مزبلة ذهنية في دراسة شؤون لبنان الدستورية
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي: لا تعليم بلا قبضجاء في كلام أحد الدبلوماسيين الأجانب: إذا قال لك أحدهم إنه فهم لبنان فهذا يعني أنه لم يتم له الشرح بوضوح! لا يعني هذا القول، كما هو متداول غالبًا، أن لبنان عصي عن الفهم، بل المنهجية السائدة هي غالبًا غير صائبة وغير استنتاجية.
يواجه يوميًا من أمضى حياته، كالعديد من كبار الآباء المؤسسين اللبنانيين والباحثين الرياديين اللبنانيين والأجانب، في البحوث العالمية والمقارنة، مزبلة ذهنية في كتابات وسجالات ببغائية تتطلب بعد اليوم، وبعد الكارثة وانطلاقًا من الاختبار، الغوص لا في إعداد أوراق إصلاحية - أو ما أسماهم وضاح شرارة خلال سنوات الحروب في لبنان الوراقين - بل تصويب منهجية المقاربة بالذات في شؤون لبنان. ما هي المنهجية الصائبة والاستنتاجية؟ نستخلص المنهجية في ثلاثة توجهات أساسية.
1. المرجعية العلمية المعاصرة في تصنيف النظام الدستوري اللبناني: كل ظاهرة هي غريبة ومستهجنة ويسعى العلم إلى تصنيفها classification / typologie ليجد لها السببية والتفسير والعلاج. استنادًا إلى البحوث المقارنة منذ سبعينات القرن الماضي، وشاركنا في البعض منها مع باحثين لبنانيين وأجانب، حصل سعي لتصنيف أنظمة دستورية عديدة في العالم كانت تعتبر سابقًا فريدة من نوعها sui generis: سويسرا، النمسا، بلجيكا، يوغوسلافيا القديمة، البلاد المنخفضة، جزر فيدجي، جزيرة موريس، إيرلندا الشمالية، غانا، نيجيريا، لبنان...
استعملت تعابير متعددة في هذا السياق وانطلاقًا من لبنان، منذ مؤتمر اليونسكو سنة 1970: consociatio, proporzdemocratie, concordance, power sharing…. وساهمت في تنظيم مؤتمر في الجامعة اللبنانية سنة 1986 وإصدار كتاب بمشاركة باحثين لبنانيين وأجانب: Arend Lijphart، Theodor Hanf، Heribert Adam... بعد هذا الجهد العلمي والمنهجي المميّز، تم اعتبار هذه الأبحاث لدى كتاب لبنانيين وعرب وأجانب عقيدة أو فلسفة أو نظرية، مثل رأسمالية وشيوعية واشتراكية...، في حين أنها تصنيف classification / typologie. يتوجب تاليًا، انطلاقًا من هذا التصنيف، إجراء دراسة حالات في سبيل التحليل واستنباط الحالات الصحية والحالات المرضية، كما في الطب حيث توجد ظواهر صحية وظواهر مرضية في العين والمعدة والكبد...!
أي ترجمة عربية لتعابير بالإنكليزية والألمانية والفرنسية... تتحوّل في لبنان والمنطقة العربية إلى شعارات ووسيلة للمخادعة. حتى الله عز وجل تلوث من خلال تنظيمات إرهابية تدّعي الإسلام! أرقى المفاهيم في الحقوق وعلم السياسة pacte, consensus, power sharing, consociatio… تحوّلت إلى حجم وأحجام وحصص وتوافقات زعماتية وتعطيل وحقوق مسيحيين مع بركة كتاب وتعميم في خطاب السوق.
2. لا تمييز ولا تراتبية: عندما يغوص لبنانيون في شؤون لبنان، المركّبة والصعبة، مع خلط كل الشؤون ببعضها، بدون تمييز ولا تراتبية في المقاربات والأهمية، تكون النتيجة ضبابية وغارقة في عموميات تكرارية وغالبًا ببغائية حول الطائفية وغيرها من القضايا وغير استنتاجية. على سبيل المثال عندما يصب لبنانيون، وغالبًا مؤلفون أيديولوجيون، اهتمامهم أو غيضهم على النظام فماذا يعنون بالنظام: النص الدستوري؟ الممارسة؟ الخطاب السياسي المتداول الذي يهدف غالبًا إلى التعبئة؟
3. طبيعة التعددية الدينية والثقافية: كل تعددية، حتى في العائلة النووية المنسجمة، هي صعبة الإدارة ولا نقول مستحيلة. تخضع التعددية وإدارتها لمعايير وقواعد ديمقراطية عالمية. أما التعددية الثقافية، بالمعنى الاجتماعي، أي الدينية والعرقية واللغوية والاتنية...، فهي ذات خصائص متميزة وتتمتع بدرجات متفاوتة في الثبات وتتطلب إجراءات خاصة في نظرية التعددية الحقوقية pluralisme juridique والتمييز الإيجابي discrimination positive. إنها إجراءات مطبّقة بدرجات متفاوتة ومعيارية ومحدودة في أكثر من أربعين دولة في عالم اليوم على نمط المادة 95 بالذات من الدستور اللبناني التي يرميها لبنانيون في مزبلة الطائفية.
ودرج مؤلفون في كتاباتهم على اعتماد تعبير مجتمعية في دراسة البناء الدستوري اللبناني. تحوّل المفهوم إلى شعار جديد بدون إدراك البُعد الثقافي، بالمعنى الاجتماعي في سبيل دراسة استنتاجية حول قواعد وضوابط الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية في لبنان وفي العديد من المجتمعات العربية. أدارت هذه المجتمعات تعددية نسيجها الاجتماعي طوال قرون قبل بروز تيارات قومية انصهارية مناقضة لمجمل التراث الدستوري العربي والإسلامي.
في مؤتمر جامعي في تشرين الأول 2025 جمع أكثر من ثلاثين من الخبراء ومدعي الاختصاص، جاء في مداخلة أحد المشاركين الأجانب: ما يرد في المادة 95 من الدستور لا مثيل له في دساتير أخرى! أبرزنا ثلاث موسوعات حول إدارة التعددية الدينية والثقافية في العالم ودراسة دستورية مقارنة حول التعددية الحقوقية وقاعدة التمييز الإيجابي والمعايير الناظمة في التطبيق.