الكاتبة والسيناريست أمل فوزي:محمود مرسي وسميحة أيوب فصلٌ من أجمل فصول حياتي
klyoum.com
أخر لايف ستايل:
كيف تفاعل الجمهور مع ظهور محمود الخطيب في كتالوج ؟في عالم الفن، تلتقي الأرواح أحياناً كما تلتقي الأضواء على خشبة المسرح، فتتشكل بينهما حالة نادرة من الانسجام تتجاوز حدود التمثيل إلى مشهد واقعي مفعم بالحب والتفاهم، هذا ما حدث بين الفنان القدير محمود مرسي والفنانة الكبيرة سميحة أيوب، حين جمع بينهما الفن أولاً، ثم جمعهما الزواج في علاقة حملت كل معاني النضج والاحترام والرقي الإنساني.
لم يكن زواجهما مجرد ارتباط بين نجمين في سماء التمثيل، بل كان شراكة حقيقية جسّدت القيم النبيلة التي آمن بها كل منهما، سواء في الفن أو في الحياة، ورغم أن زواجهما دام أربع سنوات فقط، إلا أن العلاقة بينهما استمرت على أسس من المودة والتقدير، حتى بعد الانفصال، فقد بقيا صديقين، متحدين بروح الفن والاحترام المتبادل، لا تفصل بينهما المسافات ولا تعكر صفوهما ذكريات.
أنجبا ابناً وحيداً هو الدكتور علاء محمود مرسي، وارتبط اسماهما إلى الأبد في ذاكرة الفن المصري كرمزين من رموزه الخالدة، اللذين لم يجتمعا فقط أمام الكاميرا أو على المسرح، بل في الحياة أيضاً، ليقدّما مثالاً فريداً على علاقة راقية وإنسانية بين زوجين من أصحاب القامات الكبيرة.
محمود مرسي وسميحة أيوب: أسطورتان جمعتهما الحياة الفنية والزوجية
وهناك جانب آخر مختلف، جانب حميمي وإنساني، يجمع بينهما من خلال الحما والحماة للكاتبة الصحفية والسيناريست أمل فوزي، زوجة ابنهما الدكتور علاء، وفي هذا الحوار الإنساني الخاص الذي تنفرد به "سيدتي"، تفتح لنا أمل فوزي صندوق ذكرياتها، وتحدثنا عن الوجه الآخر لهذين النجمين العظيمين، كحما وحماة، وعن أيامها التي عاشتها بين جدران منزل محمود مرسي، وعن علاقتها الحميمة بسميحة أيوب، تلك المرأة التي ظلّت تقول حتى آخر لحظة: "محمود مرسي هو حب عمري، انفصلنا، لكن الحب لم ينتهِ".
اللقاء الأول... رهبة البدايات
بدأت أمل فوزي حديثها باستعادة أول لقاء جمعها بمحمود مرسي وسميحة أيوب، قبل خطبتها إلى ابنهما علاء، تقول: "فكرة أن يكون محمود مرسي هو حماي، وسميحة أيوب حماتي، كانت مرعبة في البداية... شعرت بالخوف والقلق من التعامل مع نجمين كبيرين، لهما هذه المكانة الفنية والإنسانية، ولكن مع أولى جلسات التعارف، أحسا بخوفي، فهما في غاية الذكاء، وخاصة طنط سميحة، ومع تكرار اللقاءات، بدأ الجليد يذوب".
وتتابع: "ما شعرت به هو بساطة وتواضع وود صادق، كانت اللقاءات مليئة بالضحك والحديث العفوي عن الحياة، دون تكلف ولا تصنّع، ثم جاءت زيارة الخطبة الرسمية، وكانت رائعة بكل المقاييس، مليئة بالحب والاحترام، اتفقنا على الزواج وقراءة الفاتحة، وتركا لي حرية اختيار شكل الاحتفال".
عن ليلة الزواج، تقول أمل: "فضلت أن يكون الاحتفال بسيطاً، فقط عقد قران ثم ريسبشن صغير مع أصدقائنا المقربين، انبهر أنكل محمود وسألني دون اعتراض: (يعني مفيش فرح وبوفيهات؟)، لكنه احترم قراري تماماً، وكانت ليلة هادئة، جميلة، بعيدة عن ضجيج الأفراح، ومليئة بالحب الحقيقي".
في بيت الحما... أربع سنوات من القرب
"عشت أنا وعلاء بعد الزواج أربع سنوات في منزل أنكل محمود حتى وفاته، وما زلت أقيم فيه حتى الآن بعد انفصالي عن علاء، كان بسيطاً، متواضعاً، لا يعيش حياة النجوم، ولا يحب التقاط الصور، ولا إجراء الحوارات الصحفية، كان يدعم من يحبهم بتلقائية، وينصح بهدوء فقط إذا طلبت منه النصيحة".
"لم يكن شخصية (أبو العلا البشري) كما في المسلسل، لكنه كان يحمل المبادئ نفسها، الأخلاق نفسها، القيم نفسها، الفرق أنه لم يكن يعظ أو يفرض رأيه، بل كان ينصح إن طُلب منه، ويصمت إذا لم يُسأل".
"كان يملك روحاً طفولية... يجلس في ركنه، يشاهد الأفلام الأجنبية أو يستمع إلى أم كلثوم، ويطهو بنفسه الأكلات التي يحبها، يعتز كثيراً بدوره في فيلم شيء من الخوف، واحتفظ بصورة شخصية له بدور عتريس في ركن خاص بالبيت".
عن الفن؟ نادراً ما كان يتحدث عنه، تقول أمل: "سألته مرة عن كثرة السيناريوهات في البيت، ولماذا رفضها؟ فأجاب فوراً: (عيب! المؤلف كتب رؤيته، مستحيل أطلب منه يغيّرها عشان تعجبني). وكان يحترم المؤلفين جداً".
يمكنك أيضاً مشاهدة فيديو... نادية لطفي تتحدث عن ما يميز الفنان رشدي أباظة وعلاقتها به
العلاقة بين سميحة ومحمود... حب لا ينتهي
"كانت علاقتهما راقية جداً، ظلت سميحة تقول دائماً: (محمود مرسي هو حب عمري)، وحتى بعد الطلاق، لم ينقطع الحب ولا الاحترام، كان أحياناً يطلب منها أكلة الكوارع التي يحبها، وكانت تطبخها بنفسها وترسلها له، كانت طباخة ماهرة، وامرأة عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
عن الحفيد الذي لم يره: "تأخرنا أنا وعلاء في الإنجاب، ولم يسألنا يوماً عن السبب، لم يتدخل أبداً في خصوصياتنا، لكنه كان يراقب أحفاد أشقائه بعين كلها حب، وربما أمنية خفية بأن يرى حفيده. للأسف، رحل قبل أن يولد يوسف، دائماً ما أحكي عن أنكل محمود ليوسف ابني فهو يشبهه في بعض الملامح إلى جانب أن يوسف يعتز بنفسه وشخصيته مثله".
العلاقة مع سميحة أيوب: من الحماة إلى الصديقة
تقول أمل: "سافرت مع طنط سميحة إلى الغردقة بسيارتها بعد زواجي مباشرة، كانت هي التي تقود، ورغم طول الطريق، فقد توطدت علاقتنا جداً في تلك الرحلة، تحدثنا عن ذكرياتها، عن رئاستها للمسرح القومي، عن صداقتها بسناء جميل ونادية لطفي، وغنينا سوياً أغاني أم كلثوم".
"تعلمت أن التعامل معها يتطلب الصدق والتلقائية، لأنها كذلك فعلاً، اقتربت منها، وبدأت أراها كصديقة حقيقية، علاقتنا كحماة وزوجة أين انتهت، واستمرت كصديقتين".
إليك أيضاً فاتن حمامة الممثلة الأكثر رومانسية في تاريخ السينما المصرية
سميحة أيوب: حِكمة ورضا ومحبة للحياة
وتضيف أمل: "كانت شخصية تحب الحياة، لا تقاتل على شيء، ترضى بما يأتي، وتتجاوز الأزمات، ولا تنظر إلى الوراء، علمتني أن أفلسف الأمور لصالح نفسي حتى لو بدت ضدي، كانت تقول لي دائماً: (أنتِ بنتي اللي ما ولدتهاش)".
"وحين سافرت إلى أمريكا مع ابني ومكثنا هناك أربع سنوات، كانت تتواصل معنا يومياً بالهاتف أو سكايب، وعند عودتنا إلى مصر، كنت أقضي معها أياماً طويلة، نذهب سوياً إلى المسرح أو النادي، ونشاهد المسرحيات معاً".
"ودارت الأيام": مشروع مسرحي
تتابع: "كتبت مسرحية ودارت الأيام، وكنت أحلم بأن تقوم طنط سميحة ببطولتها ولكن المشروع لم يتم، وعندما عدت من أمريكا، عرضت عليها النص مرة أخرى، لكنها اعتذرت عن عدم تقديم البطولة بسبب كِبر السن، مع ذلك قرأت النص وقالت لي: (ده لازم يطلع للنور، أنا ما بجاملش في المسرح)".
"اتصلت بنفسها بالأستاذ شادي سرور المدير الفني للمسرح، وقالت له إنها قرأت نصّاً أعجبها، لم تخبره أنني قريبتها، احتراماً لي، وهذا شيء أقدّره جداً فيها".
ذكريات مع نجوم الزمن الجميل
"قابلت في بيت طنط سميحة كثيراً من النجوم، مثل سناء جميل، نادية لطفي، ماما نعم الباز، كانت تجمعهن جلسات محبة وونس، تطهو لهن بنفسها، وتُعدّ الموائد".
"أحب الأكلات التي كنت أفضّلها من يدها كانت الكُسكسي، العدس الأباظي، والمُسقعة".
من عالم الفن إليك سناء جميل وأدوار حُفرت في الذاكرة
سميحة ويوسف: حب لا ينتهي
عن علاقتها بحفيدها يوسف، تقول أمل: "قالت في أحد اللقاءات التلفزيونية: (يوسف هو الرجل الوحيد الذي قهرني)، كانت تحبه حباً شديداً، وتحكي له القصص، وتضحك وتلعب معه، وعندما كبر، كانت تسمع كلامه في كل شيء".
"كان يزورها يومياً بعد المدرسة، لأن مدرسته كانت في حي الزمالك، حيث كانت تقيم، كان يحكي لها أسراره، وأصدقاؤه يزورونها لتتعرف إليهم، وكانت تتصل بمدرّسيه للاطمئنان عليه، كانت سنداً حقيقياً له".
سميحة أيوب ومحمد صلاح: أمنية طفل
وتروي أمل أحد المواقف التي لن تنساها، وتجمع بين الحنان والدهشة: "يوسف ابني كان عاشقاً للاعب العالمي محمد صلاح، وكان من أمنياته أن يلتقيه أثناء وجوده في مصر في إحدى فترات تدريبات المنتخب القومي، حاولنا كثيراً، لكننا لم ننجح في الوصول إليه، فأخبر نينا سميحة بأن تتصل بأي شخصية توصله بمحمد صلاح.
فقالت له ببساطة شديدة: «أنا هاتّصل... وإحنا هانروح سوا». وذهبت معنا بالفعل إلى الفندق الذي كان يقيم فيه محمد صلاح، وأخبرت موظف الاستقبال أنها في انتظاره، وما إن علم محمد صلاح أن سميحة أيوب تنتظره، حتى جاء مسرعاً وبمنتهى السعادة، والتُقطت له صور معها ومع يوسف".
"كان هذا اليوم بمثابة حلم تحقق لابني، بفضل حنانها وطيبتها ومكانتها الكبيرة، وقدرتها على إسعاد من حولها ببساطة وكرم إنساني نادر".
ما الذي تعلّمته من سميحة أيوب؟
تجيب أمل فوزي: "طنط سميحة تعرف جيّداً كيف تتجاوز أي ألم يحدث لها في الحياة، كانت دائماً ترفض الشفقة من أي إنسان، ولم تكن تحترم المرأة التي تظل تعيش في أحزانها القديمة، كانت تقول لي دائماً: «يجب أن أتخطى أحزاني وأبدأ أرى ما هو قادم... الماضي يُنسى تماماً».
تعلّمت منها هذه القوة، وهذه الفلسفة العملية في الحياة، كانت إنسانة تشعّ إحساساً وصدقاً في كل تصرفاتها، وتُحب من قلبها أي شخص يدخل حياتها، حتى لو للحظة".
وتكمل أمل بتأثر: "منذ أيام، قلت لابني يوسف: «أنا نفسي أشوف طنط سميحة، وحشاني قوي، وعايزة أتكلم معاها». شعرت بأنني أفتقدها كأم وصديقة، وليس فقط كرمز أو قدوة".
هكذا كانت سميحة أيوب -أو "طنط سميحة" كما أحبّت أن تُنادى- ليست فقط سيدة المسرح العربي، بل سيدة القلوب أيضاً، بحكمتها الهادئة وإصرارها على الحياة رغم الأحزان، وبحنانها الصادق الذي لم يعرف تصنّعاً، تركت أثراً لا يُمحى في حياة من عرفوها.
بالنسبة لي، لم تكن مجرّد فنانة عظيمة أو أيقونة للثقافة، بل كانت حضناً دافئاً، وصوتاً يُعلّمني كيف أواجه الحياة دون خوف، ويداً تمتدّ لتمنحني القوة في اللحظة التي أحتاجها.
لقد رحل أنكل محمود مرسي، وترك في قلبي أثراً لا يمحوه الزمن، لم يكن مجرد "حماي"، بل كان مدرسة في الصمت الحكيم، والوقار النبيل، والاحترام الصادق، علّمني دون أن يقصد، وربّى فيّ الكثير من المعاني الرفيعة دون أن ينطق بها، كنت أرى في عينيه دفئاً لا يُقال، ورقياً لا يُمثّل، وإنسانية حقيقية نادرة.
لم يسألني يوماً عن أمر خاص، ولم يتدخل في قراراتنا، لكنه كان حاضراً دائماً... حضوره كان طمأنينة، وسكوته كان أبلغ من أي حديث، عشت معه سنوات قليلة، لكنها كانت كافية لتظل ذكراه محفورة في وجداني، بكل لطفه، وبساطته، وسموه الإنساني.
لقد خسر الفن رجلاً نادراً، وخسرت أنا أباً ثانياً... وحناناً لا يُعوَّض. أفتخر أن حماتي سميحة أيوب وحمايا محمود مرسي.
يمكنك أيضاً التعرف إلى أم كلثوم.. 50 عاماً على رحيل الأسطورة التي لا تغيب