لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
ركضتُ إلى أمّي لأستشيرها في ما يخصّ ترك زوجتي البيت مع ابننا الرضيع والخادِمة، فإلى مَن ألجأ؟ إستمعَت والدتي وتفرّجَت عليّ وأنا أبكي، ثمّ قالَت بعد أن أطلقَت تنهيدة عميقة:
ـ لا أقصد الشماتة يا بُنَي، لكن عليّ أن أقول ما في بالي مِن زمان، وأرجوكَ ألّا تظنّ أنّني أنوي زيادة العبء الذي تشعرُ به. لكن في البدء، على ما أذكُر أنّكَ نوَيتَ الزواج مِن صبيّة أجنبيّة لأنّها ليست ابنة بلدكَ التي وصفتَها بالمُتطلِّبة ولا تسمَع مِن زوجها. وها أنتَ تزوّجتَ مِن امرأة تنطبِق عليها المواصفات ذاتها التي تكرهها.
ـ أرجوكِ يا ماما...
ـ إسمَعني حتّى النهاية!
ـ أعذريني.
ـ منذ البدء وهي تفعل ما في بالها، وأنتَ تُنفِّذ رغباتها التي مفادها أن تُبعِدكَ عنّا... نحن عائلتكَ!
ـ لا أظنّ أنّها...
ـ وذلك لتستفرِد بكَ، لأنّها تعلَم أنّنا لن نسمَح لها بأن تفعل ما تنويه.
ـ أنتِ تُبالغين يا ماما... إنّها أجنبيّة، وقد شعرَت أنّ العائلة تفرضُ نفسها عليها بسرعة وبقوّة... إنّها تحتاج لبعض الوقت لتعتاد على تقاليدنا وطرق عَيشنا.
ـ ماذا تُريد؟ قُل لي؟ أتُريد السكَن بعيدًا عنّا؟ أريدُ الحقيقة!
ـ لا أُريدُ السّكن بعيدًا عنكم، لكن أريدُ استرجاع عائلتي الجميلة.
ـ سيكون الثمَن غاليًا، إحترِس.
ـ لا عليكِ، فأنا رجُل بكلّ ما للكلمة مِن معنى!
ـ وهي امرأة أعطَتكَ ابنًا وتستغِلّ هذا الوضع. ستأتي نهايتكَ على يدَيها وأنا خائفة عليكَ.
ـ أُريدُ بركتكِ.
ـ لن تحصل عليها، لكن أُعطيكَ حرّيّة القرار وتحمّل مسؤوليّة ذلك القرار.
أسرَعتُ باسترجاع عائلتي مِن الفندق لنعود إلى بيتنا، بعد أن قطَعتُ لآنّا وعدًا بالانتقال السريع فور وجود شقّة أخرى. وهي أكّدَتَ لي أنّها ستجِد شخصيًّا تلك الشقّة، بعد أن اتّصلَت ببعض أصدقائها، وهم مواطنين مِن بلدَها 'يعرفون بعض الأمور عن العقارات في بلدنا'. لَم أجِد شيئًا مُريبًا بالموضوع، على عكس كلّ الناس الذين علِموا بهؤلاء الأصدقاء.
وطبعًا، قطعَت زوجتي كلّ صِلة بأهلي، مُتحجِّجة بأنّهم، وخاصّة أمّي، يُحاولون إيقاع الخلاف بيننا. لستُ فخورًا بنفسي أبدًا، إذ أنّني لَم أرَ أي خطَب بألّا ترى والدتي حفيدها لفترة مِن الزمَن، أيّ حالما ننتقِل مِن بيتنا وتشعرُ آنّا، حبيبتي، بالارتياح.
تمَّ العثور على تلك الشقّة... التي تقَع على بُعد كبير مِن كلّ الذين أعرفُهم أو عرَفتُهم، وحتّى عن مقرّ عمَلي، إذ كان تلزمُني ساعتان ذهابًا وساعتان إيابًا كلّ يوم! لكن، يا للعجب، لَم أُعارِض اختيار زوجتي بل وافقتُ عليه، وبسرعة.
يوم نقَلنا أمتعتنا مِن البيت القديم، كان الأمر بالنسبة لأمّي وكأنّني متُّ، أو على الأقلّ سافَرتُ بعيدًا مِن دون نيّة رجوع. أمّا بالنسبة لي، فكنتُ مليئًا بالأمل بالعَيش سعيدًا مع عروستي الآتية مِن بلاد البَرد والجمال.
لكنّ الأمور لَم تتحسّن بعد انتقالنا، فصارَت آنّا أكثر شراسة مِن قَبل، ولا تُكلّمُني إلا بصيغة الأمر. حاولتُ فهم ما يحصل، لكن ما مِن تفسير لدَيها سوى 'أنتَ لستَ نافِعًا لشيء!' أو 'يا لَيتني لَم أتزوّجكَ!'. لَم أفهَم ما الذي أخطأتُ به، فصبرتُ. صبرتُ لأنّني بدأتُ أرى وجهة نظر أمّي... فماذا لو كانت على حقّ بشأن آنّا؟
وفي أحَد الأيّام، قالَت لي آنّا إنّها ستجلِبُ والدَيها للعَيش معها بصورة دائمة، لأنّهما يشعران بالوحدة بعد أنّ ابنتهما الوحيدة قد هاجرَت. في البدء لَم أفهَم قصدها تمامًا، بل خلتُ أنّها دعَتهما لزيارة قصيرة. لكن عندما استوعَبتُ ما تعني قلتُ لها بغضب:
ـ لا أريدُ أن يعيش معنا أحَد، أيّ كان!
ـ لقد وعدتُهما بأنّهما سيعيشان هنا وعليكَ أن تبدأ بتجهيز أوراقهما.
ـ ليس عليّ فعل شيء، خاصّة عندما لَم تتمّ استشارتي وأخذ موافقتي. ففي آخِر المطاف، هذه شقّتي، أنا اشترَيتُها وفرشتُها، وما هو أهمّ: أنا رجُل البيت ورأس العائلة!
ـ مَن علّمَكَ هذا الكلام الكبير؟ أمّكَ العزيزة؟
ـ لا تذكرين والدتي إلا بالخير! ألا يكفي أنّكِ أبعَدتِني عن أهلي؟
ـ لَم أجبركَ على شيء يا عزيزي!
ـ بل مارَستِ ضغطًا كبيرًا عليَّ ورضختُ لكِ حبًّا بكِ وبابننا.
ـ لا أستطيع العَيش مِن دون والدَيّ!
ـ ستعتادين على الأمر تمامًا، كما إعتدتُ أنا على البُعد عن ذويّ. فلا أحَد أفضل مِن أحَد!
ـ أقولُ لكَ إنّني أريدُ جَلب والدَيّ!!!
ـ إخفضي صوتكِ على الفور!!!
خرجتُ مِن الشقّة غاضبًا، لأنّني استوعَبتُ أخيرًا ما هو الهدَف التي ترمي إليه آنّا، وهو عزلي عن أهلي ثمّ جَلب أهلها، ومَن يدري، فقد ترميني خارجًا أنا الآخَر. كَم كنتُ مُغفّلا! كَم كنتُ مأخوذًا بآنّا وجمالها، جمال لَم أعُد أراه للصراحة ولَم يعُد له منفعة بعد أن محاه مِكرها.
ركضتُ إلى والدتي لأُقبِّل يدَيها مُعتذِرًا. وبعد أن سامحَتني قالَت لي:
ـ خذ ابنكَ منها واجلبه لنا... وبسرعة!
ـ كيف أفعلُ ذلك بولَدي؟ فهو بحاجة إليها!
ـ أنا لا أنوي سلخه عن أمّه، لكنّها ستسبقكَ وتستعمله كرهينة ضدّكَ.
ـ لا أستطيع فعل ذلك، صدّقيني.
ـ إذهَب إلى محامٍ إذًا ودَعه ينصحكَ، فطلاقكما باتَ قريبًا ومحتومًا. أو تزال تُحبّها؟
ـ للحقيقة... بعد ما فعلَته وتنوي فعله، صرتُ أنزعِج مِن التواجد معها فلقد اختفى فجأة كلّ حنانها تجاهي، وكذلك أنوثتها.
ـ لأنّها كانت تُمثّل ذلك الدور. هيّا، جِد مُحاميًّا!
وكعادتها، كانت أمّي على حقّ، فبدأَت آنّا تُثير موضوع أخذ ابننا عنّي وعدَم السماح لي برؤيته. عندها قلتُ لها:
ـ لن تستطيعي أخذ ابني مِن دون إذني إلى أيّ مكان، فلقد وضعتُ اسمكِ عند نقاط الحدود البريّة والبحريّة والجويّة، وذلك مِن خلال مُحامٍ.
ـ إذًا لن أخرج مِن البلاد، سأقصد أصدقائي مِن بلدَي الذين يعيشون هنا!
ـ لقد بلَّغتُ عنهم الشرطة، فسيتمّ إعادتهم إلى بلدكم لو فعلوا أيّ شيء لمساعدتكِ على خطف ابني.
ـ أرى أنّكَ تحضّرتَ جيّدًا... أمّكَ مُجدّدًا؟
ـ بل أمّي دائمًا! للحقيقة، أظنّ أنّها أذكى امرأة عرفتُها في حياتي!
ـ عُد إليها إذًا!
ـ وأنتِ عودي إلى أهلكِ لكن مِن دون ولَدي، فهو يحملُ اسمي! سأدفعُ لكِ ما تطلبينه.
ـ ما أطلبه؟
أخذَت آنّا كلّ ما لدَيّ وتركَت لي ابننا... التي ربَّته ولا تزال تُربّيه تلك الصبيّة التي زارَتنا وأهلها، قَبل أن آخذ أسوأ قرار في حياتي. وهي الآن زوجتي التي تفهمني وتشاركني عاداتي وقِيَمي.
حاورته بولا جهشان




























