الجريمة والإرهاب.. أحداث مالي تقلق دولتين عربيتين

حالة من الترقب تسود منطقة الساحل الأفريقي، سببها الأحداث الأخيرة في مالي التي تشهد أزمة سياسية منذ عقود، أثرت على الوضع الأمني في المنطقة برمتها، وجعلته مرتعا لتنظيمات متطرفة وأخرى مختصة في الجريمة العابرة للحدود.

ولهذه الدولة المضطربة حدود مشتركة مع الجزائر من جنوبها وموريتانيا ناحية الشرق، وهما دولتان عربيتان متباينتان من حيث الدور الإقليمي، لكنهما أمام ذات المستوى من 'الخطر القادم من مالي' وفق تقدير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، بلقاسم عثماني.

إنقلاب ثانٍ في أقل من سنة

بعدما اقتاد جنود ماليون، الإثنين، كلا من الرئيس الانتقالي في مالي باه نداو، ورئيس الوزراء مختار وان، ووزير الدفاع سليمان دوكوريه، إلى معسكر كاتي قرب العاصمة باماكو، احتجاجا على تعديل حكومي أجرته السلطات الانتقالية، يقول خبراء من مالي 'إن الأمر يتعلق بانقلاب عسكري آخر' وفق ما كشفه رئيس تحرير جريدة 'جورنال دي مالي' أبو بكر صيدقي أيدارا.

قائد الإنقلاب في مالي الكولونيل، أسيمي غويتا، أعلن الثلاثاء تجريد الرئيس ورئيس الوزراء الانتقاليين واتهمهما بمحاولة 'تخريب' المرحلة الانتقالية.

وأشار غويتا، في بيان قرأه أحد المتعاونين مرتديا الزي الرسمي على تلفزيون الدولة، إلى أن 'العملية الانتقالية ستواصل مسارها الطبيعي وأن الانتخابات المقررة ستجرى خلال عام 2022'.

الإنقلاب العسكري في دولة مالي جاء مباشرة بعد ترأس الجزائر لجلسة وزارية لمجلس السلم الافريقي حول الوضع في مالي و الدعوة الى التعجيل في تطبيق ميثاق السلم و المصالحة المنبثق عن اتفاق الجزائر..انقلاب يحمل في أثاره بصمة الأعداء الكلاسيكيين للجزائر من اجل عرقلة الجهود الديبلوماسية

واتهم الكولونيل غوتا، قائد الانقلاب الذي أطاح كذلك بالرئيس المنتخب إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس 2020، الرئيس الإنتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، بتشكيل حكومة جديدة دون التشاور معه مسبقاً، رغم أنه مسؤول عن الدفاع والأمن، وهما قطاعان هامان في هذا البلد الذي يشهد اضطرابات.

سيناريو منتظر

في حديث لموقع 'الحرة' أكد أيدارا أن ما آلت إليه الأحداث في مالي 'كان منتظرا' خصوصا وأن الوضع الاجتماعي ظل محتقنا لأسابيع.

وقال أيضا إن الأزمة السياسية التي لم تعرف حلا منذ الصيف الماضي، ازدادت سوءا هذه السنة، وسط تذمر شعبي غير مسبوق، ووضع أمني هش، ميزته الاغتيالات في مختلف مناطق البلاد.

وذكّر أيدارا بأن أكبر نقابة عمالية في البلاد شنت إضرابا قبل أسبوعين زاد من تشنج الوضع الاجتماعي، بينما عمّق وباء كورونا من الوضع المزري لعمال ' الأجر اليومي'، وهو ما يجعله يتنبأ بأيام عصيبة على مالي، والمنطقة عموما.

'تآكل الإجماع السياسي'

وتتخوف البلدان المجاورة لمالي من 'تآكل الإجماع السياسي الهش'  كما يصفه بلقاسمي، وما قد يسفر عن أي انزلاق أمني في المنطقة التي عُرفت خلال السنوات الأخيرة كونها 'مرتعا للمتطرفين من مختلف بلدان العالم' حسب قوله.

وبينما تسعى الجزائر إلى البقاء كدولة رائدة في المنطقة، وأن تفرض نفسها كفاعل أساسي في أزمة الجار الجنوبي الذي تعتبره عمقها الاستراتيجي حيث 'بات تحقيق ذلك  أصعب من أي وقت مضى' وفق بلقاسمي.

ومنذ الإطاحة برئيس مالي إبراهيم بوبكر كايتا منتصف أغسطس 2020، لم تتوقف الدبلوماسية الجزائرية عن التحرك من خلال زيارتين قام بهما وزير الخارجية صبري بوقادوم لباماكو.

وفي إحدى تلك الزيارات، قال بوقادوم إن 'مالي بلد في غاية الأهمية بالنسبة للجزائر وكل ما يعني هذا البلد الجار يعنينا أيضا'

كما أن هذا الملف لا يغيب أبدا عن خطابات وتصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي تطرق إلى 'الوضع الحساس' في مالي في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2020.

وحتى واشنطن أيدت في أكثر من مناسبة الدور الريادي الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، إذ وخلال زيارته للجزائر الصيف الماضي، أبرز وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك إسبر 'الدور الريادي الثابت للجزائر في مجال الأمن الإقليمي'.

وفد عسكري هام من موريتانيا في مالي

تولي موريتانيا أهمية قصوى لأمنها الإقليمي 'الذي ينطلق من أمن مالي' وفق أبو بكر صيدقي أيدارا.

ووصل الاثنين، الفريق محمد بمبه مكت، قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، إلى باماكو على رأس وفد عسكري هام للمشاركة في أعمال الاجتماع الدوري العادي الحادي عشر للجنة الأمن والدفاع التابعة لمجموعة الخمس في الساحل والتي كان من المقرر أن تنعقد هذا الثلاثاء.

وانتقال هذا الوفد الهام، يعطي صورة عن مكانة الأمن المالي في أعين قيادة الجيش الموريتاني، وفق أيدارا.

الوفد العسكري الموريتاني الموجود في مالي الآن غادر الفريق محمد بمبه مكت قائد الأركان العامة للجيوش فجر اليوم البلاد،...

انتخابات؟

في أعقاب انقلاب 18 أغسطس 2020، دعت الجزائر التي تخشى مزيدا من زعزعة الاستقرار في جوارها الجنوبي، إلى انتخابات وإلى 'احترام النظام الدستوري'.

ثم صعّد الرئيس تبون اللهجة بتأكيده على أن 'حل الأزمة المالية سيكون جزائرياً بنسبة  90 بالمائة'، وأن'لا حل خارج اتفاق الجزائر' الذي أبرم في 2015 بين حكومة مالي والمجموعات المسلحة الموالية للحكومة والمتمردين الطوارق ضمن تنسيقية الحركات الأزوادية.

وانتقد تبون في هذه المناسبة مجموعة دول  غرب إفريقيا التي فرضت عقوبات على مالي بعد انقلاب 18 أغسطس وبدأت وساطة في الأزمة المالية 'دون استشارة الجزائر'.

وهذا دليل آخر، وفق المحلل الجزائري، بلقاسمي، على أن الأحداث المتسارعة تقلق موريتانيا والجزائر، لدرجة أنهما يسعيان للدفع بعجلة الانتقال السياسي خوفا من أن يؤدي أي فراغ مؤسساتي إلى 'ما لا يحمد عقباه' وفق تعبيره.

وفي هذا الصدد، قال أبو بكر صيدقي أيدارا إن شعب مالي ينتظر من الجزائر على وجه الخصوص أن تكون صارمة في قراراتها تجاه من وصفهم بـ'الطغمة العسكرية' داعيا الجيش إلى الاكتفاء بالدفاع عن الوطن ضد المجموعات المسلحة والابتعاد عن المشهد السياسي.

وقال: 'أتفهم تخوف كل من الجزائر وموريتانيا، وبحكم أن الجزائر هي أقوى دولة في المنطقة، أدعوها لأن تكون أكثر صرامة'.

بلقاسمي من ناحيته، لم يستبعد أن تستخدم الجزائر جيشها ضد أي محاولة لزعزعة استقرارها واستقرار المنطقة.

وقال: 'الآن والدستور الجزائري الجديد يسمح بخروج الجيش للدفاع عن مصالح البلاد، أرى أن إمكانية تدخل الجزائر في مالي ليست مستبعدة' ثم استدرك قائلا: 'إلا إذا استتبت الأمور قبل حدوث أي انزلاق خطير'.