"ما تراه ليس كما يبدو" ... بين كشف عوار التقنية وإخفاء أنوار الحقيقة
klyoum.com
أخر لايف ستايل:
محمد رمضان: أنا نجم مصر ونجم الوطن العربي الأولتتحول الشاشة إلى مرآة تعكس واقعنا، لكنها قد تخدع البصر ببريقها. في عصر تتداخل فيه الحقيقة مع الزيف، يبرز التساؤل: ما الذي يختبئ خلف الأضواء؟ وهل ما يبدو عليه الأمر هو ما يختزنه حقًا؟ يأتي هذا المشروع الفني الضخم، الذي يمزج بين الزيف التقني وقصص الواقع، ليقدم محاولة لإجابة معقدة على هذا السؤال من خلال مجموعة من القصص المتصلة بفكرة كشف الزيف، يأخذنا العمل في رحلة فنية طموحة، لكنها تتأرجح بين عبقرية الفكرة وتواضع التنفيذ.
هذا المقال محاولة للغوص في تفاصيل هذا المشروع، وفي محاولة لكشف نقاط قوته وضعفه، وتحليل أداءه الفني العام والذي سعى إلى كشف اسرار التقنية الحديثة .. ولكنه ربما أخفى بعض انوار الحقيقة او لعله اخفق في البعد عن الواقعية وأغرق في التوجيه والمباشرة في كثير من الاحيان.
شاهدتُ مجموعتين كاملتين فقط من هذا العمل المكون من 7 مجموعات كل مجموعة منها 5 حلقات متصلة. المجموعة الأولى بعنوان "فلاش باك"، والثانية بعنوان "الوكيل"، يعتمد العمل، أو على الأقل أجزاء كبيرة منه، على أولوية واهمية الموضوع وبطولة القصة والسيناريو قبل بقية العناصر الفنية والإنتاجية الاخري . الطاقم التمثيلي يغلب عليه مجموعة من الشباب الجدد الجادون في أدائهم، مع وجود عدد من كبار النجوم، وهو ما يعكس تركيزًا على الموهبة بدلاً من النجومية، وربما كان خيارًا مناسبًا من الناحية المادية والالتزام الفني للمشروع.
الهدف العام للمشروع نبيل وفكرته مميزة للغاية، ولكن معظم الأخطاء تكمن في التفاصيل وآلية وأسلوب التنفيذ. ففي المجموعة الأولى "فلاش باك"، كانت بعض الأحداث تفتقر إلى المنطق في إطار الخيال التقني الحديث ، بينما في المجموعة الثانية "الوكيل"، غلبت عليها المباشرة الفجة والتلقين الموجه.
ولهذا السبب، لم يحقق العملان النجاح او ربما الاثر المرجو منهما؛ فالأول بالغ في عدم الواقعية والدقة، والثاني وقع في فخ المواعظ والإرشاد، مما أضعف تأثيرهما المستهدف. لقد تلاشى أي تأثير فوري أمام غياب كل من المصداقية والعفوية، مما قلل من قدرة العمل على الوصول إلى عقل وقلب ووجدان المشاهد بسهولة، على الرغم من فخامة الإنتاج والإخراج وجودة التصوير والأداء احيانًا كثيرة .
مجموعة "فلاش باك" من تأليف محمد الدسوقي رشدي وإخراج محمود زهران. تميزت الممثلة الشابة مريم الجندي بأداء أكثر من رائع في البطولة، لكن الممثل أحمد صالح لم يوفق في الجزء الثاني من شخصيته المركبة؛ فبعد أدائه السلس والمنطقي في البداية، ثم تراجع مستواه بأداء مصطنع لم ينسجم مع شكله أو انفعالاته. أما بقية الممثلين، فتميزوا بأداء طبيعي وعفوي ربما أفضل نسبيًا من غيرهم . اما مجموعة الحلقات الثانية بعنوان " الوكيل " من تأليف محمد حجاب وإخراج جمال خزيم.
وتدور قصتها حول هوس او سوء استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي "سوشيال ميديا" واستغلال المشاهير من قبل شركات أو وكلاء لمصالح قد تضر بالصالح العام وربما بالأمن القومي وقبل الأفراد والمجتمعات وهو واقع أليم ومؤسف يعرفه الجميع وان ركز المسلسل فقط علي العديد من النماذج السلبية، مقابل نموذج واحد إيجابي صادق يتعرض لضغوط للانضمام للمجموعة السلبية الموجهة. هذا التركيز غير المتوازن على السلبيات أضعف نوعًا ما مصداقية العمل لدى الكثير من المشاهدين، حيث غابت الإيجابيات باستثناء بعض الإشارات النادرة.
تميز أغلب الممثلين في هذه المجموعة من الحلقات، وعلى رأسهم النجوم المخضرمون مراد مكرم وأحمد فهيم محمد السراج ومحسن محي الدين في عود حميد للتمثيل ، وإن كانت أدوارهم أقل من إمكانياتهم وغلبت عليها أحيانًا كثيرة المباشرة والتوجيه والإرشاد، أما أغلب الممثلين الشباب، فكان أداؤهم للأسف باهتًا او اقرب الي الفتور، باستثناء أحمد عثمان الذي أدى دور الداعية المتلون بكل جوارحه، وكذلك كان ايضا تامر فرج الذي قدم أداءً مميزًا، رغم أن تحول شخصيته من قلب الهجوم إلى وسط الدفاع بلغة كرة القدم كان للأسف ضعيفًا نسبيًا.
في الختام، يظل مشروع "ما تراه ليس كما يبدو" مثالًا حيًا على التحدي الذي يواجه الإبداع حينما تصطدم الفكرة النبيلة بواقع التنفيذ ولا تزال به 5 مجموعات لم يتم مشاهدتها حتي الان. لقد كانت النية واضحة في كشف زيف الواقع وإثارة الوعي، لكن الرسالة ضاعت في متاهة المباشرة المفرطة والاصطناع غير المبرر. ورغم الجهود الفنية الملحوظة وجودة الإنتاج التي كانت بمثابة أنوار ساطعة، إلا أنها لم تكن كافية لإزالة الضباب عن الأداء الضعيف تارة وغياب المصداقية تارة اخري . ويبقي السؤال معلقاً: هل نجح العمل او المشروع في إضاءة طريق الحقيقة للجمهور، أم أنه قد ضل الطريق في محاولة إخفاء عيوبه بالنصح والإرشاد .. وربما لنا عودة مرة اخري مع بقية المجموعات الخمس الاخري.