكومة كما أنه لا تعارضها. وهي تقف إلى جانب البرلمان من خلال تقديم الخبرة والتخصص التي يفتقر إليهما في مواجهة الحكومة، مما من شأنه خلق نوع من التوازن بين الحكومة والبرلمان.
وفيما يخص حدود وظيفتها الاستشارية أكد على أنها غير ملزمة ولا تتجاوز الطابع الاستشاري، غير أنه بالمقابل، فالخصوصية التي تتميز بها هذه المؤسسات من حيث طابع تشكيلتها الجماعية والمتعددة، التي تضم في أعضائها أشخاصا متخصصين في مجال اشتغال هذه الهيئات. إضافة إلى توفرها على صلاحية التحقيق والتقصي، واعتمادها في عملها على إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين في مختلف القطاعات التي لها علاقة بمجال اشتغالها، تمنح التوصيات والمقترحات والآراء الاستشارية التي تصدرها فعالية ومصداقية وقوة تأثير معنوي. وهو ما يحرج الحكومة عند عدم الأخذ بهذه المقترحات، ويجعلها مطالبة بتبرير عدم تفاعلها معها.
وفيما يلي نص المقال:
مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية: هل تطاولت مؤسسات وهيئات الحكامة على الحكومة في التشريع؟
لقد كان من اللافت في كلمة السيد وزير العدل والتشريع، في اليوم الدراسي المنظم من قبل الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية حول مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية بتاريخ 25 أبريل 2025، ما جاء فيها، وبلغة فيها الكثير من الانتقاد وعدم القبول، بأن على مؤسسات وهيئات الحكامة أن تفهم بأنها لا تملك أي سلطة تشريعية ولا تشارك في عملية صناعة التشريع، وبأن البرلمان هو وحده من يملك هذه السلطة. وبأن وظيفتها لا تتجاوز مجرد إبداء الآراء الاستشارية".
وفي جواب ضمني على السيد وزير العدل، أكد السيد محمد الصبار، الأمين العام السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على أن توصيات مؤسسات وهيئات الحكامة "ملزمة للحكومة على المستوى المعنوي"، "وبأن التوجه العام في الأنظمة المقارنة هو تفاعل الحكومات مع هذه التوصيات".
هذا التدافع كان في سياق التفاعل مع رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع القانون المذكور أعلاه. واللذان لم يسايرا توجه الحكومة في العديد من المقترحات التشريعية الواردة في نص مشروع القانون، وذلك على غرار: تقييد انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الزجرية (المادة 3). وهو المقتضى الذي أكد السيد الوزير، خلال المناقشة التفصيلية لمواد المشروع داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بأنه متشبث به ولن يقبل أي تعديل له.
هذه الواقعة تأتي في سياق تزايد التوتر الذي أضحى جليا بين الحكومة ومؤسسات وهيئات الحكومة. فقد سبق للسيد رئيس الحكومة، خلال مناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة بمجلس المستشارين أن انتقد مضامين تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول وضعية الشباب، والذي رصد وجود 4.3 ملايين شاب مغربي لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين، حيث عبر السيد رئيس الحكومة بالقول: "أتمنى أن تكون ظرفية طرح هذا التقرير عادية بالتزامن مع تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة، وإلا سيكون ذلك إشكالية تطرح في المؤسسات الدستورية".
وقبل ذلك، وخلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 داخل مجلس المستشارين، وتفاعلا مع التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها الذي وقف عن ضعف نتائج العمل الحكومي في مجال محاربة الفساد وارتفاع منسوب الفساد بمؤسسات الدولة. وتقدير كلفة الفساد ب 50 مليار درهم. وجه السيد المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية دعوة إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة من أجل تقديم تفاصيل دقيقة لهذا الرقم.
كما سبق للسيد محمد أوجار، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحراء، خلال لقاء مع مؤسسة الفقيه التطواني بتاريخ 11 نونبر 2024، أن عبر عن استيائه من سيطرة ما وصفه "تيار واحد" على رئاسة كل مؤسسات الحكامة، واعتبر أنها في لحظة تعارض وصدام مع الحكومة".
وكل هذا التوتر جعل مؤسسات وهيئات تبدو وكأنه في معارضة للحكومة وعلى اختلاف معها في توجهاتها التشريعية وسياساتها العمومية.
والواقع أن كل هذا التوتر يحيلنا إلى الإشكالات القانونية التي أثارتها دسترة مؤسسات وهيئات الحكامة، ففي تحليل لهذه الدسترة، اعتبر أستاذنا القدير السي بنيونس المرزوقي، تغمده الله بواسع رحمته، أن الوثيقة الدستورية أسست لهندسة جديدة لتفويت صنع السياسات العمومية من الحكومة إلى الهيئات الاستشارية، وبأن مجال عمل الحكومة أصبح ضيقا في مواجهة اختصاص هذه الهيئات الذي يتجاوز الطابع الاستشاري، ومما يزيد في تضييقه وجود العديد من المؤسسات الاستشارية القوية.
وضمن نفس التوجه اعتبر الأستاذ حسن طارق بأن تدبير العلاقة القانونية التي تربد البرلمان بمؤسسات وهيئات الحكامة مرتبط بشكل أساسي بكيفية تدبير تدافع نوعين من الشرعية: شرعية التمثيل الديمقراطي وشرعية المؤسسات الوطنية المبنية على سلطة الاستشارة وفكرة الديمقراطية التشاركية والحوار العمومي المدمج للمجتمع المدني.
فهل تطاول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان على الحكومة في التشريع فيما يخص مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية؟ وما حدود وظيفتهما الاستشارية؟
إن أول ما ينبغي التأكيد عليه هو أن مؤسسات وهيئات الحكامة، على غرار الأنظمة المقارنة، تتمتع بقرينة الحياد منذ لحظة إنشائها وتشتغل بكل موضوعية واستقلالية. وهي توجد على نفس المسافة من الحكومة والبرلمان. فهي لا تسير في خط الحكومة كما أنه لا تعارضها. وهي تقف إلى جانب البرلمان من خلال تقديم الخبرة والتخصص التي يفتقر إليهما في مواجهة الحكومة، مما من شأنه خلق نوع من التوازن بين الحكومة والبرلمان.
ثانيا: الوظيفة الاستشارية لمؤسسات وهيئات الحكامة مجردة من عنصر الإلزام، إذ أنها مجرد أعمال تدخل في إطار الإجراءات التحضيرية للقانون، غير أن غير أن الخصوصية التي تتميز بها مؤسسات وهيئات الحكامة، من حيث طابع تشكيلتها الجماعية والمتعددة، التي تضم في أعضائها أشخاصا متخصصين في مجال اشتغال هذه الهيئات. إضافة إلى توفرها على صلاحية التحقيق والتقصي، واعتمادها في عملها على إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين في مختلف القطاعات التي لها علاقة بمجال اشتغالها، تمنح التوصيات والمقترحات والآراء الاستشارية التي تصدرها فعالية ومصداقية وقوة تأثير معنوي. وهو ما تؤكده الأنظمة المقارنة بحيث تقدمها سبيلا من سبل ممارسة هذه الهيئات "للسلطة التشريعية غير المباشرة" وبأنها تتوفر على "سلطة في توجيه السياسات العمومية".
ثالثا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، من خلال رأييهما الاستشاريين، لم يتطاولا على الحكومة في التشريع، بل كانا بصدد ممارسة وظيفتهما المقررة قانونا، واستجابة لطلب مجلس النواب الموجه إليهما.
رابعا: إذا كانت الحكومة غير ملزمة بالأخذ بما جاء في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإنه من المؤكد أن العديد من الفرق والمجموعات النيابية بمجلس النواب ستتبنى هذا المقترحات في تعديلاتها المقدمة بشأن مشروع القانون المذكور أعلاه، وهو ما سيجعل الحكومة مطالبة بتقديم موقفها من هذه المقترحات، وسيضعها في حرج إذا لم تتفاعل إيجابيا معها.
د زهير غازلي، باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية