مراهنات كازينو لبنان… اختلاس وتبييض أموال أم صراع سياسي حول أسماء جديدة؟
klyoum.com
أخر اخبار لبنان:
عناوين الصحف الصادرة اليوم الجمعة 03 10 2025الملفّ متشعّب خصوصاً أنه يشمل مشتبه بهم يعملون تحت مظلّة أحزاب كبرى، مستفيدين من غطائها لتمرير عمليّات اختلاس وتبييض أموال في سياق صراع سياسي حول النفوذ المالي، وهو صراع لطالما حكم الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، وكرّس ثقافة الإفلات من العقاب التي يستفيد منها نافذون…
لا يزال ملفّ المراهنات وألعاب القمار عبر الإنترنت التابعة لشركة "بيت أرابيا"، مفتوحاً بعد تكرار مداهمات جهاز أمن الدولة لمجموعة من صالات القمار الموزّعة على الأراضي اللبنانية، وإقفالها بالشمع الأحمر وتوقيف مشبوهين.
يشبه هذا الملفّ ملفّات الفساد التي طالما برزت في لبنان ويقف خلفها نافذون، لكن هل سيُطوى الملفّ سريعاً كما هو معتاد دون محاسبة؟ ومن يقف خلف هذه المكاتب وأين تذهب الأموال؟
كيف بدأت القصّة؟
بدأت القصّة مطلع هذا الصيف بمداهمة جهاز أمن الدولة عدداً من مراكز القمار، كونها لم تلتزم بالشروط التي تحكم طبيعة عملها، إذ لا يُسمح لها بفتح هذه المراكز على الأراضي اللبنانية، خصوصاً مع معلومات أمنية حول وجود عمليّات تبييض أموال بملايين الدولارات عبر هذه المراكز.
هذا الملفّ يسلّط الضوء على عمل "كازينو لبنان"، الذي وُصف في السنوات الماضية عبر تحقيقات صحافية وتصريحات لمسؤولين وسياسيين، بأنه من أبرز واجهات الفساد في البلد، وأنه أحد المحميّات السياسية الكبرى لنافذين في لبنان.
من هنا أتت الشبهات بشأن شركة "بيت أرابيا"، التي أُتيح لها التعاقد مع كازينو لبنان، لتشغيل ألعاب الميسر والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت، وذلك بالتزامن مع تعيين رولان خوري رئيساً لمجلس إدارة الكازينو في عهد الرئيس السابق ميشال عون.
والمعروف أن منصب رئيس مجلس إدارة الكازينو، هو من حصّة رئيس الجمهورية في سياق نظام التحاصص الطائفي المعتمد في لبنان. لاحقاً، نزع ديوان المحاسبة الشرعية عن منح ترخيص إدارة وتنظيم ألعاب الميسر للشركة، واضعاً إياها في خانة السوق السوداء.
مراهنات أون لاين… من يراقب ومن يحمي؟
لعب القمار عبر الإنترنت جذب كثيرين خصوصاً من الطبقة الوسطى والدنيا، الذين تغريهم إمكانية تحسين وضعهم المادّي بنقرة سريعة أو مراهنة سهلة…
من بين هؤلاء خضر الأخضر الذي كان يشارك منذ أكثر من عشر سنوات، في مراهنات عبر الإنترنت في دول تشرّعها قانونياً.
قبل ٤ سنوات عاد الأخضر إلى لبنان وتعرّف على مشغّل، وبدأ بوضع الأموال في حسابه على تطبيق " 360 bet"، وربح أموالاً كثيرة كما يقول، فهو يمكن أن يراهن بمبلغ ٢٠٠ دولار، ويعوّضه بآلاف الدولارات من المراهنات، إلى أن توقّف هذا التطبيق منذ سنتين وظهر بديل له هو "بيت أرابيا"، كما قال الأخضر في مقابلة مع "درج".
يلعب الأخضر في مراهنات كرة القدم، منها الدوري الإنكليزي والأسباني، بعد أن راج "بيت أرابيا"، فتح حساباً خاصّاً به بدلاً من الذهاب إلى مكاتب التشغيل، وبدأ يسحب الأرباح من مكتب تحويل للأموال حسبما يقول، ثم لاحظ أن الأموال التي يربحها أو يخسرها لا تطابق ما تقوله المنصّة المشغلة للألعاب: "عندما يكون الربح ١٠٠٠ دولار يتفاجأ اللاعب أن حسابه ٧٠٠ وهذا ما حصل معي".
المراهنات الرقمية ظاهرة شائعة في العالم، انتشرت بشكل كبير في لبنان في عام ٢٠٢٢، عند ظهور منصّة "بيت أرابيا" التي تمّ الترويج لها على أنها مرخّصة من كازينو لبنان، وهو المكان الوحيد المخصّص للقمار في لبنان.
هذه الألعاب استهدفت فئة الشباب خصوصاً الطبقة الأكثر فقراً، التي تعيش أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة في لبنان. هذه الفئات تحاول إيجاد مصدر مالي من هذه المراهنات، إذ تقدّر العائدات المالية لهذه الألعاب بأكثر من ٩٠ مليون دولار سنوياً، حسب بيانات تفاصيل أرباح سوق الألعاب وتوزيعها التي اطّلع عليها "درج".
المشغّلون والسياسيون من خلفهم
يُدير شركة "بيت أرابيا" جاد غاريوس، وهو مقرّب من حزب "القوّات اللبنانية"، الذي شملته سلسلة التوقيفات والتحقيقات التي بدأت هذا الصيف، وقد ادّعت عليه القاضية لورا الخازن بجرائم التهرّب الضريبي والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال.
تكشف تفاصيل معقّدة من ملكيّة الشركات وتوزيعات الحصص فيها، كيف تملك جهات سياسية نافذة حصصاً عبر شخصيات محسوبة عليها.
مثلا، يمتلك الحصّة الأكبر في شركة "بيت أرابيا" كلّ من المتعّهد هشام عيتاني وجاد غاريوس، ويحصل كازينو لبنان على نسبة تتراوح بين 16 و18 في المئة من الأرباح، و18 في المئة تذهب إلى خزينة الدولة، فيما يحصل عيتاني على نسبة تتراوح بين 62 و64 في المئة.
اللافت هو التقاطعات السياسية والمالية التي برزت في هذا الملفّ. فمثلاً تساهم شركتا Online Support Service و INTRSKETION في تشغيل شركة "بيت ارابيا".
يُدير شركة Online Support المسجّلة في عام ٢٠٢٢ في ثلاثة دول هي لبنان، وقبرص، وأميركا جاد غاريوس المقرّب من حزب "القوّات اللبنانية"، أما شركة INTRSKETION فتعود لهشام عيتاني المحسوب على "تيّار المستقبل"، ومعه نادر الحريري الذي كان مستشار الرئيس السابق سعد الحريري، والذي أصدرت قاضية التحقيق قراراً بمنعه من السفر لعدم حضوره التحقيق، وهو خارج لبنان أصلاً، كما فرّ عيتاني خارج لبنان عندما أوقف جهاز أمن الدولة المدير العامّ لكازينو لبنان رولان خوري.
تُظهر هذه التقاطعات بين ملكيّة هذه الشركات وهويّة مديريها وعلاقاتهم بنافذين، مدى تقاطع النفوذ السياسي والمالي في البلد، الذي برز سابقاً مثلاً في ملفّ المصارف والانهيار المالي الذي شهده لبنان في عام ٢٠١٩، في ما وُصف بأنه أكبر مخطّط مالي "بونزي" أي (عمليّة استثمارية احتيالية) تسبّب بانهيار الوضع المالي. حينها تمكّن سياسيون ونافذون وهم أصلاً إما يملكون بعض هذه البنوك، وإما هم في مجلس إدارة عدد منها، من تهريب أموالهم إلى الخارج، في حين لم يستطع معظم المودعين سحب أموالهم حتى اليوم، وحتى اليوم أيضاً تتعثّر المحاسبة في الملفّ ولم تتمّ معالجته.
احتكار غير قانوني لجني ملايين الدولارات
تخضع ألعاب القمار بشكل عامّ لوجهين من الضوابط في القانون اللبناني، وهما المنع والحصرية. فالحصرية أجازها القانون رقم 417 الصادر سنة 1954، الذي منح شركة كازينو لبنان حقّاً حصرياً في استثمار ألعاب القمار.
وفي عام ٢٠٠٨، وقّع وزيرا المالية جهاد أزعور والسياحة جوزيف سركيس على تعديلات جديدة على المادّة 10، من القانون الذي أعطى الترخيص لشركة كازينو لبنان، سمحت له بشكل حصري بتنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت، وفي آذار/ مارس 2023، أعاد وزيرا المالية يوسف الخليل والسياحة وليد نصّار توقيع ملحق تعديلي منح الكازينو جميع ألعاب القمار الحاضرة والمستقبلية، سواء أكانت مصنّفة بأنها ألعاب قمار أم غير مصنّفة.
هذه التعديلات السابقة لم تمرّ عبر مجلس الوزراء ولم يُعرض مضمونها على مجلس النواب لإدراج صلاحية القمار الالكتروني، حيث اعتبر ديوان المحاسبة أن العقد المبرم مع Online Support Service الذي شاركت فيه وزارتا المالية والسياحة، تجاوز القوانين كما أضرّ بمصالح الدولة المالية.
وخلص ديوان المحاسبة إلى أنه "لا صفة قانونية للكازينو للقمار عبر الإنترنت"، معتبراً أن العقد الأساسي الموقّع بين المالية والكازينو في عام 1995، يُجيز للأخير تنظيم ألعاب القمار "الأرضية" حصراً، على أن تُحدّد شروط الاستثمار ومدّته بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
لم يقتصر الأمر على عدم قانونية الترخيص، بل إن العقد الموقّع بين الشركات و"بيت أرابيا" العائد ملكيّته لكازينو لبنان، لم يخضع لقوانين هيئة الشراء العامّ، ووُقّع من دون أي مناقصة أو إعلان عبر الهيئة، بل تمّ بين شركتي Online Support Service و INTRSKETION
مع رولان خوري مدير الكازينو، بحجّة أن كازينو لبنان لا يخضع لهيئة الشراء العامّ، حينها اعتبر تقرير صادر عن الهيئة أن شركة كازينو لبنان خاضعة لقانون الشراء العامّ، كونها من الشركات التي تملك فيها الدولة وتعمل في بيئة احتكارية.
رغم هذا التجاوز، أطلق رولان خوري مدير الكازينو والشركات المشغّلة خطّة "بديلة" في عام ٢٠٢٢، تتيح المقامرة عبر الإنترنت، اعتبرها حقّاً لكازينو لبنان ولتأمين مداخيله واستمراره بعد الأزمة الاقتصادية، التي أدّت إلى إغلاقه وتقليص موارده المالية، وتعويض السائح القادم إلى لبنان، حسب قوله في إحدى مقابلاته في عام ٢٠٢٤.
وبالفعل انتشرت منصّة "بيت أرابيا" بين اللبنانيين، وأصبح لها مشغّلون عبر مكاتب غير شرعية، تستهدف فئات الشباب من مختلف الأعمار.
ومع انتشار مكاتب قمار ألكترونية متعدّدة، هاجم رولان خوري هذه المكاتب معتبراً في إحدى مقابلاته أنها مكاتب غير شرعية، وأن مشغّليها "جماعة زعران حاولوا العمل معنا مقابل ١٠٪ من عملهم"، متوعّداً بمقاضاتهم ورفع دعاوى شخصية ضدّهم بتبييض الأموال والتهرّب الضريبي، نافياً الأنباء المتداولة عن تقاضي كازينو لبنان نسباً من أرباحهم.
حينها عارض رئيس مجلس إدارة شركة "OSS" المشغّلة لـ "بيت أرابيا" جاد غاريوس كلام خوري، حيث ظهر في مقابلة قال فيها "هناك مروّجين لمنصّة بيت أرابيا مشرّعين ضمن العقد الموقّع مع كازينو لبنان".
وبالفعل بدأ غاريوس بتوسيع الشبكة مع العملاء عبر توقيع عقود، مستنداً إلى الترخيص الممنوح له من قِبل وزارتي المال والسياحة، رغم عدم قانونية القرار بحسب ديوان المحاسبة.
تواصل "درج" مع وزير السياحة السابق وليد نصّار، لسؤاله عن كيفية توقيع العقد كونه كان وزيراً للسياحة حينها. الوزير ردّ بأنه "ليس هناك من مستندات سرّية، المتوفّر لديّ موجود مع كافّة المعنيّين، بالإضافة إلى قانون حقّ الوصول للمعلومات. ليس لديّ كوزير وصاية في تلك المرحلة أي شي إضافي. نؤمن بالدولة القادرة والقضاء العادل".
كيف تُسحب أموال الدولة عبر شركات وسيطة؟
بحسب العقد المبرم بين الدولة وكازينو لبنان في عام 1995، يتمّ رفع حصّة الدولة من الأرباح، بدءاً من العام 2000 من 30٪ إلى 40٪ حتى نهاية السنوات العشرة الأولى، وفي السنوات العشرة التالية، تكون حصّتها 50٪.
لكنّ فتح الباب أمام القمار الإلكتروني والشركات المشغّلة لـ "بيت أرابيا"، قلّص حصّة الدولة، حيث تضاعفت فعلياً أرباح الشركات المشغّلة مع مكاتب التشغيل غير الشرعية، إذ بلغت الأرباح بالترويج القانوني نحو ٩٠ مليون دولار، بينما بلغت في السوق السوداء ١٨٠ مليون دولار، والهدف رفع الأرباح إلى ٢٧٠ مليون دولار، على حساب حصّة الدولة، بينما بلغت عائدات القمار من كازينو لبنان ٤٠٪ وذلك بحسب بيانات وزارة المالية .
يتمّ جني هذه الأموال عبر مكاتب غير شرعية محميّة من قِبل مدير كازينو لبنان رولان خوري، بحجّة أنها حاصلة على ترخيص من شركة "بيت أرابيا"، و متعاقدة مع الشركة المشغّلة OSS التي يُديرها جاد غاريوس.
ومن أبرز هذه الشركات المشغلة
Las Vegas ،Soon C’est Bon ،Sparka Achrafieh ،Phoenicia ،Rooftop Dani Azzi ،Hotel Bi7ar Sea Side Karantina , LaCité ,Ceasar Lounge , sea said Karantina ومراكز في شتورا وصور.
ليست هذه المكاتب الوحيدة التي تدور التحقيقات والشبهات حولها، بل هناك جمعيّات وشركات مشتبه بها بأنها تغطّي مكاتب المراهنات غير الشرعية، منها "جمعيّة حماية وتحسين نسل الجواد العربي في لبنان"، التي ذكرت تقارير إعلامية أنها تُستعمل كغطاء لتشغيل كازينوهات غير قانونية في الضبيّة، وفتحت عدّة فروع للمراهنات عبر الإنترنت خارج لبنان، حيث تستغلّ رخصة سباق الخيل لبثّ سباقات فرنسية أيام الأربعاء فقط، لكن يتمّ استخدام هذا الغطاء لتشغيل كازينوهات على مدار الساعة في عدّة مواقع مخالفة للقانون.
و بقرار من القاضية دورا الخازن أُغلق عدد من هذه المنشآت.
خلاف حول تعيين مدير جديد لكازينو لبنان أم تحقيق حول شبهات اختلاس؟
كريم الضاهر عضو "الجمعيّة اللبنانية لحقوق المكلّفين" ولجنة "FACTI" في الأمم المتّحدة حول عملية تبييض الأموال، اعتبر في حديث لـ"درج" أن "عمليّة تبييض الأموال عائدة على أساس الجرم، وهنا يجب أن نحدّد أي ليس اللعب بالكازينو أو المراهنات عبر الإنترنت هما تبييض أموال، بل يجب أن نرى مصدر الأموال التي يلعب فيها اللاعب، وفي حال كانت من عمليّات غير مشروعة تندرج تحت تبييض الأموال، وهناك ٢١ حالة رئيسية لتبييض الأموال، منها ٤ حالات أساسية وهي الفساد، والاختلاس، وفرط النفوذ، وإساءة استعمال المنصب، هذه الحالات السابقة هي إحدى النقاط التي تحقّق تبييض الأموال".
الضاهر يمثّل لبنان في لجنة تنسيق المعايير الدولية الجديدة المتعلّقة بالشفافية الضريبية، وكان محامي كازينو لبنان سابقاً: "بخصوص تحويل الأموال عن طريق ألعاب الأونلاين دون رقابة، ثم تسلّمها من مكاتب التحويل في لبنان، أعتقد أن عمليّة تبييض الأموال هنا ضعيفة، لأن هذه المكاتب خاضعة لرقابة شديدة من الخارج، والشركة التي تمّ إغلاقها والتي تحوّل الأرباح للاعبين، ليست الشركة الوحيدة في عمليّة تبييض الأموال، بل هناك عمليّة كبيرة ننتظر أن تتكّشف خيوطها، من ضمنها عمليّة فرض النفوذ والمصالح، وآليّة تقاسم الأرباح، أي يجب أن تأخذ الدولة ٥٠٪ من الأرباح غير الصافية، وفي حال أُثبت أنه تمّ أخذ هذه الأرباح عن طريق شركة "بيت أرابيا" وتجميعها فيها، وبقي للكازينو الجزء الضئيل من الإيرادات، تكون بذلك عمليّة تهرّب ضريبي واختلاس أموال، وكلّ الأشخاص المتّهمين فيها يُوجّه لهم تهماً بالفساد وفرط نفوذ والثراء غير المشروع وتبييض الأموال".
صندوق أسود للطبقة السياسية
في تقرير موسّع لـ"الدولية للمعلومات" نُشر في عام 2014، أُشير صراحةً إلى معطيات بأن الكازينو يحوّل جزءاً من أمواله عبر "صندوق أسود" لتمويل شخصيّات وأحزاب وفق حصص، لكنّ التقرير شدّد على أن هذه المزاعم غير موثَّقة بوثائق قابلة للإثبات، وأن النقدية العالية للنشاط تسهّل تداول الأموال دون التمكّن من إثبات ذلك.
أين يظهر النفوذ السياسي:
الملكيّة والحصص: المالك الأكبر هو شركة إنترا للاستثمار (~53%) التي للدولة/ مصرف لبنان حصّة وازنة فيها، ما يجعل الكازينو "شبه عامّ" من حيث التأثير السياسي.
تسييس الحوكمة: "الدولية للمعلومات" توثّق أن اختيار مجلس الإدارة تاريخياً يجري وفق محاصصة طائفية/ سياسية فعلية لا اسمية، ما يفتح الباب لتوظيف نفوذ الأحزاب في التعيينات والعقود.
التزامات تجاه الدولة: بموجب القوانين والعقود (1994 و1995 ثم تعديلات لاحقة) تدفع الشركة للدولة نسبة تصاعدية من إجمالي إيرادات ألعاب القمار (30% ثم 40% ثم 50–60% في المراحل اللاحقة) مع لجنة رقابية من المالية والسياحة.
الشراء العامّ والمنصّة الرقمية: في عام 2023 أصدر ديوان المحاسبة رأياً استشارياً حول مشروع القمار عبر الإنترنت (Betarabia) خلُص بالأكثرية إلى أن كازينو لبنان لا يخضع لقانون الشراء العامّ (خلافاً لرأي هيئة الشراء العامّ) وطلب الإسراع بتشريع واضح لقطاع القمار "أونلاين"، ووقف المواقع غير المرخّصة، ولاحظ ثغرات في إجراءات التلزيم ومدّته.
يمكن الجزم بوجود تداخل بنيوي بين الدولة/ مصرف لبنان (عبر إنترا) والكازينو، وبأن مجلس الإدارة تاريخياً خضع لمعادلات سياسية/ طائفية، وبأن الإيرادات الضخمة للكازينو تحوّل جزء منها رسمياً إلى الخزينة وفق نسب مقرّرة. هذه عناصر موضوعية تخلق بيئة خصبة للنفوذ.
كيف يرتبط ذلك بثقافة النفوذ والإفلات من العقاب؟
كازينو لبنان هو شركة نقدية بامتياز، وذات ملكيّة تعمل في ظلّ ثغرات رقابية وتشريعية خصوصاً في الأونلاين، وهذا يعتبر بيئة نموذجية للزبائنية وتبادل المنافع وقابلية سوء الاستخدام، مع صعوبة التتبّع المالي، وهذا النمط هو جزء من اقتصاد سياسي طائفي يلتهم المؤسّسات شبه العامّة.
كما أن تضارب المرجعيات (هيئة الشراء العامّ vs ديوان المحاسبة) يخلق مناطق رمادية إجرائية، ما يسمح بتأجيل المحاسبة أو عرقلتها. إضافةً إلى بطء التحقيقات القضائية تاريخياً في قضايا الحوكمة المالية، وهنا يتجذّر انطباع "الإفلات من العقاب".
يرى الباحث في "الدولية للمعلومات" محمّد شمس الدين أن أحد أسباب فتح الملفّ اليوم، هو سبب سياسي يتعلّق بالمحاصصات بين الزعماء "رولان خوري تمّ تعيينه من قِبل الرئيس السابق ميشال عون، على أن يستقيل لأن رئيس الجمهورية الحالي جوزاف عون يريد أن يعيّن شخصاً جديداً، ولكنّه تمسّك بمنصبه الذي ينتهي في نيسان/ أبريل ٢٠٢٦، وإقالته يجب أن تتمّ من قِبل المساهمين، بينهم شركة إنترا المساهم الأكبر في كازينو لبنان، ومديرها محمّد شعيب تابع لحركة أمل، وبسبب رفض بري (رئيس مجلس النواب) تمّ فتح الملفّ" يقول شمس الدين.
هنا يرى شمس الدين أن "الأحزاب كلّها مستفيدة من الكازينو عبر المحاصصة منها أمل، وحزب الله، والقوّات، والتيّار، والاشتراكي، وكلّ حزب من هؤلاء لديه موظّفون تابعون له، أي لكلّ الطوائف ولكلّ الجهات الحزبية السابقة".
لا رقابة وبيانات معرّضة للخطر والابتزاز
لا يوجد قوانين ناظمة للمقامرة عبر الإنترنت في لبنان، إذ يكون اللاعب عرضة لاختراق بياناته الشخصية، ويمكن للقاصرين اللعب، بينما في قطاع ألعاب الإنترنت تُعدّ إجراءات "إعرف عميلك" (KYC) في الاتّحاد الأوروبي أساسية للتحقّق من هويّة اللاعب وعمره وموقعه، ومراقبة مستمرّة لنشاط المستخدم ومعاملاته للكشف عن أي سلوك مشبوه، إضافة إلى وجود صيغة عمل للمفوضية الأوروبية في الأطر القانونية لتنظيم المقامرة عبر الإنترنت تُشرف على تنظيم المقامرة.
هذا ما يؤكّده اللاعب خضر الأخضر من حيث اختلاف القوانين بين لبنان مقارنة بدول أخرى، حيث كان يُراهن عبر الإنترنت في الصين وكولومبيا وغيرها، ويقول: "هناك شروط… يجب أن يكون اللاعب فوق ١٨ عاماً، ويملك إقامة، في المقابل في لبنان لا توجد رقابة على المراهقين، وبعضهم يتوجّه للسرقة من أجل الراهنة والربح، ولا يوجد رقيب يوقف اللاعب عند حدّ معين من الخسارة، كما أنه لا يوجد مراهنة محدّدة لكلّ لاعب شهرياً".
ويضيف: "تحدث عمليّات الابتزاز عند المشغّلين في بيت أرابيا في التلاعب بالأرباح لمن لا يملك حساباً، وهنا تحدث السرقة، كما أن ألعاب الروليت يمكن التلاعب بها بشكل كبير، إذ يوجد server يتحكّم باللعبة حسب الأرقام المراد أن تربح أو تخسر، أي يتمّ تحديده من قِبل المشغّل، أما عن البيانات فهي متاحة، ويمكن لأي شخص الوصول إليها، طالما اللاعب يضعها عند المشغّل ويطّلع عليها وعلى جواز السفر لكلّ لاعب، أي البيانات الشخصية مباحة".
يعلّق عبد قطايا مدير البرنامج الإعلامي في SMEX للحقوق الرقمية في مقابلة مع "درج"، على خطورة انتهاك خصوصية البيانات في القمار عبر الإنترنت، بأن "البيانات معرّضة لمخاطر كبيرة، حيث هناك العديد من منصّات الألعاب عبر الإنترنت تطلب من اللاعب الحساب وكلمة السرّ، ويجب أن يضع رقم بطاقة الفيزا، ومنها من يطلب جواز السفر ليسمح باللعب، وهناك العديد من الناس لا يعلمون هذه المنصّات لمن تتبع وترسل هذه المعلومات، في المقابل هناك ناس تملك حسابات كي تلعب مع آخرين، ويتمّ تأجيرها للاعبين، وهناك ناس لا يأخذون بعين الاعتبار أن هناك لاعبين قصّراً بل يسمحون لهم باللعب".
ويشير قطايا إلى مخاطر اللعب عبر الإنترنت، حيث التطبيقات الإلكترونية التي ليس لها سياسات خصوصية ولا بلد منشأ، وفي حال تمّ تحميل التطبيق على التلفون فهي "تكشف الميتاداتا الخاصّة باللاعب وبموقعه الحالي أثناء استعمال التلفون أو فتح الإنترنت، ومنهم من يسمحون للتطبيق بالوصول إلى الصور، وهنا تزيد المخاطر أكثر، ويتمّ الوصول إلى الكثير من المعلومات الشخصية عن طريق الهاتف".
وعن الحماية القانونية يقول قطايا: "هناك شقّان، الأول: حماية البيانات وتنظيم اللعب أونلاين، والثاني: تنظيم هذه الألعاب. بالنسبة إلى حماية البيانات لدينا القانون ٨١، وهو قانون المعاملات الإلكترونية ذات الطابع الشخصي، هذا القانون للأسف هو قانون ناقص، أُضيف إليه شقّ حماية البيانات، ولكنّه لا يغطّي كلّ شيء"، ويتابع: "الشق الثاني هو تنظيم هذه الألعاب، كمنصّة بيت أرابيا، حتى قيل إنها لم تنشأ بالإطار القانوني الصحيح، في المقابل هناك الكثير من البلدان لديها قانون أطر تنظيمية للألعاب أونلاين منها الاتّحاد الأوروبي، يطّلعون على المستهلكين وأعمارهم ولديهم قائمة بأسماء الشركات، حيث ينظّمون لوائح بأسماء الشركات المشغّلة ويطلبون منها التراخيص في البلد الموجودة فيه، لعدّة أسباب منها حماية البيانات ودفع الضرائب ومراقبة السلوك المشبوه. أما في لبنان فلا يوجد مثل هذه الآليّات، بل أنشأوا بيت أرابيا وقالوا فقط هذه هي المنصّة الرسمية".
حتى اليوم لا يزال ملفّ ألعاب القمار الأونلاين قيد التحقيق قضائياً، وكلّ ما تكشّف يُظهر مرّة جديدة التداخل العميق بين النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية الخاصّة وغياب الشفافية.
لبنان يخوض تحدّيات عديدة في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية الحالي جوزاف عون ورئيس الحكومة القاضي نوّاف سلام، اللذين رفعا شعارات كبرى أهمّها المحاسبة والشفافية والمساءلة.
ملفّ ألعاب القمار هو واحد من التحدّيات التي على الحكومة والسلطة الحالية إثبات مصداقيتها عبرها، فهل تنجح؟ أم سيتكرّر نهج المحاباة وعرقلة الوصول إلى العدالة؟