اخبار لبنان

المرده

سياسة

الدعم الأميركي لـ«قسد» باقٍ: مطالب واشنطن تحاصر الشّرع

الدعم الأميركي لـ«قسد» باقٍ: مطالب واشنطن تحاصر الشّرع

klyoum.com

كتب فراس الشوفي في "الأخبار"

خلف ضجيج الحفلات الدعائية في دمشق، والاستعراض الخالي من النتائج في نيويورك، يقف الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، أمام الواقع، مُحاطاً بالكثير من الالتزامات الخارجية والداخلية، بينما هو خالي اليدين. رغم نجاحات موفد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى سوريا، والسفير التركي في أنقرة توم برّاك، في مهمّة «متعهّد الحفلات» للشرع، و«كبير مبيّضي» صفحته، إلّا أن الصور والابتسامات لا تفلح في حجب المهام الحقيقيّة المُنتظرة من «والي دمشق»، وفق ما باتت تصفه به بعض دوائر الاستخبارات الأوروبية.

تضمّنت أجندة برّاك ما قبل زيارة الشرع إلى نيويورك، إعطاء دفع إضافي لحملة التبييض تلك، عبر ترتيب زيارة لقائد القيادة المركزية الأميركية، الأدميرال تشارلز برادلي كوبر، وزوجته سوزان كوبر، إلى سوريا في 12 أيلول الحالي. صورة كوبر وزوجته تعني بحسب برّاك أن «كلّ شيء جيد في دمشق»، وأن بإمكان ترامب إعلان سحب القوات الأميركية من سوريا قريباً، وفق ما كان ولا يزال يريد منذ ولايته السابقة.

كما أنها رسالة بأن الشرع شخصية تستأهل «زيارة عائلية» من الأدميرال الأميركي المقيم في قطر، والذي كان في الأسبوع السابق ضيف شرف عند رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، الذي قدّم له، في «الكيرياه»، مقر وزارة الحرب الإسرائيلية، تقييماً عملياتياً للوضع الأمني وللخطط الإسرائيلية للمرحلة المقبلة. أما السيدة كوبر، فلم تضيّع وقتها في فلسطين المحتلة من دون تأكيد دعمها إسرائيل، حيث زارت في الأسبوع الأول من أيلول مركزاً للدعم النفسي لعائلات العسكريين الإسرائيليين المشاركين في العدوان على غزة.

وبينما لم تقدّم البيانات الرسمية الصادرة بعد اللقاء في دمشق أي إشارات مفيدة لفهم طبيعة المباحثات بين الشرع وكوبر، تؤكد التسريبات أن الزيارة ركّزت على تعاون الطرفين لمحاربة «داعش»، إلى جانب ملفات أخرى يراد من خلالها اختبار مدى قدرة الرئيس الانتقالي على الوفاء بالتزاماته، إذ بحسب مصدر دبلوماسي غربي، نقل كوبر إلى الشرع رسالة من مظلوم عبدي، قائد «قسد»، بأن أي عملية دمج للأخيرة ضمن الجيش الجديد، تتطلّب استيعابها كحالة كاملة، وإدخالها ككتلة واحدة ضمن نظام شديد اللامركزية.

ومن المفيد التذكير هنا، بأن كوبر ليس غريباً عن المنطقة، حيث عمل في السنوات الأخيرة تحت القيادة المباشرة للجنرال مايكل كوريلا، القائد السابق للقيادة المركزية؛ كما أنه، مثله مثل كوريلا، يمنح «قسد» أهمية خاصة في الحرب على «داعش»، وفي ما يسميانه «احتواء التطرف، ميدانياً واجتماعياً». ولهذا يتطابق كوبر مع سلفه في تبنّي مطالب الأكراد في ما يخص المفاوضات مع دمشق.

وبالعودة إلى رسالة عبدي، يشير المصدر الدبلوماسي الغربي إلى أنها تعكس إصراراً على رفض نماذج الحلول التركية التي يتبناها الشرع، والتي تقتضي تذويب «قسد» وتفكيك قيادتها ضمن الجيش الجديد، خصوصاً أن الموقف الأميركي بات يميل إلى دعم مطالبة «قسد» بالنظام اللامركزي أو الفدرالي، وأن برّاك نفسه اضطر إلى التخلي عن تصريحاته السابقة حول دعم الشرع لفرض نظام مركزي، متحدّثاً عن صعوبة نجاح الرجل في فرض هيمنته بالقوة على الجماعات الدينية والإثنية المختلفة.

الأمر الآخر المهم الذي طلبه كوبر، هو انضمام دمشق رسميّاً إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، وهي المهمّة التي يهرب منها الشرع علناً، ويحاول أن يؤدّيها سرّاً من خلال تنفيذ عدّة عمليات مع قوات التحالف، ضد أفراد وخلايا للتنظيم في حلب وحماه والبادية. ولن يكون سهلاً على الشرع، الذي انقلب على كلّ شعاراته وشعارات زملائه السابقة، أن يعلن الحرب على التنظيم، الذي لا يفتأ يستغل الفراغ الأمني في الكثير من أنحاء الجغرافيا السورية، وتداخل عناصره مع عناصر القوات التابعة للحكومة الانتقالية، مستثمراً في دعايته أخطاء الشرع وتقاربه مع إسرائيل والغرب، وذلك لاستقطاب الأتباع. ويصوّر «داعش» الشرع كامتداد لـ«الصحوات» التي شكّلها الأميركيون في العراق من أبناء العشائر، و«المفاحيص»، أي فصائل المعارضة السورية السابقة التي دعمها الغرب بعد أن فحصها وتأكّد من ولائها له.

تبدو عودة «داعش» إلى النشاط في البادية، موجّهة نحو «قسد»، أكثر مما هي نحو نظام الشرع

وإذ شارك العديد من عناصر التنظيم، مع العناصر المتطرفين الآخرين ضمن صفوف القوات التابعة للشرع والعشائر في ارتكاب جرائم السويداء والساحل، وهو ما تمّ توثيقه بمقاطع مصوّرة، فقد يدفع الصدام مع «داعش»، إلى ازدياد تأثيره داخل تلك القوات، خصوصاً أن شعور بعض الفصائل والقيادات، ومن بينها فصائل المهاجرين التي تشكّل قاعدة الشرع الأساسية، يتنامى بخطر انقلاب الرجل عليها لتنفيذ المطالب الغربية في محاربة الإرهاب وانتشار التطرّف ومعالجة مسألة المقاتلين الأجانب. ويترافق ما تقدّم مع صدور فتاوى تكفير ضد الشرع من رموزٍ بارزة في تنظيم «القاعدة»، على خلفية علاقاته مع إسرائيل وأميركا، علماً أن قيادات التنظيم الأمّ في الخارج، قادرة على التأثير أيضاً في جزء من جماعة الرئيس الانتقالي.

حتى الآن، تبدو عودة «داعش» إلى النشاط والسيطرة في بعض المناطق الداخلية في البادية، موجّهة نحو «قسد»، أكثر مما هي نحو نظام الشرع، وهو ما سيتغيّر حتماً في حال انضمام الرئيس الانتقالي رسمياً إلى حملة «التحالف الدولي»؛ علماً أن التنظيم لم يسكت عن الهجمات التي شاركت فيها قوات الشرع مع التحالف، وبدأ يستهدف جنود الحكومة الانتقالية ونقاطها في الوسط وفي الجنوب السوري، لكن بشكل محدود حتى الآن بالمقارنة مع الهجمات اليومية ضد «قسد».

ودفع النشاط المتنامي للتنظيم بالأميركيين، إلى وقف استكمال خطة سحب بعض القوات من الشرق السوري، ولا سيّما من قاعدة الشدادي، خصوصاً مع تكثّف الهجمات ضد «قسد» في محيط حقل «كونيكو» للغاز، منذ انسحاب القوات الأميركية من مواقعها فيه قبل ثلاثة أشهر. وأتت الوقائع الميدانية تلك، لتدعم المطالب الإسرائيلية بإبقاء الولايات المتحدة على سيطرتها على «التنف» وعلى انتشارها في الشرق، حيث لا تريد إسرائيل أن يزداد الفراغ الأمني بما يسمح بعودة إيران وحلفائها من قوى المقاومة إلى تهريب السلاح عبر سوريا، ولا السماح لتركيا بملء هذا الفراغ أمنياً أو سياسياً، قبل أن تكون إسرائيل جاهزة للقيام بهذه المهمة بنفسها.

وبدا لافتاً أيضاً، طلب كوبر من الشرع، إعطاء الأميركيين بقعة آمنة في دمشق يمكن تأمين حمايتها بشكل كامل لوضعها في تصرّف الدبلوماسيين والعسكريين والأمنيين الأميركيين، الذين سيعملون في العاصمة السورية. وبحسب المعلومات، اختار الأميركيون مطار المزّة العسكري ليكون هو تلك البقعة.

وعلى الرغم من أن الدبلوماسيين الغربيين يصفون الشرع بـ«والي دمشق» لأن سيطرته المباشرة لا تتجاوز حدود العاصمة، فإن الأمنيين الغربيين يرون مساحة سيطرته الأمنية أصغر بكثير، بما يتطلّب تواجداً أمنياً غربياً مباشراً في دمشق لحماية الدبلوماسيين الغربيين من هجمات محتملة يمكن أن تنفّذها التنظيمات المصنّفة «إرهابية». ويضع أيضاً حصول الأميركيين على موقع مميّز من هذا النوع قرب دمشق، على أكتاف الشرع أعباء إضافية في تبرير موقفه أمام قاعدته وحاضنته، بعدما خلقت لقاءاته ومحاولاته لعقد اتفاق أمني مع إسرائيل انقساماً داخل الحاضنة ذاتها، ورفضاً عاماً من السوريين.

حَمْلُ الأميركيين هذه المطالب لـ«والي دمشق» في هذا التوقيت، يثير الكثير من الشكوك حول الحديث عن كونهم على وشك التخلي عن الأكراد في الأيام المقبلة عندما تنطلق العملية العسكرية الموعودة من دمشق ضد «قسد». وللتذكير، فإن الأول من تشرين الأول، هو اليوم الأول من العام المالي 2026 في الولايات المتحدة، والذي أقرّ الكونغرس في موازنته مخصّصات مالية لـ«قسد» في سوريا تقارب مستويات الأعوام السابقة، وذلك في إشارة إلى «Business as usual» في الشرق السوري.

*المصدر: المرده | elmarada.org
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com