العلاقة مع أميركا هل تدعم حظوظ عبدالكريم مقيق برئاسة حكومة ليبيا؟
klyoum.com
أخر اخبار ليبيا:
أسعار الذهب في ليبيا الخميس (2 أكتوبر 2025)يرى مراقبون أن المنصب الأبرز في البلاد يذهب دوماً إلى مصراتة بحكم ثقلها العسكري
عبدالكريم مقيق، اسم تداولته تقارير دولية كمرشح لخلافة رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" الليبية عبدالحميد الدبيبة، خصوصاً إثر جولته في البيت الأبيض مستعرضاً ما يمكن أن يقوم به في ليبيا المنقسمة على نفسها سياسياً وأمنياً منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي في عام 2011. ووصف تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأميركية عبدالكريم مقيق، بـ"العالم النووي الذي أشرف على تفكيك برنامج ليبيا النووي إبان نظام القذافي"، مشيراً إلى أنه "زار واشنطن أخيراً بصفته مرشحاً لرئاسة الحكومة الليبية المقبلة، وقدم عروضاً حول كيفية التعاون مع الولايات المتحدة".
المجلة الأميركية واصلت حديثها عن مقيق موضحة أنه "التقى بشخصيات أميركية على غرار رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جيم ريش، وأيضاً رئيس مجلس النواب مايك جونسون، ورئيس الشؤون الخارجية السابق في مجلس النواب مايكل ماكول"، واصفة الأمر بـ "الخطوة الاستراتيجية للحصول على مباركة واشنطن".
وقدم المرشح لرئاسة الحكومة الليبية عبدالكريم مقيق، برنامجه الانتخابي أمام مجلس النواب الليبي في مايو (أيار) الماضي، منوهاً بأن برنامجه "يتضمن سبعة محاور، يأتي في مقدمها الديمقراطية التي تعد أهم ما يحتاج إليه الشعب الليبي في الفترة الحالية والأمن، والعدالة لجميع الليبيين، والتصالح والتعايش، وإنعاش الحالة الاجتماعية للمواطن الليبي والارتقاء بها، ودعم المؤسسات المالية وتأمينها، وحضور ليبيا في المجتمع الدولي".
ولد مقيق في عام 1955 بمنطقة سوق الجمعة، إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس، حيث استكمل جميع مراحل تعليمه ليتحول بعدها إلى الولايات المتحدة لدراسة علوم الهندسة الكهربائية تخصص التحكم الكهربائي الإلكتروني ليعود بعدها لليبيا وينضم إلى مركز البحوث النووية في تاجوراء، إذ تحدثت تقارير محلية ودولية عن مشاركته في تفكيك برنامج ليبيا النووي في عام 2003.
من جهته، قال رئيس "الائتلاف الليبي - الأميركي" فيصل الفيتوري المقيم بالولايات المتحدة، إنه "من الضروري التوضيح أن واشنطن لا تسمي أشخاصاً بعينهم لتولي رئاسة الحكومات في ليبيا، بل تلتزم بدعم العملية الأممية ومسار سياسي جامع يقوده الليبيون أنفسهم".
ولعل حديث القائم بالأعمال الأميركي في ليبيا جيريمي برنت خير دليل على ذلك، إذ بحث خلال لقائه المبعوثة الأممية هانا تيتيه الخطوات التالية لخريطة الطريق السياسية المقترحة من البعثة الشهر الماضي، وأكد برنت التزام بلاده "بالعمل مع الشركاء الليبيين والدوليين من أجل الاستقرار والحفاظ على سيادة ليبيا". وأضاف أن "الحديث عن تبنّ أميركي لمرشح بعينه ليس سوى وهم يعكس قلة إلمام بآليات صنع القرار في واشنطن، إذ تتحرك الولايات المتحدة ضمن منظومة مؤسساتية دقيقة، تراهن على استقرار المؤسسات لا على الأفراد".
وبحكم قربه من مؤسسات صنع القرار في الولايات المتحدة، أكد رئيس "الائتلاف الليبي - الأميركي"، أنه "حتى اللحظة، لا توجد أية إشارة رسمية تزكي أي مرشح بعينه لرئاسة الحكومة الليبية، فالموقف الأميركي المعلن والمتكرر يركز على دعم مسار ليبي - ليبي، يقوده إطار أممي واضح، وصولاً إلى قواعد انتخابية متوافق عليها وحكومة موحدة، وقد جددت الخارجية الأميركية هذا الموقف أخيراً في بيانها الرسمي الصادر عقب اجتماع كبار مسؤوليها حول ليبيا".
وفي ما يخص علاقة ترشيح مقيق بكفاءته في ملف الطاقة بما يخدم مصالح واشنطن التي تسعى إلى تعزيز مكانتها في ليبيا الغنية بالموارد النفطية، قال الفيتوري إن "مصالح الولايات المتحدة في ليبيا محددة بوضوح، ولعل أبرزها استقرار مؤسسات الدولة، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب والتجارة غير المشروعة، وضمان تدفق الطاقة بصورة آمنة"، منوهاً بأن "هذه الأولويات منصوص عليها في مذكرات الكونغرس وتقارير وزارة الخارجية الأميركية".
أما في ما يتعلق بتقديم عبدالكريم مقيق كعالم نووي، فأوضح المتخصص بالشأن الليبي - الأميركي أن "بعض المنابر الإعلامية الأميركية تناولته خطأ على أنه عالم نووي أشرف على تفكيك برنامج القذافي، وأشارت إلى رؤيته في مجال الطاقة وعلاقاته بواشنطن، غير أن الأرشيف الأميركي الرسمي والمصادر التخصصية في هذا الملف لا تذكره كشخصية محورية، فعملية تفكيك البرنامج النووي في عام 2003 موثقة أميركياً باعتبارها ثمرة تفاهم ثلاثي بين واشنطن ولندن والوكالة الدولية للطاقة الذرية مع مؤسسات رسمية ليبية، ولم تسند إلى شخص منفرد". وأضاف "من الثابت أنه لم يكن مهندساً نووياً ولا شخصية تقنية متخصصة، بل شغل موقعاً وظيفياً في جهاز الأمن الخارجي خلال فترة حكم القذافي، إذ كلف في إطار مهماته الإدارية بمتابعة بعض الإجراءات التنظيمية المتعلقة بعملية تسليم البرنامج النووي الليبي للجانب الأميركي". وقال إن "وجوده في بعض السرديات الإعلامية جاء نتيجة تغطية مرتبكة أو مضخمة، في حين أن الوثائق الأميركية الرسمية لا تسجل له أي دور قيادي أو تقني، وبناء على ذلك فإن نسبة كفاءته في مجال الطاقة إلى اعتراف أميركي رسمي تظل أمراً بلا سند توثيقي".
وأبرز المتحدث ذاته أن "الولايات المتحدة لم ولن تراهن على أشخاص، بل على المسار الأممي المؤسسي"، منوهاً بأن "أية محاولة لإيهام الليبيين بغير ذلك هي تضليل أو جهل بآليات السياسة الأميركية". وأوضح أن إحدى أبرز نتائج ما سمي بـ"الفوضى الخلاقة" بعد ثورة فبراير (شباط) عام 2011 كانت "تكرس الوهم لدى عدد كبير من الطامحين للسلطة، فإذا دققنا النظر في الغالبية العظمى من هؤلاء، نجد انعداماً شبه كامل للتجربة السياسية، يضاف إليه غياب التراكم المهني، وضعفاً أو انعداماً في شبكة العلاقات الدولية". وأكد أن "مثل هؤلاء لا يملكون برامج حقيقية موجهة لليبيين، بل يكررون وصفات كلاسيكية بائسة أثبتت فشلها طوال السنوات الماضية"، مشدداً على أن "ليبيا لا تملك اليوم رفاهية الوقت ولا ترف الموارد لإعادة تجريب الوصفات نفسها، فالمطلوب اليوم قفزة نوعية تبنى على استيعاب التكنولوجيا المتقدمة، وصياغة برامج عصرية تضع ليبيا في موقع تنافسي في ظل التحولات الجذرية للنظام العالمي الجديد"، مضيفاً أن "ليبيا اليوم بحاجة إلى من يملك خبرة تراكمية راسخة ورؤية متقدمة وفهماً دقيقاً لديناميكيات السياسة الأميركية والدولية ومعرفة معمقة بالملف الأمني، ومن يفتقد هذه المقومات لن يكون قادراً على إخراج ليبيا من أزماتها، بل سيقودها إلى إعادة إنتاج المآسي نفسها التي أنهكتها لعقود".
من جهة أخرى، رأى المحلل السياسي عبدالعزيز أغنية أن "مقيق لا يمتلك حظوظاً كبيرة مثله مثل كل الأسماء التي تقدمت بترشحها لرئاسة الحكومة المقبلة"، واصفاً المشهد السياسي الليبي بـ"غير المعلن منه غير الكواليس". وكشف أغنية عن أن "هناك دوامة من الاتصالات والترتيبات بين الأطراف الليبية والكل يسعى إلى إقصاء الكل، والمعركة في ما بينها معركة صفرية". وقال إن "مقيق يحاول أن يسوق لنفسه بأن له علاقات واسعة في أميركا، لكن أميركا نفسها ليست لها خطة محددة لحلحة المشكلة الليبية، إنما تحاول فحسب خدمة مصالحها بليبيا من دون حل الإشكال الليبي أو حتى الضغط من أجل حلحلته، وخير دليل على ذلك أنها حلت مشكلتها مع ’داعش‘ فى سرت أو عندما اصطادت كثيراً من عناصر التنظيم المتطرف في مناطق متفرقة بليبيا بعيداً من علم من يحكمون ليبيا". وأكد أن "الدبيبة لن يقبل بذلك، لأنه حتى إذا أصر العالم على تغيير حكومته، فهو سيسعى إلى أن يكون بديلاً لنفسه بطاقم وزاري جديد ينتجه من عملية المحاصصة".
الكاتب السياسي عبدالله الكبير أكد بدوره أن "اسم عبدالكريم مقيق برز قبل أربعة أشهر، حين فتح مجلس النواب الباب أمام الترشح لرئاسة الحكومة، ولكنه غير معروف لليبيين، وبالبحث والتحري تبين أنه ليس عالماً نووياً كما تزعم صفحات الدعاية التي تروج له، بل كان مجرد موظف في مركز البحوث النووية". وتابع الكبير أنه "حتى لو كان مقيق مدعوماً دولياً وأميركياً فلن يفيده هذا الدعم إذا كان الاختيار سيحتكم للصندوق، لأن الشعب الليبي لا يعرفه. وفي حالة تشكيل حكومة انتقالية جديدة فلن يكون سهلاً فوزه بالرئاسة مع شدة التنافس بين مرشحين عدة معروفين في الأوساط السياسية والشعبية الليبية".
ولا يعتقد الكبير أن الأمر سهل على مقيق "فرئاسة الحكومة بحسب الرؤية الأميركية لا بد أن تسند إلى مصراتة بحكم ثقلها العسكري ونفوذها الواسع، ففي ملتقى جنيف عام 2020 كانت كل القوائم تضم شخصية سياسية من مصراتة لرئاسة الحكومة، وفازت قائمة الدبيبة المصراتي الأصل".
في الموازاة، قال المستشار السياسي إبراهيم لاصيفر إن "عبدالكريم مقيق هو أحد المرشحين الستة الذين استوفوا شروط الترشح لرئاسة الحكومة المقبلة أمام مجلسي النواب والدولة في مايو الماضي، إذ قدم أوراق اعتماده وكشف عن جزء من برنامجه الانتخابي الذي يركز على دعم الديمقراطية والأمن". وأضاف أن "مقيق يدخل في هذا السباق متوسماً في علاقته الجيدة مع الولايات المتحدة، علاقة تكونت وتعمقت أثناء تفكيك برنامج ليبيا النووي في فترة حكم القذافي في عام 2003، مما عزز ثقة واشنطن به، وهي نقطة تحسب له من أميركا التي تقود حراكاً دبلوماسياً مكثفاً في ليبيا". واستردك لاصيفر أنه "لا يمكن أن تراهن الولايات المتحدة على هذا الجانب فقط، فالعملية السياسية في ليبيا معقدة وليست سهلة حتى يبرز اسمه كمرشح، بل أن الأمر يحتاج إلى توافق من المجتمع الدولي على هذه الشخصية ومن الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي ومن أطراف الصراع الليبي، وهذا أمر يعتمد على قدرة مقيق على الترويج لنفسه أمام هذه الأطراف والفرقاء".
ورأى أنه "من الطبيعي أن تراهن الولايات المتحدة على شخصية مثل مقيق بحكم علاقته مع بعض الوسطاء في إدارة الرئيس دونالد ترمب، مما مكنه حتى من حضور حفلة تنصيبه رئيساً، فمقيق اسم ليس بمجهول للولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى النافذة في ليبيا، لذلك تطرق مع بعض المسؤولين الأميركيين إلى عملية الوصول إلى رئاسة الوزراء في ليبيا". ونوه لاصيفر بأن "ما يمكن أن يعزز دور مقيق في الوصول إلى رئاسة الوزراء الليبية، هي عملية إقناع الدول المتدخلة في ليبيا وسلطات الأمر الواقع من مجلسي الدولة والبرلمان والمجموعات المسلحة شرقاً وغرباً، ولكن في حال جرى الذهاب إلى عملية تغيير الحكومة الحالية، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي، تبقى حظوظ مقيق عالية لما يمتلكه من سيرة ذاتية وعلاقات مميزة مع واشنطن والدول الحليفة لها".