هل كانت الأحداث التاريخية وراء تهميش بعض مناطق المغرب؟
klyoum.com
أخر اخبار المغرب:
حكيمي يقود باريس سان جيرمان ليحقق لقبه 16 بكأس فرنساأسباب سياسية وجغرافية تجعلها عرضة للهشاشة التنموية بعيداً من كبريات الحواضر التي تحظى باهتمام رسمي
تعاني بعض المناطق المغربية الإهمال لأسباب تاريخية وسياسية وأخرى جغرافية أيضاً، تجعلها عرضة للهشاشة التنموية بعيداً من كبريات الحواضر التي تحظى باهتمام رسمي ورخاء اقتصادي.
وتسببت خلفيات وأحداث تاريخية وسياسية، فضلاً عن "قدر الجغرافيا"، في استبعاد هذه المناطق المنتمية إلى ما بات يسميه البعض "المغرب العميق"، من طرف الدولة المركزية، حتى إنها لا تستفيد من حقها الكامل في التنمية مثل باقي مناطق البلاد.
ومن أبرز هذه المناطق التي تكابد "الحرمان التنموي" لعوامل تاريخية منطقة الريف في أقصى شمال البلاد، ولأسباب سياسية منطقة تازة، وتحديداً هرمومو، ولدوافع جغرافية مدينة جرادة وفجيج وخنيفرة أيضاً.
العلاقة مع الريف
لفهم هذه العلاقة الترابطية بين أحداث وخلفيات تاريخية وبين تهميش بعض المناطق بعينها في المغرب يسلط المؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش الضوء على نموذجين من المناطق المغربية المهمشة، الأول هو منطقة الريف.
ويوضح أن تهميش منطقة الريف يعزى إلى الصدام الذي وقع في محطات تاريخية عدة بين الريف والسلطة المركزية، وبخاصة ثورة محمد بن عبدالكريم الخطابي والانتفاضات والاحتجاجات المتتالية لأبناء هذه المنطقة ضد تهميشهم منذ الاستقلال.
واستطرد الأكاديمي، "منذ القرون الأولى للفتح الإسلامي للمغرب، شكلت إمارة نكور بالريف مجالاً مستقلاً عن الحكم المركزي، وفي التاريخ المعاصر، قاد الزعيم الريفي محمد بن عبدالكريم الخطابي حركة ضد الاستعمار الإسباني في مجال ما يعرف بالمنطقة الخليفية بالشمال، باستقلال عن الحكم المركزي، بل حاول بناء مشروع إمارة لها دستورها الخاص عام 1921".
وبعد الاستقلال، يضيف بوتشيش شهدت منطقة الريف سلسلة من الانتفاضات بداية من عام 1958 رداً على الغبن أو ما يسميه المغاربة "الحكرة" والتهميش الذي طاول المنطقة، مروراً بانتفاضات عام 1984 التي عرفت بحركة الأوباش، وصولاً إلى احتجاجات ما يسمى "الربيع العربي" عام 2011، ثم أحداث الحسيمة في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2016 بسبب واقعة وفاة بائع السمك محسن فكري، التي تعكس هشاشة المنطقة.
واعتبر بوتشيش أن هذه الأحداث شكلت رواسب تاريخية عقدت العلاقة بين الدولة ومنطقة الريف، وزادت هذه الأخيرة عُزلة وتهميشاً، وهذا ما تجلى في ارتفاع مؤشرات الفقر ونسبة البطالة وكثرة العاطلين من العمل وهجرة معظمهم إلى الديار الأوروبية وعدم اهتمام الدولة بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تكون رافعة للتنمية في هده المنطقة.
ولفت المتحدث عينه إلى أنه "على رغم سعي الدولة حالياً إلى المصالحة مع منطقة الريف وإدماجها في مشاريع التنمية الاقتصادية، غير أن هذه المساعي تظل غير كافية وتتطلب ضخ مزيد من الرساميل لاستثمار في هذه المنطقة المهمشة.
رواسب تاريخية
أما النموذج الثاني، وفق المؤرخ بوتشيش، الذي يكرس التهميش الاجتماعي والاقتصادي لأسباب تاريخية، فهي مدينة تازة عقب حدثين تاريخيين مهمين جعلا المدينة في عداد المناطق "المستبعدة"، الأول يتعلق بحركة "بوحمارة" في بداية القرن الـ20، والثاني محاولة انقلاب الصخيرات عام 1971 الذي قاده ضباط من أبناء المدينة، كما يمكن أيضاً إضافة أحداث "حي الكوشة" في الرابع من يناير (كانون الثاني) من عام 2012 التي شهدت احتجاجات على غلاء فواتير الكهرباء والماء وتهميش المدينة.
ويفصل بوتشيش في هذين الحدثين، بالقول "بخصوص علاقة تازة بالحركة التي قادها الفقيه الجيلالي بن عبدالسلام الزرهوني الملقب بـ(بوحمارة)، فهي المدينة التي كانت معقله بعدما أعلن تمرده على السلطان المغربي مولاي عبدالعزيز".
وزاد أستاذ التاريخ في جامعة مكناس أنه في تازة حاول بوحمارة تشكيل دولة تضاهي الدولة المغربية من حيث الجيش والوظائف، واستمرت محاولاته من عام 1902 إلى 1909، مما جعل الدولة آنذاك تعد حركته خارجة عن الشرعية وفتنة زادت من سوء العلاقة بين الطرفين.
أما الحدث الثاني فيوجزه بوتشيش بالقول إن أحداث هرمومو زادت الطين بلة، عندما قام بعض الضباط المسؤولين عن المدرسة العسكرية الموجودة في منطقة تازة، بالتخطيط لانقلاب عسكري ضد الملك الراحل الحسن الثاني.
وخلص المتحدث عينه إلى أنه "على رغم أن محاولة الانقلاب التي قادها الضباط من أبناء المنطقة باءت بالفشل، لكنها تركت جرحاً عميقاً لدى الدولة أضيف إلى حركة (بوحمارة) ليشكل رواسب تاريخية سيئة نسجت علاقة غير ودية بين الطرفين"، و"عقاباً جماعياً" تجلى في التهميش والإهمال الذي طاول المنطقة.
الجغرافيا سبب
ليس التاريخ وحده الذي يفسر تهميش مناطق معينة في المغرب وعدم استفادتها من حصة التنمية كاملة أسوة بباقي المناطق، بل أيضاً للسياسة والجغرافيا في ذلك نصيب بارز، مثل فجيج وجرادة وخنيفرة، وغيرها.
يقول في السياق الباحث في الجغرافيا السياسية بوبكر الراشدي إن تهميش الريف كما يراه أبناء المنطقة يعزى أساساً إلى دوافع سياسية واجتماعية تتمثل في "التحركات الاحتجاجية" لـ"ريافة"، آخرها الاحتجاجات في مدينة الحسيمة.
وأكمل الباحث شارحاً "كان الحراك الشعبي في الحسيمة ناجماً عن مقتل بائع السمك محسن فكري في أكتوبر 2016، لكن الأزمة كانت أعمق من ذلك، فقد كانت الاحتجاجات ضد السياسات الحكومية واتهامها بتهميش الريف، والمناشدة بتلبية مطالب اجتماعية وتنموية، مما أسفر عن اعتقال العشرات من شباب الحسيمة، أبرزهم الناشط القيادي ناصر الزفزافي الذي ما زال قابعاً في السجن إلى اليوم".
وتطرق الباحث في الجغرافيا السياسية إلى أمثلة فجيج وتاونات وجرادة وخنيفرة وغيرها من المناطق البعيدة من الاستفادة من حصة التنمية بسبب موقعها الجغرافي المتأثر سلباً إما بالمناخ أو بالبعد من مراكز القرار والرواج الاقتصادي.
واسترسل الراشدي أن مواسم الجفاف المتوالية مثلاً أسهمت بصورة سلبية جداً في مفاقمة أوضاع سكان مناطق مثل فجيج وتاونات وأخرى، عندما خرج سكانها للاحتجاج أكثر من مرة على شبح العطش الذي يحوم فوق رؤوسهم.
وتابع الباحث عينه أن منطقة مثل جرادة في شرق المملكة لم تستفد من التنمية بالصورة المطلوبة لسوء تدبيرها المحلي، خصوصاً لتعويلها على مناجم الفحم التي ظهر أنها إشكالية أكثر من أن تكون حلاً لتنمية وازدهار المنطقة.
جهود حكومية
ومقابل الفكرة السائدة بتهميش مناطق مغربية لأسباب تاريخية وسياسية وجغرافية أيضاً، تستعرض السلطات الحكومية جهودها المتواصلة لتنمية هذه المناطق، وتعدها سواء مع باقي المناطق الأخرى من دون تمييز اقتصادي أو اجتماعي بينها.
وبخصوص الريف، وتحديداً مدينة الحسيمة، سبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس أن أقال وزراء ومسؤولين كباراً بسبب "التقصير" في تنفيذ مشاريع تنموية بمدينة الحسيمة كان أطلقها الملك عام 2015.
وقد سبق للحكومة المغربية أن تفاعلت مع احتجاجات سكان الريف، باعتبارها "احتجاجات مشروعة" وفق وصفها، واعدة بتسريع وتيرة المشاريع والورش التنموية من دون أي تقصير.
أما في شأن احتجاجات ساكنة جرادة، فقد سبق للحكومة أن وعدت بإطلاق دراسة لقطاع المعادن، بالنظر إلى أن المنطقة تختزن معادن أخرى غير الفحم الحجري، مثل الرصاص والنحاس، الشيء الذي يمكن معه رفع المعاناة والتهميش عن سكان المنطقة، وكذلك الحال بخصوص "حراك الماء" الذي عدة عم مناطق أبرزها فجيج وتاونات، حيث حرصت السلطات العليا بنفسها على إيلاء أهمية كبيرة لموضوع ندرة الماء ومواجهة الجفاف.