شاهدة على "الفوضى" الليبية.. ترهونة ترفض المصالحة وتنتظر العدالة

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن بلدة ترهونة' الليبية التي عانت من التعذيب والقتل على أيدي أفراد عصابة 'الكاني' تصارع من أجل العثور على جثث ضحاياها، ورغم مرور نحو عامين على خروج المجموعة المسلحة منها، ترفض البلدة 'المصالحة' وتنتظر 'تحقيق العدالة'.

ويقول تقرير الصحيفة الأميركية إن الفوضى السياسية في ليبيا 'لم تترك مجالا يُذكر للمصالحة التي يرى العديد من السكان أنها ضرورية لتحقيق السلام'، وتشير إلى أنه من الصعب العثور على مثال صارخ لإخفاقات القادة السياسيين الليبيين أكثر من ترهونة، الواقعة جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس، حيث قام سبعة أشقاء من عائلة 'الكاني' وميليشياتهم باحتجاز وتعذيب وقتل مئات السكان خلال خمسة أعوام من الحرب.

كانت 'عصابة الكاني' سيطرت على ترهونة في 2015. وكانت مؤيدة لحكومة الوفاق أولا، ثم تحول ولاءها إلى قوات المشير، خلفية حفتر، التي جعلت من ترهونة قاعدة خلفية لها، في محاولتها السيطرة على العاصمة، طرابلس، اعتبارا من أبريل 2018.

ومع انسحاب قوات حفتر بعد هزيمتها، في يونيو عام 2020، طردت عصابة 'الكاني' من البلدة، ليبدأ مسلسل العثور على عشرات المقابر الجماعية، ورافق ذلك سخط عام حيال وحشية الأفعال التي ارتكبتها العصابة بحق مئات المدنيين.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان سابق، إن المجموعة المسلحة كانت خلال هذه السنوات 'تخطف وتحتجز وتقتل وتخفي أشخاصا يعارضونها أو يشتبه بأنهم يفعلون ذلك'.

وبعد عامين على خروجهم من المدينة، لا تزال ترهونة تبحث عن جثث الضحايا، وتقول بعض الأسر إنها علمت بمصير أقاربها من سجناء سابقين أو شهود آخرين، وأبلغوا بشهادات مروعة، مثل إلقاء شخص وسط أسود زعماء 'الكاني' ودفن شخص حيا.

وتركت العصابة خلفها مقابر تضم مئات الجثث، بحسب لجنة تابعة للأمم المتحدة حددت مؤخرا عدة مواقع مقابر جديدة في ترهونة.

وقال المحققون الليبيون إنهم عثروا على ما يقرب من 250 جثة حتى الآن، لكن 470 عائلة أبلغت عن أقارب مفقودين، وبالتالي فإن عدد القتلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وفقا لكمال أبو بكر، اختصاصي الحمض النووي الذي يشرف على جهود البحث والتعرف على الجثث.

وتنقل نيويورك تايمز شهادة كلثوم الحبشي، وهي مديرة مدرسة تمريض في ترهونة متقاعدة: 'سنمضي قدما عندما نحقق العدالة، ويدفعون ثمن جرائمهم، وحتى يحدث هذا، لن تكون هناك مصالحة.. عندما تقول لي:' اصنع السلام'، كيف يمكنني أن أصنع سلاما مع شخص لطخت يديه بالدماء؟ كيف يمكنني مصافحته؟'

العودة إلى 'الفوضى'

وبعد أكثر من عام من الاستقرار 'الهش'، تتجه ليبيا مرة أخرى نحو الفوضى، إثر الفشل في انتخاب حكومة جديدة يمكنها إعادة توحيد المؤسسات الليبية المنقسمة ونزع سلاح الميليشيات وطرد المقاتلين الأجانب.

وانقسمت ليبيا مرة أخرى بين قادة متنافسين، لم يعمل أي منهم على إجراء انتخابات، وأدى صراعهم على السيادة، والسيطرة على الثروة النفطية في ليبيا، إلى وقوع اشتباكات دامية في طرابلس، وتعطل الحياة اليومية، وإضعاف إنتاج النفط، شريان الحياة الاقتصادي للبلاد.

وجعلت الفوضى تحقيق العدالة 'بعيد المنال' في ترهونة، مع تورط القادة، على جانبي الصراع، في حدوث الفوضى مرة أخرى.

وقال حمزة الكنوني، الذي قتلت عصابات 'الكاني' ابن عمه: 'كل من هم في مواقع السلطة يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة.. إنهم حتى لا يرون ليبيا'.

ويقول التقرير إن الحكومة الليبية لا تستطيع تحقيق 'العدالة' في ترهونة، وبعد قطع التمويل، توقفت تقريبا جهود الكشف عن الجثث، بسبب الأزمة السياسية، التي قسمت البلاد، مع تدخل القوى الأجنبية وعدم اكتراث القادة السياسيين.

ومع فشل المفاوضات، التي توسطت فيها الأمم المتحدة في القاهرة وجنيف في وقت سابق من هذا العام في إحراز تقدم سياسي، يوجد في ليبيا رئيسا وزراء هما عبد الحميد دبيبة في الغرب، وفتحي باشاغا، الذي اختاره حفتر، في الشرق.

وبعد عام، اعتاد فيه العديد من سكان طرابلس على طرق آمنة وجيدة، عادت الخدمات الأساسية إلى حالة الفوضى مرة أخرى.

وقال ولفرام لاتشر، الخبير في شؤون ليبيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: 'في الوقت الحالي، لا يوجد طريق واضح للمضي قدما سوى استمرار حالة الجمود وعدم الاستقرار... كل شيء هو انتهازية تامة. الأمر يتعلق فقط بتقسيم المراكز والأموال'.

واحتج مئات الأشخاص في جميع أنحاء البلاد، مؤخرا، على الوضع المعيشي المتدهور، وأضرموا النار في برلمان شرق البلاد بسبب انقطاع التيار الكهربائي، الذي يستمر لمدة 18 ساعة.

وقالت حليمة أحمد، مدرسة القانون في جامعة سبها: 'مطالب الناس صغيرة للغاية، فقط الأساسيات. لا مزيد من انقطاع التيار الكهربائي، وتوفر الطعام.. كان حلمنا أثناء الثورة أن نكون مثل دبي. الآن نريد الاستقرار فقط'.

ومع غياب القادة الوطنيين وعودة الفوضى، تتدخل مجموعة غير رسمية من شيوخ القبائل من جميع أنحاء البلاد للمساعدة في إعادة توطين أفراد عصابة 'الكاني' المنفيين.

وهو جزء من عملهم في التوسط في النزاعات والتوصل إلى اتفاقات يمكن أن تتضمن تعويضات واعتذارات رسمية وتعهدات.

لكن ضحايا ترهونة لا يرون في المصالحات بديلا عن نظام قضائي فاعل. وقال بعضهم إنهم حاولوا مرارا الاتصال بالشرطة لأنهم لا يرغبون في اللجوء إلى القتل الانتقامي، 'لكن المسؤولين لا يفعلون شيئا'.

ومع ذلك، في بلد لا يخضع فيه أصحاب القوة والمال والسلاح لأحد، فإن الوسطاء هم كل ما لديهم، وفق التقرير.