اخبار لبنان

سي ان ان عربي

سياسة

تحفة فنية نجت من انفجار بيروت.. والترميم يكشف هوية الرسامة

تحفة فنية نجت من انفجار بيروت.. والترميم يكشف هوية الرسامة

klyoum.com

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عقب تعرّض لوحة البطل الإغريقي هرقل والأميرة أمفالي، للتمزق بالزجاج المتطاير  خلال عصف انفجار بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020، وغطاها الحطام، استغرق ترميم اللوحة الرائعة أكثر من ثلاث سنوات. 

وخلال عملية الترميم تمكن الخبراء من الجزم بأنّ هذه اللوحة التي أُنجِزت بتقنية الزيت على القماش، تعود إلى ثلاثينيات القرن الـ17، ورسمتها الفنانة الإيطالية الباروكية الكبيرة أرتيميسيا جينتيلسكي. والأخيرة هي واحدة من النساء الفنانات القلائل في عصرها، اللواتي حظين بالاعتراف بموهبتهنّ. 

تنقّلت لوحة "هرقل وأمفالي" بين ثلاث مجموعات خاصة فقط خلال أربعة قرون، ومحطتها الأخيرة لعقود عديدة كانت  حتى حطت قبل عقود في قصر سرسق، القصر الخاص والفخم الذي يعود بناؤه إلى منتصف القرن التاسع عشر، والذي كان مملوكًا لعائلة سرسق في بيروت على مدار خمسة أجيال قبل أن يتحوّل إلى متحف. 

تسبّب الانفجار الذي وقع في العاصمة اللبنانية، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وآلاف الجرحى، بدمار كبير للمبنى ولأصحابه، حيث توفيت إيفون سرسق كوكراين، كبيرة العائلة البالغة من العمر 98 عامًا، متأثرة بإصابتها.

وراهنًا، تُعرض هذه التحفة الفنية للمرة الأولى أمام الجمهور، في إطار معرض "نساء أرتيميسيا القويات: إنقاذ تحفة فنية"، بمركز غيتي بلوس أنجلوس. 

تصوّر اللوحة الأسطورة اليونانية التي تُظهر هرقل، الذي استعبدته ملكة ليديا، أمفالي، وكلّفته بمهام تقليدية كانت تُنسب للنساء، مثل النسج. تُظهره لوحة جينتيلسكي يرفع مغزلًا من الصوف، قبل أن يقع الاثنان في الحب. فلطالما أعطت جينتيلسكي شخصياتها النسائية في الأساطير والكتاب المقدس، إحساسًا قويًا بالوكالة والقدرة على الفعل، مثل مشهدها الأكثر شهرة للأرملة يهوديت التي تقطع رأس القائد الآشوري هولوفرنيس. 

وفي هذه اللوحة المنسوبة لها حديثًا، تلعب جينتيلسكي على دورات الجنسين المعكوسة فيما يقترب البطلان العاشقان من بعضهما، فيما يعزّز التفاف الأقمشة الفاخرة حول جسديهما لمعان جلدهما اللامع.

وكانت العائلة برزت إيصالًا يثبت أنّ اللوحة أدرجت ضمن مجموعة سرسق بعدما اشترتها من تاجر أعمال فنية في نابولي، حيث عاشت جينتيلسكي سنواتها الأخيرة. 

وعند وقوع الانفجار، كانت التحفة الفنية التي كان رسامها مجهول الهوية حينها، معلّقة أمام نافذة، وفق ما ذكره متحف غيتي. وعند عصف الانفجار أصاب زجاج النافذة المتشظي قماش اللوحة بثقوب كثيرة  وتمزق واسع على شكل حرف L عبر ركبة هرقل.

ووصف أولريش بيركماير، كبير محافظي اللوحات في متحف غيتي، حالة اللوحة في حديثه مع CNN كالتالي: "كان الضرر شديدًا للغاية. ربما يكون الأسوأ الذي رأيته في حياتي".

إلى جانب العصف المفاجئ الذي تعرضت له اللوحة وإطارها، كانت التحفة الفنية تعاني من تقشر الطلاء، والشقوق، والتقوّس نتيجة الظروف الرطبة، وفق بيركماير، الذي أضاف أنّ رسم جينتيلسكي للعمل تعرّض لتشويه إضافي بسبب الورنيش متغير اللون، والطلاء الزائد الناتج عن محاولة ترميم سابقة تمت قبل قرون. عندما شاهد بيركماير اللوحة للمرة الأولى في بيروت، بعد عام من الانفجار، جمع الحطام الذي تراكم خلف سطحها، على أمل أن يتمكن من إعادة تجميع شظايا الطلاء الدقيقة التي كانت عالقة بالزجاج في لوس أنجلوس.

رغم أنّ اللوحة قد تم ترميمها وتنظيفها بعناية بواسطة تحليلات بالأشعة السينية وتقنيات رسم خرائط الأشعة السينية (XRF)، فقد أُعيد تأهيلها لتستعيد تألقها وهدفها الشعري. لكن بيركماير يرى أنها لن تعود أبدًا إلى حالتها الأساسية، "ستظل بعض آثار الضرر مرئية دومًا".

طريق طويل لإعادة الاكتشاف

لولا الانفجار، لربما استمرّت لوحة "هرقل وأمفالي" عملًا صاحبه مجهول، ولما عُرفت أنها لوحة لجينتيلسكي، باستثناء مؤرخ فنون لبناني كان قد رآها قبل عقود.

ففي أوائل التسعينيات، كان غريغوري بوشاكجيان طالب دراسات عليا في جامعة السوربون بباريس، وكان يكتب أطروحته حول مجموعة سرسق. في تلك الفترة، ربط بين لوحة "هرقل وأمفالي" ولوحة أخرى هي "مريم المجدلية التائبة"، وبين جينتيلسكي، لكنه لم يتابع نشر أبحاثه على نطاق واسع، وفقًا لمجلة الفن Hyperallergic. في مقال له بمجلة أبولو في سبتمبر/ أيلول 2020، نسب بوشاكجيان اللوحتين إلى الفنانة الإيطالية، ما أدى إلى الاعتراف الأوسع بأبحاثه وتوافق الآراء حول نسبتهما إليها.

فعلى مدار مسيرتها الفنية، كانت جينتيلسكي، ابنة الرسام المنافستي أورازيو جينتيلسكي، تكلّف بمواضيع رسم من كبار الرعاة الفنيين، مثل عائلة مديتشي في إيطاليا، وملك إسبانيا فيليب الرابع وملك إنجلترا تشارلز الأول، قبل أن تُنسى في التاريخ بعد وفاتها في العام 1653. 

اليوم، يوجد في سجلّها أكثر من 60 لوحة لها،رغم أن البعض منها قوبل بالشكوك باعتباره نسخًا أو تعاونًا مع فنانين آخرين.

وأوضح بيركماير أنها "لاقت شهرة واسعة في عصرها، لكنها أُهملت تقريبًا في القرون التي تلت، وهذا الأمر ينسحب على العديد من رسامي الباروك، لكن الأمر طال النساء أكثر بالطبع". 

أعيد اكتشاف جينتيلسكي في القرن العشرين، ومع الانتعاش الذي شهدته الحركة النسوية في السبعينات، ساعدت عودتها على تمهيد الطريق للبحث وإبراز أعمال فنانات من الماضي.

لكنّ الدراسات التقنية حول أعمالها ما زالت قليلة جدًا، بحسب دافيدي غاسباروتو، كبير أمناء اللوحات في متحف غيتي، مقارنة بنظرائها من الفنانين الذكور. يقدم تقرير غيتي رؤى حول تقنياتها وموادها وكيفية تعديلها للتكوين مع مرور الوقت، مثل تغيير وضعية رأس هرقل ونظراته لتعزيز الشحنة العاطفية، وهو ما يعتبره غاسباروتو "أسلوب أرتيميسيا بوضوح".

وقال غاسباروتو: "نحن نعمل تدريجيًا على بناء معرفة أفضل حول طريقة رسمها، لكني أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من الأبحاث، خصوصًا لأنها فنانة شهدت تطورًا كبيرًا في أسلوبها طوال مسيرتها الفنية"، مضيفًا أنها "فنانة تتابع عن كثب ما يجري من حولها، وتمتصّه (وتتأثر به)".

تدرّبت جينتيلسكي على يد والدها، لكنها تأثرت أيضًا بزملائها ومن سبقها من فناني الباروك، مثل كارافاجيو وغويرشينو. جالت في أوروبا، وتدربت على تقنيات فناني البندقية، واعتمدت مهارات أخرى من نابولي، حيث استقرت لاحقًا، وأسّست ورشة عمل. اعتبر بعض الباحثين أن فترة وجودها في نابولي في ثلاثينيات القرن السابع عشر كانت "الأقل إثارة للاهتمام"، لكن غاسباروتو يخالفهم هذا الرأي، وتشكل لوحة "هرقل وأمفالي" دليلًا إضافيًا على ذلك.

وقال: "لوحاتها تنمو في الحجم. هي لوحات مهيبة، وتكوينات طموحة، ومتعددة الشخصيات". وأشار إلى أن هرقل في هذه اللوحة أكثر شخصياتها الرجالية إتقانًا، "خصوصًا لفنانة لم تتمكن من دراسة الأجساد العارية للرجال باستخدام نموذج حي لأنها امرأة، فلم يُسمح لها بذلك". 

ترميم التحفة الفنية

عندما مزّق الزجاج لوحة جينتيلسكي، لم يطل معظم النقاط الأساسية في اللوحة، رغم أن جزءًا من أنف هرقل وعينه تعرّضا للتلف. قال بيركماير إن تلك كانت أصعب منطقة لإعادة الترميم، لكنه استطاع رؤية المسودة الأولى لرأس هرقل في الأشعة السينية التي ساعدت على إعادة بنائها. استعان بصديقه فيديريكو كاستيليوتشيو، الممثل الإيطالي الأمريكي الذي اشتهر بدوره كـ"فوريو" في مسلسل "The Sopranos"، وهو أيضًا فنان وجامع للأعمال الفنية الباروكية.

يذكر بيركماير: "لقد ساعدني على إتمام ترميم آخر منذ سنوات. لذا قام برسم رأس هرقل لي وأشار إلى كيف يجب أن تبدو العين المفقودة هناك"، مضيفًا: "لقد اعتمدت في إعادة الترميم على ذلك، وكان ذلك مفيدًا جدًا". 

ولفت بيركماير إلى أن ترميم عمل قديم لا يعني جعله جديدًا، بل الحفاظ عليه من "التحلل مع مرور الزمن" الذي يطاله بعد 400 عام. مع عمله بالتعاون مع اختصاصيين آخرين بشكل تدريجي على اللوحة، بدأت التحفة الفنية تكشف عن نفسها.

وقال: "لديك هذه اللوحة مكسورة إلى قطع، وكل ما تراه هو الأضرار، والورنيش متغير اللون، والترميم القديم، والثقوب الكبيرة، ثم، شيئًا فشيئًا.. تتكشف الصورة مجددًا. إنها عملية اكتشاف مثيرة جدًا. أردت إنصافها".

من بعض السمات المميزة لأعمال جينتيلسكي التي تظهر في "هرقل وأمفالي" تصويراتها للأقمشة والمجوهرات، والإيماءات الدقيقة التي تكرّرها عبر لوحاتها.

قال بيركماير: "من الجميل جدًا الطريقة التي تدير بها رأس أمفالي، هذه النظرة المستقيمة"، موضحًا أن العديد من شخصياتها النسائية تميل إلى أن تكون في نفس الوضعية. وخلص إلى أنه "في لوحاتها الأخرى التي لدينا على سبيل الإعارة، نرى الوضعية ذاتها".

*المصدر: سي ان ان عربي | arabic.cnn.com
اخبار لبنان على مدار الساعة

حقوق التأليف والنشر © 2025 موقع كل يوم

عنوان: Armenia, 8041, Yerevan
Nor Nork 3st Micro-District,

هاتف:

البريد الإلكتروني: admin@klyoum.com