حملات ضد المهاجرين في ليبيا اكتوى بنارها "مواطنون سود"
klyoum.com
أخر اخبار ليبيا:
أسعار الذهب في ليبيا الخميس (2 أكتوبر 2025)حقوقيون انتقدوا تخلي الحكومات عن دورها في حماية الحدود وانتشار الخطاب التحريضي من النشطاء ومحاولات غربية لاحتواء التصعيد
عاد ملف الهجرة غير النظامية ليتصدر الأحداث الليبية، إذ تشهد المنطقة الغربية وبخاصة العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة حملة ضد وجود المهاجرين غير النظاميين، حيث هاجم محتجون سوقاً أسبوعية في مصراتة مخصصة للأجانب، ووقعت اعتداءات على عدد منهم، فيما اقتحم محتجون من منطقة سوق الجمعة في طرابلس البيوت المؤجرة للمهاجرين الأفارقة.
وقاد حراك "لا للتوطين" بطرابلس مساء أول من أمس الإثنين تظاهرة ضد ما وصفه بـ"مؤامرة تستهدف أمن وسيادة ليبيا". واتفقت جميع البيانات الصادرة عن الاحتجاجات بترحيل جميع المهاجرين غير النظاميين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية وإجراءات قانونية واضحة وإقامة نظامية وشهادات صحية وعمل وسكن مثبت، مؤكدين بأنها إجراءات معمول بها في جميع الدول.
ويعيش في ليبيا قرابة ثلاثة ملايين مهاجر غير نظامي وفق تقديرات وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي. وعبر عدد من المهاجرين غير النظاميين عن قلقهم على مصيرهم على خلفية تصاعد خطاب الكراهية ضدهم. وقالت فاطمة وهي لاجئة سودانية إن محلاً بسيطاً لتصليح الأحذية يديره زوجها تعرض للتدمير بالكامل، بينما يمر أطفالها بحملة تنمر في الشارع على خليفة لون بشرتهم السوداء.
وأكدت إسراء التاجوري لـ"اندبندنت عربية"، أن جنسيتها الليبية لم تشفع لها عند تعرضها لمحاولة اعتداء لفظي من قبل عدد من المتظاهرين ظناً منهم أنها ليست ليبية بسبب بشرتها السمراء.
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي استشاطت غضباً على خلفية نشر مديرية أمن السهل الغربي، صورة طفلة سمراء، قائلة إنها طفلة ضائعة تحمل ملامح أفريقية، وهو وصف أثار غضب عبد الرحمن زروق الذي تساءل قائلاً، عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، "ما قصدهم بملامح أفريقية؟ هل المقصود أن يجد مثلاً ابن أختي الصغير نفسه في مركز الشرطة لمجرد أنه أسود البشرة وتهمته أنه يمتلك ملامح أفريقية". بينما أكدت هناء، أن ليبيا دولة تقع في القارة الأفريقية وتساءلت عن مصيرهم كأصحاب بشرة سوداء، قائلة يبدو أن مصيرنا الطرد. في حين قالت مواطنة أخرى أنها ضد توطين الأجانب في بلدها لكنها ترفض التعامل معهم بعنصرية.
في ظل غياب أي تعليق رسمي من سلطات الغرب الليبي، عبر عميد بلدية مصراتة، محمود محمد السقوطري، عن رفضه التهجم على المهاجرين غير النظاميين وبخاصة الفلسطينيين منهم، مؤكداً تفهمه الكامل لحالة الاستياء الشعبي من تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في المدينة، منوهاً بأن المسؤولية تقع على عاتق الجهات المعنية بتأمين الحدود الجنوبية.
من جهته، رفض حزب "صوت الشعب الليبي" ما وصفه بـ"بترويع المهاجرين غير النظاميين"، مشدداً على أن "أي اعتداء عليهم من قبل المواطنين هو عمل غير مقبول، ومخالف للقيم الدينية والوطنية والإنسانية، ويعرض البلاد لأخطار الانزلاق نحو الفوضى والصراعات، وهو أمر لا يخدم إلا أجندات خارجية تسعى إلى زعزعة استقرار ليبيا".
وحذر الحزب من "تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ورفضه بشكل قاطع كل المؤامرات والمخططات التي يسعى إليها الاتحاد الأوروبي الرامية إلى توطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا، وتحويل بلادنا إلى مخيم دائم للاجئين".
زار سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا، نيكولا أورلاندو، المركز الجديد الذي من المتوقع أن يكون مخصصاً لاستقبال المهاجرين المسجلين الراغبين في العودة الطوعية إلى بلدانهم، بدعوة من رئيس اللجنة الفنية المعنية بمتابعة ملف الهجرة وأمن الحدود، محمد المرجاني.
وأكد أورلاندو من خلال منصة "إكس" أهمية ضمان أن تكون جميع عمليات العودة آمنة وطوعية وأن تتم وفقاً للمعايير الإنسانية، داعياً إلى متابعة تنفيذ آلية هذه العملية عن كثب بالتعاون مع الشركاء الليبيين والدوليين لتعزيز عمليات العودة الطوعية للمهاجرين في جميع أنحاء ليبيا، بما يحفظ كرامتهم.
وكشفت المنظمة الدولية للهجرة في يونيو (حزيران) الماضي عن مساعدتها في عودة أكثر من 100 ألف مهاجر طوعياً إلى بلدانهم منذ إطلاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية عام 2015.
وقالت المنظمة إن عشرات الآلاف من المهاجرين عادوا بأمان وطواعية إلى 49 دولة من بينها نيجيريا وبنغلاديش وغامبيا والنيجر ومالي وغيرها.
تقول الحقوقية والصحافية الليبية منى توكا، إن "ليبيا تتحمل عبئاً كبيراً نتيجة تدفقات الهجرة غير النظامية وما يرافقها من تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية وهو أمر لا يمكن إنكاره لكن في المقابل فإن ما شهدناه من تعاملات همجية لا تراعي إنسانية المهاجرين، يكشف عن أزمة أعمق تتمثل في انعدام الثقافة الحقوقية بشكل شبه تام في الشارع الليبي".
وتضيف أن "الحكومات الليبية تخلت عن دورها الأساسي في حماية الحدود وتقنين وتنظيم وجود المهاجرين واختزلت الملف في صفقات واتفاقيات مشبوهة هدفها حماية حدود إيطاليا وأوروبا بينما تركت الداخل الليبي يواجه الفوضى"، منوهة بأن ما زاد الأمر سوءاً هو الطريقة الخاطئة التي جرى بها التعاطي مع الموضوع إعلامياً حيث أسهمت حسابات لمدونين وإعلاميين على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي في نشر خطاب تحريضي ومعلومات مضللة لعدة أشهر مما جعل تصاعد العنف أمراً متوقعاً، وخلال تلك الفترة سجلت عدة انتهاكات فردية من أبرزها حادثة مقتل شاب سوداني من مواليد 2004 إثر تعرضه للضرب على يد سبعة مواطنين ليبيين بعد التحريض عليه من أحد المدونين، وصولاً إلى الهجوم الأخير في ميدان مصراتة الذي كان أيضاً نتيجة مباشرة لحملة تحريض مكثفة من مدون ليبي معروف وفق تعبيرها.
وعلاقة بانعكاس الوضع على سود ليبيا أكدت الصحافية والحقوقية الليبية، أن الظاهرة ليست بالجديدة، مبدية عدم استغرابها لهذه العنصرية بعد خروج مديرة مفوضية المجتمع المدني بطرابلس، انتصار القليب في لقاء تلفزيوني على الهواء، تحرض فيه ضد سود الجنوب الليبي، واصفة إياهم بـ"المستوطنين".
وأوضحت توكا، أن هذه الخطابات ليست معزولة، بل جزء من نمط متكرر من التمييز العنصري في ليبيا، إذ سبق وحدث في السابق أثناء الثورة، بعد انتشار قصة المرتزقة، إذ وصف كل ليبي أسود بأنه مرتزق ومن أبرز الضحايا كان، العسكري في الجيش الليبي، هشام الشوشان الذي قتل ونكل بجثته في مدينة البيضاء (شرق) عام 2011 على رغم تكراره لجملة "أنا ليبي أنا ليبي" وهو ما يظهر أن الانتماء الوطني لم يحمه من هذه الممارسات.
ونبهت توكا، من أخطار الحملات التحريضية ضد السود الليبيين، لا سيما أنها تعد انتهاكاً صارخاً للأخلاق والقيم الاجتماعية لأنها تشرعن الكراهية والإقصاء وتخلق مناخاً مستداماً من الخوف وانعدام الأمان في المدن الساحلية. وقالت إن الدعوات لطرد السود من ليبيا ليست مجرد آراء أو منشورات للتسلية بل هي استمرارية لنمط تحريضي منهجي كما حدث مع المهاجرين غير النظاميين، بل هي دعوات إلى استخدام القوة ضدهم، داعية السلطات المعنية إلى عدم تمريرها من دون مساءلة ومحاسبة ومساءلة.
وترى توكا أن مواجهة هذا الخطاب سواء كان موجهاً ضد المهاجرين غير النظاميين أو السود الليبيين، مسؤولية جماعية وأخلاقية ملحة على الجميع من إعلاميين ومدونين وصولاً إلى المؤسسات الرسمية لضمان حمايتهم وقطع الطريق على أي تصعيد محتمل لهذا الخطاب.
وشددت على أن "معالجة ملف الهجرة لا تكون عبر العنف أو الحملات العشوائية ذات الطابع العقابي بل من خلال حلول قانونية ومؤسساتية تراعي القوانين الدولية لحقوق الإنسان، فالمهاجرون في النهاية بشر كثير منهم فر من الحروب أو الفقر أو الاضطهاد ولا يمكن تحميلهم وزر ظروف الهجرة"، موضحة أن ما يحتاجون إليه هو حماية قانونية وظروف معيشية كريمة حتى وإن كانوا في وضع غير نظامي حتى يتسنى ترحيلهم عبر قنوات رسمية بطريقة آدمية، بالتالي يكمن التحدي الحقيقي في إيجاد توازن يضمن حماية مصالح ليبيا وأمنها من جهة وعدم انتهاك إنسانية المهاجرين من جهة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا بوجود قوانين وتعاون فعلي مع المؤسسات الدولية لمعالجة هذا الملف جذرياً وبشكل عادل وليست بمؤامرات وصفقات تحت الطاولة، بحسب قولها.
أوضح عضو مجلس الدولة الاستشاري سعد بن شرادة في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن هناك نوعين من المهاجرين، الأول يرى ليبيا كنقطة عبور إلى روما بسبب هشاشة الوضع في ليبيا، والنوع الثاني يختار البقاء في البلد. ونوه بأن أعداد المهاجرين غير النظاميين ارتفعت في السنوات الأخيرة، حتى تجاوزت ثلاثة ملايين مهاجر غير نظامي، ما تسبب في دخولهم في قضايا كبيرة وخطرة، يبقى سجل النائب العام الليبي خير شاهد عليها كالقتل وتجارة البشر والمخدرات، إضافة إلى استحواذهم على سوق العمل، ما أثار غضب الشارع الليبي فقاموا بحملة ضدهم وهي ليست الأولى فقد سبقتها حملات أخرى.
وتابع بن شرادة أن "الدولة الليبية تمر بهشاشة أمنية وانقسام مؤسساتي وهي غير قادرة على استيعابهم"، ورأى أن الحل الأمثل لتجاوز هذه الإشكالية يتمثل في تفعيل القوانين الخاصة بالعمالة الأجنبية على غرار تصريحات العمل والإقامة والشهادات الصحية، مطالباً بتوفير بطاقات خاصة بدفع الضرائب للمهاجرين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية مثلهم مثل أي أجنبي في أي دولة أخرى.