لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٢
حين تزوّجَت أختي وردة وتركَت البيت، صرتُ وحيدة. فكان والدانا قد توفّيا الواحد تلو الآخر بسبب المرض. قضَيتُ وقتي بعد ذلك في العمَل، وبرفقة صديقاتي ونسيتُ وحدتي بعض الشيء.
ساءَت أحوال البلد وأقفلَت الشركة التي أعمَل لدَيها، ولأنّ الكلّ أُصيبَ بالنكبة الاقتصاديّة، إستحالَ عليّ ايجاد فرصة أخرى. مكثتُ في البيت كئيبة، وعادَت إليّ ذكريات أيّام جميلة حين كان مسكننا مليئًا بالناس والحياة... وكذلك الأوقات الحزينة المليئة بالألَم والمرض. أخبرتُ وردة عن حالتي النفسيّة المُتأرجِحة، وتمنّيتُ ضمنًا أن تعرضَ عليّ العَيش معها في بيتها الزوجيّ، إلا أنّها لَم تفعل. لكنّني لَم أزعَل منها، فباتَت لها حياة لا مكان لي فيها.
أخذَت حياتي أنا مُنعطفًا غير مُتوقّع حين أخبرَتني صديقة لي عن موقع يعرضُ على مَن يرغَب فُرَص عمل في الخارج، فانتسبتُ إليه مِن كثرة ملَلي، غير مُدركة أنّني سأجدُ ما أبحثُ عنه بسرعة.
أجرَت لي إحدى الشركات في فرنسا مُقابلة عن بعد عبر الفيديو، فأحبّوا سيرتي الذاتيّة ورأوا أنّني قد أكون مُناسبة لهم. فالواقع أنّ لدَيّ خبرة كبيرة في مجال عمَلي وحماس كبير للتقدّم. بعد فترة، تمّ إخباري بأنّني قُبِلتُ ولَم يبقَّ لي سوى تحضير أوراقي الخاصّة والتأشيرة.
زفَّيتُ الخبَر لوردة وهي فرحَت لي قائلة: 'أحسدُكِ قليلاً... فالحياة هنا باتَت لا تُطاق. أدعو لكِ بالتوفيق'. تعانقنا ومِن ثمّ جهّزتُ حقائبي لمواجهة مُستقبلي الجديد.
وصلتُ المدينة الفرنسيّة حيث كنتُ سأسكنُ وأعملُ، وأعجبَني المكان. كنتُ قد سافرتُ إلى فرنسا في السابق لكن كسائحة، وزرتُ فقط العاصمة باريس. لحسن حظّي، لَم أجِد صعوبة بالتواصل مع الناس، بفضل إجادتي تكلّم الفرنسيّة بطلاقة، وجِلتُ في شوارع مدينتي الجديدة وبسمة عريضة على وجهي. للحقيقة، لَم أخَف مِن تلك المُغامرة، فكنتُ وحيدة في الحالتَين باستثناء بعض الصديقات اللواتي وعدنَني بزيارتي. على كلّ الأحوال، الوقت كان للعمَل وليس للهو، فلَم أكن أريدُ إضاعة هكذا فرصة.
شقّتي الصغيرة كانت مفروشة، الأمر الذي سهّلَ عليّ الكثير. وتعرّفتُ على الفور على جيراني بفضل هرّهم الأسوَد اللون الذي دخَلَ شرفتي في أوّل يوم مِن وصولي.
صاحبَي الهرّ 'نوارو' كان لِثنائيّ عجوز لَم أستطِع تكهنّ سنّهما، لكنّهما شكراني بحرارة لإعادة رفيقهما العزيز بعد أن ظنّا أنّه سقَطَ عن الشرفة أو ضاعَ. قدّما لي الليموناضة والغاتو، وسألا مئة سؤال عنّي وعن بلَدي. لَم أطِل المكوث، فأعرفُ كَم أنّ الأوروبيّين يُحبّون خصوصيّتهم. وسرعان ما صارَ 'نوارو' ضَيفي الدائم، وأشكرُه لأنّه كان في الأواني الأولى سلوَتي الوحيدة.