اخبار ليبيا
موقع كل يوم -بوابة الوسط
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢١
في أحد شوارع العاصمة المالية، يتجادل أمبونغو غويندو وبلال با وهما جالسَين أمام منزليهما، بحدة منذ ثلاثين دقيقة. فهما يتناقشان في السياسة والأزمة بين باريس وباماكاو، وفي التدخل الروسي في بلدهما الذي تمزقه نزاعات، وفقًا لوكالة «فرانس برس»، يقول الأول إن «قصصك عن الروس هناك هراء! كيف يمكنهم حل المشكلة بألف؟» مشيرًا إلى العدد المفترض للمرتزقة الروس الذين يمكن أن ينتشروا في مالي. ويرد الثاني «سيأتون وسيكون أداؤهم أفضل من فرنسا».
قضية السيادة الوطنية
لا يتراجع أي من الرجلين الجالسين في واحد من آلاف أماكن المناقشات حول كأس الشاي في أزقة ترابية. لكن حججهما تتمحور حول مسألة واحدة تشغلهما هي قضية السيادة الوطنية، ومع التوتر بين مالي وفرنسا تشكل هذه القضية صلب النقاش العام.
وفي أجواء متشنجة أساسًا بسبب أزمة أمنية لا حل ظاهرًا لها وانقلابين خلال عام واحد، تفاقم توتر العلاقات بين مالي وفرنسا منذ منتصف سبتمبر مع كشف أن السلطات المالية الخاضعة لسيطرة الجيش، تجري مفاوضات مع شركة فاغنر الروسية للمرتزقة التي تواجه انتقادات، وهذا التعاون يتعارض مع جهود باريس لانتشار جنود فرنسيين في مالي يقاتلون المتطرفين.
وتصاعد التوتر بشكل غير مسبوق منذ بدء العملية الفرنسية في 2013 عندما وصف رئيس الوزراء المالي شوغيل كوكالا مايغا في 25 سبتمبر على منبر الأمم المتحدة الخطة الفرنسية لخفض وجود عسكرييها بـ«التخلي في أوج العملية»، ولم يتقبل المسؤولون الفرنسيون هذه الكلمات بسهولة، وجاء رد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن أن شرعية الحكومة المالية «معدومة ديمقراطيا» واتهم القادة بعدم العمل منذ أشهر، وهذا ما لم يتقبله المسؤولون الماليون، ومن دون التخلي عن «القضايا الجوهرية»، بدا مايغا في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، حريصًا على تطهير الأرض.
وقال مايغا إن «مالي وفرنسا تمثلان زوجين قديمين، وتحصل في بعض الأحيان مشاجرات عائلية لكنني لا أعتقد أن الأمر سينتهي بالطلاق»، وكان الوجود العسكري لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موضوع تعليقات عدائية بشكل منتظم في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما تنظم أيضا احتجاجات دورية ضد الجيش الفرنسي يرفع فيها المتظاهرون الأعلام الروسية، ويبدو أن فكرة استحالة روسيا ملاذًا تعززت منذ وصول الجيش إلى السلطة العام 2020.
وتتّبع السلطات «استراتيجية شعبوية» معارضة لكل من فرنسا وروسيا منذ 24 مايو عندما أطاح الجيش السلطات المدنية الانتقالية ليتولى الرئاسة ثم عين مايغا رئيسا للوزراء، كما يستذكر الباحث بوبكر حيدرة، وأضاف أن الجيش بعث برسالة مفادها أنه أطاح الرئيس الانتقالي لأنه «تواطأ مع فرنسا» و«منع شراء أسلحة من روسيا».
وفي ظل غياب استطلاعات موثوقة في هذا البلد الشاسع الذي يسيطر الجهاديون على مساحات واسعة منه، من الصعب تقييم نظرة معظم الماليين إلى الفرنسيين والروس، فضلا عن شعبية السلطات من عدمها، وضع روسيا في مواجهة فرنسا «استراتيجية تعمل بشكل جيد جدا» و«قد وجدت صدى إيجابيا في الداخل» وفق بوبكر حيدرة الذي أكد أن «التدخل الفرنسي لم يحسن الوضع الأمني فعليا»، في المناطق التي تشهد صراعات، يبدو أن للنقاش صدى أقل.
وقال ناشط من غاو عمل في الماضي من أجل عودة الدولة عندما كان يسيطر الجهاديون على المدينة: «لقد وعدنا هؤلاء الكولونيلات ببدء العمل. نريدهم فقط أن يفعلوا ذلك»، مضيفا: «سيطلب ذلك وجود شركاء، روس أو فرنسيون لكن إذا كانوا وحدهم سيكون الأمر مستحيلا».
وأكد رئيس الوزراء السابق موسى مارا أن السكان «يركزون أكثر على مسألة الأمن والحصول على دخل وإعالة أسرهم، على غرار 95 في المئة من الماليين»، وتابع: «هناك حماوة. ستنخفض لكنها ستكون قد أحدثت أضرارا وأثارت عدم ثقة».
وفيما يتبادل القادة في باماكو وباريس الانتقادات اللاذعة، يواصل الجهاديون شن هجماتهم، وفي 28 سبتمبر، أسفر هجوم على قافلة لشركة تعدين عن مقتل خمسة من عناصر الأمن في غرب مالي، وهي منطقة كانت بمنأى نسبيا عن الاضطرابات في شمال البلاد ووسطها، والخطر لم يعد يستثني أحدًا، وقال بلال با وهو جالس أمام منزله: «فيما نتحدث، الجهاديون يتحركون».